العراق غيّر الجيش الأميركي.. لكن نحو الأفضل أم الأسوأ ؟

ضغوط الحرب تجبر المؤسسات العسكرية الأميركية على إعادة النظر في الكثير من المسلمات

TT

لم يمض وقت طويل على ظهور تقرير يشير الى أن عبوة ناسفة على جانب طريق في العراق كانت قد أخفيت في داخل كلب ميت. وبعد ايام من ذلك روى الجنرال الذي يشرف على مراكز تدريب الجيش ان المتدربين العسكريين في الولايات المتحدة كانوا قد اخذوا علما بتلك الخدعة.

وقال الجنرال ويليام والاس في مقابلة معه انه منهج ديناميكي حقا في مراكز التدريب يتغير بظهور أساليب جديدة في الحرب في العراق.

لقد تركت 15 شهرا من المعارك في العراق آثارها على الجيش الأميركي. فكل المؤسسات تتغير، ولكن الجيش خصوصا يجتاز تغيرا جذريا كنتيجة للاحتلال الذي واجه صعوبات غير متوقعة عانى فيها من اصابات اقتربت من ستة آلاف اصابة.

وتشير التقارير على نطاق واسع الى الجهد والتوتر الذي تعاني منه القوات والعوائل وكذلك في مجال المعدات، مضيفة ان من المتوقع أن يزداد ذلك ارتباطا بعودة بعض الوحدات الى العراق في جولة ثانية. ويؤكد الكابتن البحري المتقاعد في عدد يوليو من «برسيدنغز» ـ المجلة الاختصاصية لضباط البحرية ـ على أن «الحرب ألحقت أفدح الأضرار بالجيش وقوات المارينز. وتعاني عملية تناوب القوات من تثاقل وبدأت قوات المتطوعين بالتقلص ونحن نوسع جولات المعارك ونكافح من أجل المزيد من الأفراد على الأرض».

وكان آخر مؤشر على الضريبة السيكولوجية دراسة أعدها أخيرا معهد «والتر ريد آرمي» للأبحاث كشفت عن أن حوالي 16 في المائة ممن خدموا في العراق يظهرون دلائل على صدمة المعركة.

وقال السناتور الديمقراطي جاك ريد، وهو ضابط سابق في الجيش يعمل حاليا في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، انه على العموم فان «هذا النوع من الضغط يسبب التغيير، الذي يكون بعضه جيدا بينما البعض الآخر غير جيد».

والحقيقة ان هناك بعض التغيرات الأقل بروزا تظهر أيضا وبعضها نحو الأفضل. فهناك جيل من ضباط الجيش الشباب باتوا أكثر خبرة من خلال عام من القتال في بيئة شاقة وغير متوقعة على سبيل المثال. واذ يسعى الجيش الى التكيف لشن حملة ضد التمرد على بعد سبعة آلاف ميل يجري الآن الابتكار في كيفية تدريب المجندين الجدد والقوات الأخرى لأغراض الانتشار.

وقال الكولونيل المتقاعد جيمس جاي كارافانو، المحلل الدفاعي في «هريتيج فاونديشن» ان «العراق يعجل بتسريع التغير في القوات المسلحة، وخصوصا الجيش. انه يرغمهم على النظر الى كثير من الأمور التي كانوا قد دفعوها جانبا لأن انجازها كان شاقا».

وفي المؤسسات الأخرى يبدو أن التغير مالي بشكل رئيسي. وفي قاعدة الساحل الشرقي البحرية الكبيرة في نورفولك لن يكون سوى عدد قليل من زوارق سحب البوارج الحربية الى الأرصفة في الخدمة في الصيف الحالي نتيجة قرار بتقليص ميزانية القاعدة بهدف توفير ما يصل الى 300 مليون دولار للمساعدة في تمويل عمليات قوات البحرية والمارينز في العراق. وأوقفت القوات البحرية أيضا مشتريات بعض قطع الغيار حتى حلول السنة المالية الجديدة في أكتوبر المقبل.

