الديمقراطية تبدأ بخطى بسيطة:مرشحون موثوق بهم يتنافسون على أصوات الناخبين

عريان السيد خلف: سمعنا عن تطور أوروبا وكيف بدأت بخطوات مثل هذه ونريد أن نتبع الطريق ذاته

TT

سواء جاءت الديمقراطية فعلا الى العراق، أو انها ما تزال مجرد امكانية، فانها أمر غير ذي أهمية عاجلة بالنسبة للدكتور أحمد أبو رغيف، الطبيب في بغداد.

وقد ظهر بقاعة في الجامعة يوم الأحد الماضي أنيقا أمام 50 شخصا، وهو يستعد للدعاية لنفسه في انتخابات المؤتمرات المحلية.

وقال الدكتور أبو رغيف، 37 عاما، قبل بدء عملية الانتخاب «تحدثت عن نفسي أمام كثير من الناس. أحمل شهادة الدكتوراه. وأنا عضو في مجلس المدينة. وأعتقد انني مرشح جيد للفوز»، اضافة الى انه يتمتع بعلاقات شخصية طيبة مع الناس «فبعضهم مرضاي». ويعتبر أسلوبه الغربي في تعبئة اصوات الناخبين جزءا مما يمكن أن يصبح ميلادا للديمقراطية في العراق، وهو شيء لم يوجد هنا من قبل أبدا.

وكانت المؤتمرات من النوع الذي شارك فيه الدكتور أبو رغيف تعقد أخيرا في مختلف أنحاء العراق لاختيار حوالي ألف شخص يعقدون مؤتمرا وطنيا في بغداد الأسبوع المقبل.

والهدف الملموس للمؤتمر هو أن يختار بحرية مجلسا انتقاليا يضم 100 شخص يقوم بمراقبة الحكومة المؤقتة التي يترأسها اياد علاوي الى أن تجري الانتخابات العامة في يناير (كانون الثاني) المقبل. ولكن يهدف المؤتمر أيضا الى ان يكون فرصة للحوار الوطني يبدأ فيه العراقيون من مختلف الأديان والمناطق والجماعات السياسية والاثنية لمناقشة مستقبلهم.

وبسبب انتشار العنف والاختلافات، وهو ما خلق صعوبات، فان الأمم المتحدة طلبت من الحكومة العراقية تأجيل المؤتمر لفترة قصيرة على الأقل، ذلك ان هذا العدد الكبير من السياسيين يشكل هدفا ارهابيا مغريا، بغض النظر عن التحديات اللوجستية المرتبطة بعقد المؤتمر. ويجري حديث عن رفض بعض القوى السياسية المشاركة باعتبار ان المؤتمر يدار من قبل الولايات المتحدة ولا يتمتع باستقلالية.

وقال وميض نظمي، رئيس تحرير احدى الصحف ومسؤول في حزب يرفض المشاركة، ان ممارسات مثل المؤتمر تبدو موجهة الى حد كبير الى «الرأي العام في أميركا لابلاغهم بأن السلطة سلمت الى العراقيين».

واضاف ان «هذه الحجة قد تساعد السيد بوش في انتخابه، ولكن التغيير محدود جدا في العراق. ونحن لا نريد أن نكون جزءا من هذا الحل الأميركي».

ومن بين القوى الرافضة والتي تعتبر قوة رئيسية جمعية العلماء المسلمين، وهي جماعة معتدلة نسبيا من رجال الدين والمثقفين السنة، ورجل الدين الشيعي المتمرد مقتدى الصدر، الذي لديه اتباع كثيرون في أوساط الشيعة الفقراء والساخطين.

وقد وصف جمال بن عمر، مستشار الأمم المتحدة بشأن المؤتمر الوضع بـ «التحدي الكبير الذي لا يحتمل الاستعجال»، مشيرا الى ضرورة توفر ما يكفي من الوقت لاقناع الجماعات المعارضة بالمشاركة لضمان شرعية أكبر للمؤتمر.

ولكن المسؤولين العراقيين لا يريدون التأجيل. وقال فؤاد معصوم، المسؤول العراقي الذي يترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، ان مصداقية قانون ادارة الدولة وبالتالي عملية اقامة حكومة غير مؤقتة بأسرها تستدعي عقد المؤتمر في الموعد المحدد. وقال ان «العملية تسير الى أمام»، ولكنه لم يقلل من ثقل المشاكل، مشيرا الى ان «هذه ممارسة عملية جديدة بالنسبة للعراقيين».

وبينما لا يعتبر المجلس المنتظر انبثاقه عن المؤتمر الوطني قادرا على تشريع قوانين فانه سيكون قادرا على ممارسة الفيتو على القرارات الحكومية والمصادقة على ميزانية عام 2005 ومساءلة الدكتور علاوي.

