اللد ـ أ.ف.ب: شعر يوسف، الفلسطيني الذي عمل طيلة 12 عاما لحساب جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت)، ان الخناق يشتد حوله، عندما رأى مشاهد تنفيذ حكم الاعدام «بالمتعاونين» الفلسطينيين مع اسرائيل عبر شاشة التلفزيون في منزله.
ويتملك يوسف (36 عاما) الخوف رغم بعده عن الاراضي الفلسطينية التي غادرها نهائيا في عام 1995 للاقامة في مدينة اللد بالقرب من تل ابيب. ويوجه اصبع الاتهام، بمرارة واشمئزاز، الى رب عمله السابق لأنه لم يبذل جهدا لحمايته.
ويقول «لقد عصرونا كالليمونة ثم رمونا. لقد خنت شعبي من أجلهم ووعدونا بمنافع جمة لكنهم لم يقدموا لنا سوى الكذب».
ومنذ بدء الانتفاضة في نهاية سبتمبر (ايلول) الماضي، اطلقت السلطة الفلسطينية حملة ملاحقات ضد «المتعاونين». وفي 13 يناير (كانون الثاني)، نفذت حكم الاعدام باثنين منهم رميا بالرصاص للمرة الاولى منذ انشاء السلطة الفلسطينية عام 1994.
ويعتبر يوسف الذي عمل بين 1983 و1995 لحساب الـ«شين بيت» ثم لحساب اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) لمدة سنتين، ان ذلك «بمثابة رسالة خوف. رسالة واضحة تعني انهم يريدون رؤوسنا».
وفي اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، تلقى يوسف الذي كان يعمل سائق حافلة، اتصالات عدة على هاتفه النقال تأمره بنقل ركاب اسرائيليين الى الاراضي الفلسطينية على متن الحافلة التي يقودها.
وقال له احد المتصلين المجهولين «اذا لم تقم بذلك، سنعرف كيف نعثر عليك». ويوضح انه علم، بعد تحقيق سريع، ان الاتصالات كانت ترد اليه من رام الله بالضفة الغربية.
وقبل ذلك، اطلق رجال شرطة فلسطينيون النار على سيارته عندما اوصل زوجته الى مكان بالقرب من رام الله. وقال «لقد تعرفوا علي». وقبل اربعة اشهر، خطف علي الفقيه، المتعاون السابق وصديق يوسف، بينما كان يقود سيارته بالقرب من القدس.
واعلن يوسف ان جهاز الـ«شين بيت» غض الطرف عندما علم بالامر «وأحالني على الشرطة كأي مواطن آخر». ومع ذلك، يكرر يوسف من دون كلل «نحن الذين صنعنا الشين بيت».
ويبقى الغموض مسيطرا على حديث يوسف الذي جند في 1983، حيال دوافع وظروف لقائه وتعاونه مع الـ«شين بيت». ويقول «لقد وعدوني بالمال والمساعدة على تحسين ظروف حياتي وقالوا لي انهم يعملون من اجل السلام».
وهكذا يقسم يوسف وقته بين عمله الرسمي كسائق حافلة في اسرائيل، و«عمله» لحساب الـ«شين بيت» في منطقة رام الله. ولا تزال المنطقة تحت السيطرة الاسرائيلية.
وتقضي مهمة يوسف برصد ما يسميهم بـ«الارهابيين» والحصول على اسمائهم وعناوينهم، ويساعد في اعتقالهم حتى انه يشهد عملية الاعتقال ايضا. ويعترف قائلا: «بالمئات» في اشارة الى اعدادهم. لكن سرعان ما يجري رصده، وغالبا ما يغير مكان اقامته.
وفي عام 1992، جند للعمل لحساب «الموساد» لمدة سنتين في موازاة عمله مع الـ«شين بيت». فهو ينطلق في مهمات الى العراق وسورية، البلدين اللذين ما يزالان على عداء مع اسرائيل. ويروي ان مهمته تقضي بالحصول على معلومات حول ترسانات البلدين العسكرية وتجنيد عملاء داخل كل منهما.
وفي عام 1993، وقعت اسرائيل اتفاقيات اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفي العام التالي، اقيمت السلطة الفلسطينية على اراضي الحكم الذاتي التي تضم رام الله. ويروي يوسف ان «حوالي 2500 من عائلات «المتعاونين» توجهت للاقامة عندئذ في اسرائيل». ويوضح انه بات من «الخطر جدا» البقاء في الاراضي الفلسطينية.
ولدى يوسف انطباع بانه تعرض للخداع. فـ«ارهابيو» الامس كما يطلق على عناصر وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية، تحولوا الى شركاء اليوم، وهو يجد نفسه مع زوجته واولادهما السبعة في شقة صغيرة في اللد.
وفي مرحلة اولى، كان يتلقى المال ثم لم يعد يحصل على شيء. واليوم، يطلب قطعة سلاح لحماية نفسه. وبلغ به الامر حد التظاهر قبل اسبوعين امام مقر اقامة رئيس الوزراء الاسرائيلي في القدس.
واتبع صديقه سامي (35 سنة) سلوكا مماثلا تقريبا. فبالاضافة الى مطالبته بقطعة سلاح، يطالب هذا الفلسطيني المولود في غزة، بالحصول على الجنسية الاسرائيلية. ويقول ان «شعبي هناك، وانا هنا سجين. هناك انا محروق، وعلي اذن ان اواصل العيش هنا».