مسؤول سابق في «المؤتمر الوطني» يقدم «شهادة للتاريخ»: مختلقو قصص أسلحة الدمار الشامل خانوا القضية وهم الآن يتحملون النتائج

TT

بعد فترة قصيرة من إعلان الرئيس بوش الحرب على الإرهاب في خريف 2001 بعث المؤتمر الوطني العراقي ـ التنظيم الذي يتزعمه أحمد الجلبي والذي كان مقيما في المنفى ـ إلى شبكة وكلائه الاستخباراتيين برسالة قصيرة : اعثروا لنا على دليل يثبت وجود أسلحة محرمة تجعل صدام حسين هدفا أساسيا للولايات المتحدة.

بالتأكيد، وصل الطلب إلى محمد الزبيدي نفسه وهو عراقي مقيم في المنفى وظل يعمل لأربع وعشرين سنة لزعزعة نظام صدام حسين من مراكز في الأردن وسورية ولبنان وشمال العراق. وتحت اسم كوميدي هو «الذيب» عمل الزبيدي، 52 سنة، كقائد ميداني لما يقرب من 75 إلى 100 شخص كانوا يجمعون المعلومات حول مكائد دولة العراق البوليسية.

وخلال الأشهر الثلاثة اللاحقة جمع الزبيدي وأعوانه تصريحات من مرتدين قالوا إنهم يعرفون عن المرافق العسكرية للجيش وإنهم هربوا من العراق لبلدان مجاورة. وفي فترة قصيرة قامت نفس مجموعة المرتدين بأخذ قصصها إلى وكلاء الاستخبارات والصحافيين الأميركيين. وتحدث المرتدون عن مختبرات أسلحة متنقلة تجري بشكل سري وموقع جديد للأسلحة المحرمة دوليا موجود تحت مستشفى في بغداد ووقوع اجتماع لحكومة صدام حسين مع أسامة بن لادن، وكل هذه القصص أصبحت في نهاية المطاف عناصر حاسمة في قضية شن الحرب بالنسبة لإدارة بوش.

لكن هذه المزاعم ظلت غير مبرهن على صحتها. وقال الزبيدي في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي في لبنان إن المزاعم المشؤومة التي رددها المرتدون تختلف تماما عن تلك التي أشير إليها لاحقا بأنها من طرفه وطرف معاونيه. وفي المقابلة زود الزبيدي الصحافي بيومياته التي كتبها خلال عامي 2001 و2002 وتقاريره التي قدمها استنادا إلى التصريحات التي ذكرها المرتدون في صيغتها الأصلية.

وحسب الوثائق فإن المرتدين تكلموا حول جوانب تخص مرافق عسكرية عراقية مثل تلك الخاصة بخزن الصواريخ، لكنهم لم يطرحوا أي مزاعم محرضة حول إنتاج أسلحة أو أن هناك مسؤولا عراقيا قد التقى بابن لادن.

وأكد الزبيدي أن هؤلاء الرجال غيروا قصصهم بعد أن التقوا بشخصيات رفيعة من المؤتمر الوطني العراقي. واعترف بأنه انشق عن التنظيم الذي يتزعمه أحمد الجلبي في أبريل 2003، وقال إن المسؤولين في هذا التنظيم دربوا المرتدين قبل السماح لهم بالالتقاء بوكلاء الاستخبارات والصحافيين الأميركيين.

وقال الزبيدي «هم بالغوا بشكل متعمد في المعلومات لجر الولايات المتحدة إلى الحرب. نحن نعرف أن المرتدين لديهم معلومات ضئيلة لكنهم نسجوا منها قصصا كبيرة».

لكن نبيل الموسوي، أحد نواب الجلبي، والذي التقى بالمرتدين أكد أول من أمس أن تأكيدات الزبيدي «طفولية» ولا تحمل أي علاقة بالواقع. وقال إنه لم يكن دور الزبيدي أو مساعديه أن يستجوبوا المرتدين ولم تكن مسؤولية المؤتمر الوطني العراقي تحديد درجة مصداقية كل مرتد.

وأضاف الموسوي «سواء فشل المرتد أو نجح فهذا لا يعني أي شيء بالنسبة لنا. فليس هناك أي شك بأننا كنا نريد أن نتهم النظام لكنني آمل لو كان لدينا شخص ذكي كي يجلس ويخبرنا بالقصص».

وكان الزبيدي ولفترة قصيرة قد سلطت عليه الأضواء بعد سقوط النظام السابق في أبريل 2003 إذ عمل في فترة فراغ السلطة خلال تلك الأيام باتجاه تأسيس إدارة مدنية في بغداد يكون هو فيها رئيسا تنفيذيا، وهذا المسعى استمر أسبوعين قبل أن يتم اعتقاله على يد الجيش الأميركي ولمدة 12 يوما ثم أمر بالتوقف عن ذلك، ثم تم توقيفه لاحقا مرة أخرى وقضى حوالي خمسة أشهر في السجن، وهو مقتنع بأن زملاءه السابقين في المؤتمر الوطني العراقي وراء اعتقاله، لكن الموسوي أنكر صحة هذا الزعم.

وقال فرانسيس بروك، مستشار الجلبي في واشنطن، أول من أمس إن الزبيدي كان وكيلا فعالا لكنه لم يثر في وقتها أي شكوك حول مصداقية المرتدين. وقال بروك «يبدو لي أن الرجل مجنون. الله يعلم لمن يعمل حاليا؟ إنه عمل لصالحنا عن قرب. وهو لم يشر أبدا عن أي شيء مثل هذا من قبل. إن تصريحاته تتناقض مع أي معلومات لدي حول الكيفية التي تدار بها الامور».

وقال الزبيدي إنه قرر التكلم ليس بسبب مشاعر سيئة ضد بعض الأفراد بل لتصحيح الوقائع. وقال الزبيدي «أنا لا أحاول أن أشوه سمعة هؤلاء الناس على الرغم من خيانتهم للقضية. وهم الآن يتحملون النتائج. أنا شاهد. إن هذا شيء للتاريخ».

وقال بروك إن الطلب من المؤتمر الوطني العراقي كي يحصل على معلومات تتعلق بالأسلحة المحرمة في العراق أصبح أكثر إلحاحا بعد هجمات 11 سبتمبر. ففي 20 سبتمبر من نفس السنة ومع بقاء الدخان متصاعدا من بعض مباني البنتاغون التقى الجلبي بمجلس السياسات الدفاعية الذي يقوم بتقديم الاستشارات لوزير الدفاع. وكان هناك إجماع واضح بين أعضائه بأنه يجب إزالة صدام حسين عن السلطة في العراق من أجل تحقيق استقرار المنطقة وعرقلة جهوده في دعم الإرهابيين، حسبما قال بروك الذي رافق الجلبي إلى البنتاغون.

* خدمة «نيويورك تايمز»