على ان المؤتمر يتمتع بأهمية كاختبار لدعم الحكومة المؤقتة وتقديم صورة عن كيفية محاولة العراقيين التقدم في هذه التجربة نحو الديمقراطية.

ومن بين المؤشرات الايجابية ان عددا من الجماعات الرئيسية التي رفضت المشاركة في حكومة الدكتور علاوي تشارك الآن في المؤتمر الوطني وبالتالي تقر على الأقل العملية التي جرت في مايو الماضي من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة. والقوى الأكثر أهمية هي الفروع المختلفة لحزب الدعوة الاسلامي، وهو أكبر حزب للمسلمين الشيعة في العراق.

وبعد 35 عاما من الدكتاتورية في ظل حكم صدام حسين لا تشبه العملية ما شهده معظم العراقيين. وفي المؤتمر مرحلتان معقدتان تبدآن باختيار ألف مندوب من العشائر والأحزاب السياسية والاتحادات النقابية والثقافية.

ويجري اختيار ما يزيد على 500 مندوب من المحافظات المختلفة عبر المؤتمرات المحلية، وهي ممارسة تركت آثار الدهشة والغضب لدى البعض في اطار الفوضى الديمقراطية.

ويقول المنظمون ان المشكلة الكبرى حتى الآن تتمثل في انه بين الجماعات التي تريد المشاركة هناك عدد كبير من المرشحين. ففي الكوت، المدينة الشيعية التي تقع جنوب بغداد، تنافس 1.248 مرشحا على 22 مقعدا. وفي النجف، المدينة التي تعتبر مقدسة لدى الشيعة بسبب مرقد الأمام علي الموجود فيها، كان هناك 920 مرشحا لاختيار 20 مقعدا، مما أثار تذمر جماعة الصدر وزعماء آخرين من أن العملية لم تكن شاملة أو ديمقراطية بما يكفي.

وفي المؤتمر المحلي الذي انعقد في بغداد، التي تضم خمسة ملايين نسمة، تنافس 436 مرشحا على 40 مقعدا، خصصت 10 منها للنساء، اللواتي خصص لهن نسبة 25 في المائة من مندوبي المجلس.

وبطريقة ما كان مؤتمر بغداد، الذي عقد في قاعة بجامعة بغداد، حلما ديمقراطيا. فقد وقف المرشحون وهم يحملون مكبرات الصوت ورشحوا انفسهم بشكل صريح وكتبوا على لوحة في المسرح أسماءهم ليراها جميع المشاركين.

وسعى الأشخاص الأكثر طموحا، مثل الدكتور أبو رغيف، الى التأثير في الحاضرين الذين هم أنفسهم لم ينتخبوا وانما جرى تعيينهم من جانب الأحزاب والجماعات السياسية والمجالس المحلية. وكان التصويت على قصاصات ورق توضع في صناديق اقتراع خشبية خمسة وكان عد الأصوات علنيا.

وقال عريان السيد خلف، 59 عاما، وهو شاعر وصحافي معروف في العراق وكان من المتنافسين على مقعد «لقد سمعنا عن تطور أوروبا وكيف بدأت بخطوات بسيطة مثل هذه. نريد أن نتبع الطريق ذاته».

ولكن آخرين اشتكوا من سوء التنظيم والصفقات السرية للمرشحين الذين لا يسعون الا الى اغناء انفسهم بأن يصبحوا جزءا من عالم السياسة هنا، وهي شكاوى غالبا ما تسمع، اذا شئنا الصراحة، في الأنظمة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم.

ومن أجل أن يكون هذا المؤتمر، الذي يواجه تحديات كثيرة، مؤتمرا شرعيا، حسب ما يقول عراقيون ودبلوماسيون أجانب، يجب أن يكون ممثلا بصيغة معينة لجميع سكان العراق البالغ عددهم 20 مليون نسمة، أي الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيون والتركمان والأقليات الأخرى، وكذلك النساء، والأحزاب السياسية المختلفة.

ويجب أن يفعل ذلك، وهو ما تخشاه الأمم المتحدة، من دون مشاركة عدد من الجماعات العراقية الرئيسية، التي يحتفظ بعضها بصلات مع المتمردين الذين يمارسون العنف، وعليه أن يدرس ويعالج القضايا الأكثر اهمية هنا: العنف، اعادة الاعمار، والنظام القضائي.

وعليه أن يفعل هذا في مناخ من العنف اتجه فيه المتمردون، على نحو متزايد، الى عمليات خطف واغتيال أعضاء الحكومة الجديدة.

* خدمة «نيويورك تايمز».