أمام أنظار الأمم المتحدة استولى صدام على المليارات من عائدات «النفط مقابل الغذاء»

وثائق: الرئيس المخلوع استغل انقسامات مجلس الأمن وفساد موظفين دوليين وتواطأ معه سماسرة عرب وشركات أوروبية وصينية

TT

عند انتهاء عام 2000 وحينما بلغت استفادة صدام حسين من عائدات برنامج «النفط مقابل الغذاء» أوجه،ا وصلت بسرعة تقارير بذلك للمشرفين على البرنامج في الأمم المتحدة. وكشف خبراء الصناعة النفطية لأعضاء مجلس الأمن الدولي ولكوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة أن العراق يطلب عمولات من تحت الطاولة من المشترين لنفطه. ووزعت البعثة البريطانية ورقة على أعضاء المجلس كشفت ما عرف باسم «إساءة استخدام البرنامج بطريقة مؤسساتية»، ووصفت كيف أن العراق يرغم زبائنه المصدرين للسلع على دفع رشاوى له. حينما وصل التقرير إلى لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن متابعة العقوبات الدولية المفروضة على العراق ومراجعة كل العقود مع العراق، أثار شيئا من الذعر لكن لم يتخذ أي إجراء حسبما قال دبلوماسيون بل ولم ينعقد اجتماع لمناقشة المزاعم.

ومنذ سقوط صدام حسين أصبح برنامج «النفط مقابل الغذاء» موضوعا للمراقبة أكثر مما كان عليه خلال الستة أعوام التي استغرق العمل فيه. وقدر مكتب المحاسبة التابع للكونغرس الاميركي مقدار ما امتصه صدام من البرنامج بما لا يقل عن 10 مليارات دولار عن طريق التعامل غير الشرعي في النفط وجمع الرشاوى من الشركات التي سمحت لها الأمم المتحدة بالعمل مع العراق. وتطرح التحقيقات التي تجري حاليا في واشنطن والعراق وفي الأمم المتحدة السؤال التالي: كيف تمكن صدام حسين من أخذ كل هذه الأموال في الوقت الذي كانت فيه العقوبات الدولية مفروضة على نظامه؟

ومن خلال تفحص البرنامج الذي يعتبر الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة هناك إشارات باتجاه هذا الجواب: سمحت الأمم المتحدة له بالقيام بذلك. وقال بيتر فان والسوم الدبلوماسي الهولندي الذي كان رئيسا للجنة المختصة في تطبيق العقوبات الدولية على العراق ما بين عامي 1999 و2000 «الجميع قالوا إنه أمر مخز وضد القانون الدولي لكن لم يكن هناك أي حماس لمعالجة المشكلة. نحن لم يكن لدينا أي قرار واضح على أي شيء. لذلك فنحن كل ما قمنا به هو أننا غضضنا الطرف».

حتى فبراير (شباط) الماضي كان الموقف الرسمي لمكتب الأمم المتحدة المسؤول عن تسيير البرنامج أن المنظمة الدولية، هو أنها لم تعرف بحالات الاحتيال الوبائي إلا بعد انتهائها. لكن المسؤولين والدبلوماسيين السابقين الذين تعاملوا بشكل مباشر مع البرنامج يقولون الآن إن الرشاوى والعمولات السرية كانت سرا مفضوحا لعدة سنوات. وفي تقييمات صريحة قدموها بعد انتهاء تلك الحالة وصفوا البرنامج بأنه كان شبيها بسفينة منجرفة يحكمها تخطيط بائس ويتسرب منها المال حيث ينظم حركتها مجلس الأمن المتميز بحالة من الشلل نتيجة لخلافاته حول السياسة الخاصة بالعراق.

كان البرنامج الذي تمت صياغته سنة 1996 محاولة طموحة لإبقاء الضغط الدولي على العراق قائما من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل الخاصة به بينما يتمكن الشعب العراقي من النجاة من العقوبات التي فرضت على حكومة صدام حسين بعد غزوه للكويت عام 1990 .