وقال الأدميرال كوتلر داوسون مساعد رئيس العمليات البحرية لأغراض الموارد انه «قد يكون هناك بعض الهبوط في درجة الجاهزية نتيجة لذلك». وأضاف انه يعتقد ان التأثير سيكون قصير الأمد.

وفي سلاح الجو تجري تقليصات في ميزانيات الانفاق على السفر والتنقلات وبعض مشتريات الأدوات الاحتياطية والتجهيزات. وقال الجنرال ستيف لورينز، مدير ميزانية سلاح الجو «نحن نحاول أن نقلل من أية تأثيرات على الجاهزية. وحتى نهاية السنة لن نعرف كيف ستتطور الأمور».

ولا ريب أن نظام العاملين في الجيش يواجه ضغوطا. وقال الجنرال جاي غارنر، الذي عمل العام الماضي كأول رئيس للادارة المدنية الأميركية في عراق ما بعد الحرب «أعتقد أن الجيش في وضع صعب. وأرى أن أفراده يشعرون بالتعب والمعدات تعاني من التقلص وقد سببنا ضغوطا مفرطة لقوات الاحتياط. ونحن بحاجة ماسة الى الجنود المشاة والشرطة العسكرية لأن الجيش قليل العدد».

ويشعر خبراء آخرون بالقلق من التكاليف المخفية لاستخدام المعدات في درجة حرارة عالية وغبار مزعج في العراق. فطائرات الهليكوبتر والعربات المدرعة وعربات الهمفي ستكون حياة خدمتها أقصر مما خطط له الجيش. وفي الجيش قد تكون التغيرات الأكبر البعيدة الأمد في كيفية التدريب ارتباطا بالدروس المستقاة من مواجهة التمرد المضاد. وقد لاحظ الكولونيل المتقاعد أندرو كريبينيفيتش الذي ألف كتابا عن الجيش وفيتنام انه بعد حرب فيتنام «خرجنا من دائرة التمرد المضاد».

ومن الناحية التاريخية يركز مركز التدريب القومي على المعارك بين قوات الآليات الثقيلة في مناطق صحراوية مفتوحة. ولكن خلال العام الماضي أضاف المناطق المدينية وكلف بعض الأميركيين العراقيين للعمل فيها والتداخل مع القوات الأميركية بل وحتى اقامة الكهوف في التلال حيث يمكن لقوات حرب العصابات المضادة أن تخفي أسلحة وتجهيزات أخرى.

واذا ما تعامل جنود الجيش مع السكان المحليين بصورة جيدة في المناطق المدينية فانهم سيحصلون على معلومات عن مخابئ الأسلحة. أما اذا لم يفعلوا ذلك فانهم سيواجهون مصاعب في العثور على تلك الأسلحة. وتتطلب السناريوهات الجديدة للتدريب قادة عسكريين لمعالجة كل شيء من العمليات القتالية الى اغاثة اللاجئين.

وأضاف الجيش ثمانية آلاف الى الـ 25 ألفا من المشاة الذين يدربهم سنويا في قاعدة فورت بيننغ بولاية جورجيا. ومن أجل التعامل مع الزيادة واستبدال الجنود المنتشرين في العراق وأفغانستان لتدريب السكان المحليين هناك فقد عبأت ما يقرب من 100 من قوات الاحتياط لتدريب الجنود الجدد. كما يجري أيضا تدريب الميكانيكيين والمحاسبين في عمليات قتالية مثل الدفاع عن القافلة أو مواجهة الهجوم. وقال والاس ان التغيرات في تدريب الجيش هي الأكثر أهمية منذ «ثورة التدريب» في أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما خرجت الخدمة العسكرية من وضعها الذي جاء في أعقاب حرب فيتنام وأقامت تدريباتها على أساس معركة ضد قوات مقاومة محترفة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط