دبلن تشدد الرقابة على عشرات العرب عشية بدء القمة الأميركية ـ الأوروبية مساء اليوم

TT

تحولت ايرلندا الى قلعة حصينة عشية القمة الاميركية ـ الاوروبية التي تبدأ رسميا مساء اليوم مع وصول الرئيس جورج بوش الى مطار شانون على الساحل الغربي. ففي اطار اجراءاتها لحماية الضيف الكبير، حشدت حكومة دبلن ما يزيد على 6000 شخص وعددا من الزوارق والطائرات الصغيرة والكبيرة، كما شددت منذ ايام المراقبة على عشرات العرب المتهمين بـ«التعاطف» مع تنظيم «القاعدة». غير ان قطاعات من الايرلنديين، بمن فيها سياسيون ونقابيون بارزون، اعدوا للمناسبة «استقبالا» من نوع آخر. وقد بدأ هؤلاء امس تنفيذ برنامجهم الحافل باعتصامات ومسيرات ستتواصل على امتداد اليومين القادمين، احتجاجا على زيارة بوش وكبار مساعديه الذين يتقدمهم وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس.

وفي هذه الاثناء، قال مصدر ايرلندي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، ان دبلن عازمة على التشديد خلال القمة على جدوى «العمل الجماعي»، كبديل للمبادرات المنفردة، في سياق المساعي لمعالجة الوضع في العراق وأزمة الشرق الأوسط. ولفت مراقبون الى ان التحفظ الذي ابدته ايرلندا خلال رئاستها للاتحاد الاوروبي في الاشهر الستة الماضية على مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، لن يغيب عن اجتماعات اليومين القادمين. ولم يستبعدوا ان يثير رئيس الوزراء الايرلندي بيرتي آهرن خلال القمة موضوع نزاع دارفور، لا سيما ان منظمات غير حكومية وناشطين قد حثوه على ذلك بالحاح في الايام الاخيرة.

وطاف امس العشرات في شوارع دبلن الرئيسية اعرابا عن معارضتهم للزيارة، والمسيرة التي عبرت ساحات وشوارع توزعت فيها منشورات مناهضة لسياسة واشنطن الخارجية اصدرتها «حملة ايقاف بوش»، اتخذت طابعا دراميا. فقد ارتدى مشاركون ساروا في المقدمة بزات برتقالية شبيهة بتلك التي يلبسها معتقلو غوانتانامو، الا ان مسرح النشاطات الاحتجاجية الرئيسية هو منطقة انعقاد القمة في اقليم كلير بغرب البلاد. وسمح لمعارضي الرئيس الاميركي تنظيم اعتصام مساء اليوم تحت عنوان «لا للحرب.. لا لبوش» في موقع قريب نسبيا من مطار شانون، واعتصام ثان غدا قرب قلعة دروملاند التي تستضيف اجتماعات القمة. لكنهم منعوا من المضي في خطتهم للسير على الاقدام غدا لعشرات الاميال بين القلعة ومطار شانون في اطار «الوداع» الاحتجاجي الذي رتبوه للرئيس الاميركي.

بيد انه سيكون من الصعب للغاية على هؤلاء المعارضين اسماع اصواتهم لبوش ومرافقيه. فعدا عن ان مئات من رجال الامن الاميركيين سيحيطون به على الدوام، حشدت دبلن 4000 شرطي و2000 جندي للقيام بدوريات متواصلة في المنطقة وإحكام الطوق حول موقع وجود الرئيس. وتساهم عشرات الزوارق وطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية في تنفيذ خطة الحماية التي بدأت اجراءاتها عمليا قبل اسابيع مع وصول مئات من رجال الامن الاميركيين لتمشيط المنطقة سلفا. وتم توفير مشاف ميدانية احتياطية، فضلا عن «حجرات تطهير» تحسبا لوقوع هجوم ارهابي كيماوي او جرثومي. ويقدر ان هذه الترتيبات الامنية ستكلف دبلن ما يزيد على 3 ملايين يورو، مع ان الزيارة لن تستغرق سوى 18 ساعة. وتثير القمة الاميركية ـ الاوروبية جدلا على صعيد مختلف. فقد عمدت الحكومة الى اخلاء بعض مستشفيات المنطقة، في اطار اجراءاتها الاحتياطية الرامية الى معالجة تداعيات هجوم ارهابي. الا ان المرضى الذين اجبروا على مغادرة اسرتهم قبل الاوان، والاوساط الصحية والسياسية في اقليم كلير، اعربوا عن استيائهم لهذه الاجراءات.

وتناقلت صحف امس انباء انشغال اجهزة الامن الايرلندية منذ فترة بمراقبة عشرات «المشبوهين» بتأييد «القاعدة» من مغاربيين ومصريين وافغان وباكستانيين يعيشون في البلاد. واشارت الى ان جهاز الامن العسكري يتابع بدقة تحركات جزائريين وتونسيين ومغربيين وليبيين ومصريين يقيم معظمهم في العاصمة دبلن، وذلك بالتعاون مع القسم المختص بالشرق الأوسط في دوائر الشرطة الايرلندية.

ومن جهته، اكد مصدر رسمي ايرلندي بارز لـ«الشرق الأوسط» حرص بلاده على انجاح القمة، خصوصا انها تثمن عاليا علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة التي تضم بين مواطنيها قرابة 4 ملايين شخص من اصل ايرلندي. ولفت الى ان اللقاء سيكون تتويجا لجهود حثيثة بذلتها دبلن على المسرح الدولي في الاشهر الستة الاخيرة، كرئيسة دورية للاتحاد الاوروبي. واوضح ان اهرن ووزير خارجيته برايان كوين، سيؤكدان خلال مباحثاتهما مع الرئيس بوش وباول ضرورة «تعزيز العمل الجماعي دوليا». وقال ان «ما شهده العراق منذ بداية الغزو يدل الى ان العمل المنفرد محكوم بمواجهة صعوبات لا يمكن تجاهلها». وإذ شدد على ان دبلن تدرك ان الاميركيين لن يتخلوا عن «حق توجيه ضربات وقائية» ضد هذا الهدف او ذاك، فقد اعتبر ان تمسك واشنطن بهذا النهج يجب الا يمنع من تعاونها مع المجموعة الدولية لوضع «قواعد عالمية فعالة» لكيفية معالجة ازمات كبيرة مثل الارهاب وتسرب اسلحة الدمار الشامل.

واعرب الدبلوماسي الايرلندي الذي طلب عدم ذكر اسمه عن امله بامكان تعميق التعاون الاوروبي ـ الاميركي حول العراق بعدما تخطى الجانبان خلافاتهما الاولى في هذا المجال. الا انه كان اشد ترددا في التكهن بانسجام تام بشأن «مشروع الشرق الأوسط الكبير» وعملية السلام في الشرق الأوسط. واشار الى ان آهرن وكوين سيعبران عن الموقف الاوروبي لا الايرلندي، لا سيما ان رئيس المفوضية الاوروبية رومانو برودي، ومسؤول الخارجية والامن الاوروبي خافيير سولانا، والمفوض الاوروبي للشؤون الخارجية كريس باتن، سينضمون اليهما في اجتماعات القمة. وذكر ان النهجين الاميركي والاوروبي حيال الاصلاحات وعملية السلام «يتممان بعضهما البعض، لكنهما متميزان».