كانت المحاولة بأكملها ممولة عن طريق بيع النفط العراقي وسمح حل وسط سياسي للعراق بأن يقرر أي البلدان التي يريد أن يبيعها نفطه ومن أي بلدان يريد شراء السلع. وكان على الأمم المتحدة التوثق من أن السعر الذي وضعه العراق لنفطه عادل وأن العوائد الناجمة عن بيع النفط تستخدم لشراء السلع الهادفة لإغاثة الشعب العراقي لا أن تتسرب إلى خزائن صدام حسين أو أن تستخدم في شراء أسلحة بطريقة غير شرعية. ومع تزايد تدفق الأموال كانت الأمم المتحدة بميزانية قدرها 1.5 مليار دولار مسؤولة عن جمع وتوزيع ما يقرب من 10 مليارات دولار في السنة من موارد النفط العراقي. وحتى مع انكشاف عمليات الاحتيال التي أدارها نظام صدام حسين بشكل واسع، قال المسؤولون إنه لا مجلس الأمن الدولي ولا موظفو الأمم المتحدة الكبار حاولوا استرجاع الأموال المحولة أو إجراء تحقيق صارم بخصوصها. أصبح عمل «مكتب برنامج العراق» المسؤول عن إدارة أنشطة النفط مقابل الغذاء مع مديره السابق بينون سيفان موضوعا لتحقيق مستقل خاص تقوم به الأمم المتحدة ويرأسه بول فولكر رئيس الاحتياط النقدي الفيدرالي السابق. وتقوم اللجنة التي يرأسها بتقصي الاتهامات بإطار واسع والخاصة بسوء الإدارة والفساد في البرنامج إضافة إلى اتهامات محددة موجهة لبعض مسؤولي الأمم المتحدة وهذا يشمل سيفان الذي تدور مزاعم حوله تقول إنه تسلم رشاوى. وأعلن فولكر في مؤتمر صحافي يوم الاثنين الماضي أن لجنته تحتاج إلى ما يقل عن 30 مليون دولار وربما فترة عام لتحديد ما إذا كانت الاتهامات لها ما يبررها. وعلى الرغم من النظام المتقن التابع للأمم المتحدة والخاص بالإشراف على عقود النفط مقابل الغذاء، فإن الفساد لا يبدو وكأنه هم لأي شخص مشارك في هذا العمل. فالولايات المتحدة وبريطانيا كانتا مركزتين على إبقاء المواد التي لها علاقة بالأسلحة غير الشرعية بعيدا عن العراق. وفضلت بلدان أخرى لها حصص كبيرة في العراق بما فيها فرنسا وروسيا رفع العقوبات الدولية. أما بالنسبة لبيروقراطية الأمم المتحدة فإن الدبلوماسيين يقولون إن الأولوية كانت لإبقاء السلع تتدفق على الشعب العراقي.

وفي قاعات الأمم المتحدة أصبح البرنامج ساحة قتال للمصالح التجارية المتنافسة وللأجندات السياسية الخاصة بخمسة عشرا بلدا عضوا في مجلس الأمن الدولي حسبما قال بعض الدبلوماسيين. وتلك البلدان هي نفسها التي يتشكل منها أعضاء لجنة العقوبات الدولية والتي تتخذ إجراء ما فقط في حالة تحقق إجماع على قرار ما أو نقضه عن طريق عضو واحد. والنتيجة كانت حالة من الشلل ترجمت إلى إذعان تجاه قضايا مثل عمولات النفط. وفي التقارير السنوية الخاصة بلجنة العقوبات الدولية المفروضة على العراق ينعكس هذا الضعف من خلال إشارات متكررة تتعلق بالفساد.

على سبيل المثال، جاء في تقرير عام 2002 أن اللجنة «أخذت في الاعتبار تقريرا صدر عن جمهورية إيران الإسلامية من حدوث إيقاف لمحاولة تهريب نفط مزعومة داخل مياهها الإقليمية... واللجنة انتبهت إلى هذه المعلومات». وحينما علمت اللجنة من تقرير صحافي في أواخر عام 2001 أن شركة هندية تساعد العراق في شراء مواد محظورة لمفاعل الوقود النووي ضغطت الولايات المتحدة وبريطانيا لإجراء تحقيق بخصوص ذلك. وقال عضوان في اللجنة إن نقاشا دار لأشهر لتحديد ما إذا كان يجب حث الهند لإجراء التحقيق. وقالت اللجنة في تقريرها لعام 2002 «تبقى المناقشات حول تلك القضية غير حاسمة». وبينما ظل الدبلوماسيون منهمكين في معالجة خروق العقوبات الدولية، استمرت الأموال والعقود بالتدفق من خلال «مكتب برنامج العراق» التابع للأمم المتحدة.

وأنكر سيفان الدبلوماسي القبرصي أن يكون قد تسلم أي رشاوى وإنه لم يقدم شيئا سوى تصريح جاء فيه أن مكتبه غير مسؤول عن كشف الفساد. لكن التحقيق الذي أجراه أعضاء من الكونغرس يخالف هذا الزعم، مذكرا بعض قرارات الأمم المتحدة.

وتم نقل الأدلة على وقوع أعمال احتيال من مكتب إلى مكتب بدون التوصل إلى أي شيء حاسم. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية كان ضمن لجنة متعددة الوكالات لمراجعة العقود التجارية مع العراق، إن اللجنة اكتشفت «تجاوزات في التسعير توحي بوجود عمولات ورشاوى». وقال هذا المسؤول إن اللجنة «استفسرت لماذا يحتاج العراق إلى استيراد قرميد مطلٍ بالذهب للقصور أو أجهزة لامتصاص الدهون من الجسم».

وقال بيتر برلي نائب المندوب الأميركي في الأمم المتحدة خلال أواخر التسعينات إن تلك المخاوف قد تم نقلها إلى مكتب سيفان. وقال مكتب سيفان إنه قام بنقل المعلومات الخاصة بالعقود المثيرة للشبهة إلى لجنة العقوبات الدولية والتي فيها مقعد دائم للولايات المتحدة.

وحتى بعد تلقي اللجنة التقارير التي تشير إلى أن المصدرين يغيرون من صياغة عقودهم لإخفاء العمولات التي يدفعونها فإن اللجنة لم ترفض أي عقد بسبب التكاليف حسبما جاء في تقارير صدرت أخيرا عن الكونغرس الأميركي وعن مسؤولين في الأمم المتحدة. كان هم سيفان الرئيسي هو تجنب المآزق التي تؤدي إلى توقف تنفيذ العقود المتعلقة بتوفير السلع المسعفة لاحتياجات العراقيين حسبما قال ميشيل تيلنغز أحد المشرفين الثلاثة على عقود النفط والذي راقب مبيعات العراق للنفط لصالح الأمم المتحدة.

وقال تيللنغز إن «بينون وجد أمامه مجلس أمن منقسم على نفسه وكان هو حريصا قبل كل شيء آخر على إيصال الغذاء مقابل النفط. لذلك اتخذ طريقا وسطا ولم يحقق في المشاكل. كان يقول: إذا كانت لديك أدلة قاطعة فإنه سيكون علي الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لكن إذا كانت مجرد شائعات ففي هذه الحال ليس هناك حاجة لتزعج نفسك». وكان غياب التنسيق في تنفيذ البرنامج واضحا في حقيقة تتمثل في عدد التقارير التي كتبها فاحصو الحسابات حول البرنامج، إذ بلغت 55 تقريرا خلال كل سنوات البرنامج، لكن العديد من الدبلوماسيين قالوا في مقابلات صحافية إنهم لم يروا أي من هذه التقارير.

وفي الأخير، أبقت مجموعة من الضغوط المالية والسياسية البرنامج جاهزا للفساد حسبما قال الدبلوماسي الهولندي المتقاعد فان والسوم إنه كان أحيانا يظن أن بعضا من زملائه الدبلوماسيين غير راغبين في الاستماع إلى قصص متعلقة باحتيال ممكن فهم كانوا حريصون على حماية مصالح شركات صديقة وحلفاء أجانب حريصين على التعامل التجاري مع العراق. وقال والسوم «كل شخص كان يعيش في نفس البيت الزجاجي».

الجدير بالذكر ان برنامج النفط مقابل الغذاء هدف لتقديم المواد الغذائية والطبية الى الشعب العراقي ولمواجهة مزاعم صدام حسين بان العقوبات هي المسؤولة عن انتشار سوء التغذية في العراق بعد فرض الحظر في 1990 . ولم يمنع العراق من شراء الاغذية والعقاقير لطبية، الا ان صدام لم يكن يستخدم الاموال لهذا الغرض. وبتعديل الحظر النفطي، كان مجلس الامن يراهن على انه ربما يتمكن من ممارسة مزيد من الضغوط لاجبار العراق على شراء مواد اغاثة.

ومن ناحية أخرى كان البرنامج يعمل بصورة جيدة. فطبقا لمكتب الكونغرس للمحاسبة العامة، فإن البرنامج قدم مواد غذائية وخدمات الى 24 مليون عراقي. وانخفض معدل سوء التغذية بالنسبة للاطفال. ولكن مجلس الامن اقر شراء بعض المواد التي فتحت الباب للفساد. فقد وافق صدام حسين علي البرنامج في عام 1996 بعدما حصل على تنازل أساسي: ففي الوقت الذي ستسيطر فيه الامم المتحدة على عائدات النفط، يمكن للعراق التفاوض علي عقود خاصة به لبيع النفط وشراء امدادات. وهذه الترتيبات، طبقا لمكتب المحاسبة العامة «ربما كانت أحد العناصر الهامة في السماح للعراق بفرض عمولات غير قانونية». وفي عام 1999 رفع مجلس الامن كل القيود على كميات النفط الذي يمكن للعراق بيعها. وحصل مكتب برنامج العراق على سلطات لاقرار عقود في عديد من المجالات - من المواد الغذائية والطبية والزراعة والمعدات الصحية - بدون اقرار لجنة الحظر التابعة لمجلس الامن.

وفي الوقت نفسه عطلت الولايات المتحدة وبريطانيا اقرار مليارات الدولارات لعقود كانتا تعتقدان انها تمد العراق بمواد او معدات يمكن ان تستخدم لتطوير اسلحة الدمار الشامل. وهذه القيود على العقود اثارت قلق المسؤولين في الامم المتحدة الذين كانوا يحاولون تحسين الظروف المعيشية للعراقيين، وأدت الى اعتراضات من اعضاء مجلس الامن الذين كانوا يفضلون مزيدا من التدفق الحر للتجارة مع العراق. واعتبرت الدول التي كانت تؤيد استمرار العقوبات، جانب مساعدات الاغاثة للبرنامج بأنها ثانوية. كما وصفها فان والسوم «النفط مقابل الغداء يعني النفط ليس من اجل اسلحة الدمار الشامل». وتحت ضغوط من دول اخرى، وافقت الولايات المتحدة وبريطانيا على مزيد من الحلول الوسط في نظام العقوبات.

طبقا لقرارات مجلس الامن وبرنامج النفط مقابل الغذاء، فإن كل عائدات النفط العراقية ستوضع في حساب مصرفي تابع للامم المتحدة لاستخدامه في مواد الاغاثة. غير ان تجارة العراق المزدهرة في مبيعات النفط غير المشروعة استمرت تحت نظر المجلس.

ومن بين الجهات التي كانت تمد العراق باحتياجاته المصانع العربية، وسماسرة عرب وشركات صناعية اوروبية وشركات حكومية من الصين والشرق الاوسط. ففي واحد من الامثلة، وجد مسؤولون اميركيون في العراق ان سورية كانت على استعداد لدفع 15 في المائة من قيمة عقد بـ 57.5 مليون دولار لبيع قمح للعراق. وتعامل عدد من اكبر تجار النفط والمصافي في العالم مع بغداد، بما فيهم غلينكور وهي شركة تجارية سويسرية. وقال تيلنغز المراقب النفطي السابق ان اعضاء مجلس الامن كانت لديهم مستويات تسامح مختلفة بالنسبة لإساءة استخدام البرنامج. فعندما ارادت الولايات المتحدة وغيرها من الدول ان تواجه لجنة العقوبات سورية بخصوص مبيعات نفط، عرقلت روسيا وفرنسا المحاولة، منطلق انه لا يجب استثناء سورية عندما رفض الاميركيون التحقيق في تجارة النفط المربحة لحلفيهما الاردن وتركيا.

وذكر المحققون التابعون للكونغرس ان العراق حصل علي 5.7 مليار دولار من بيع النفط خارج نطاق اشراف الامم المتحدة، بينما كان برنامج النفط مقابل الغذاء يعاني من نقص في الاموال المخصصة لامدادات الاغاثة. ويقول هانز فون سبونك، وهو دبلوماسي في الامم المتحدة منذ زمن طويل، استقال من منصب منسق مساعدات الاغاثة للعراق في 1999 «كان يمكنهم تحليل كلفة ما يبيعه صدام للعراق، ثم يطلبون من العراق قرضا لبرنامج النفط مقابل الغذاء لانه لم يكن هناك اموال كافية للحد الأدنى من احيتاجات الناس. ودافع جون نغروبونتي السفير الاميركي في الامم المتحدة آنذاك، وسفيرها الان في العراق، عن المعاملة الخاصة التي كان يحصل عليها الاردن وتركيا التي سمحت لهم بدفع ثمن النفط للعراق مباشرة نقدا او مقابل بضائع. وقال ان السبب يرجع الى معاناة الدولتين من آثار العقوبات الاقتصادية. وقد احتج عندما سأله السناتور كريستوفر دود عمن استفاد من مبيعات النفط غير الخاضعة للاشراف. ولكن السناتور اكد انه ليس لديه اية شكوك. وقال «الا يعتبر القول باحتمال انتهاء تلك الاموال في يد صدام حسين ومحاسيبه تخمينا جيدا؟» ورد نغروبنتي «لا اعرف».

كانت حكومة صدام حسين تطلب رشاوى من كل عقد تقريبا تتفاوض عليه، ابتداء من عام 2000، طبقا لوثائق من الوزارات العراقية التي اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» هذا العام. وكان المسؤولون العراقيون الكبار يطلبون من الوزارات ابلاغ الشركات بأن عليهم دفع مبلغ يصل الى 10 في المائة من قيمة العقد في حسابات مصرفية اجنبية سرية، وهو ما يمثل انتهاكا للحظر الذي فرضته الامم المتحدة. ولتنفيذ ذلك، فإن المسؤولين العراقيين ذكروا ان الشركات كانت تتعمد تضخيم اسعار منتجاتهم.

ففي عقد قيمته 500 ألف دولار للشاحنات، كان على العراق ان يبلغ الشركات بإعداد عقد قيمته 550 الف دولار، ويتم التوصل الى اتفاقية جانبية تسمح بتحويل 50 الف ودولار للحساب المصرفي العراقي. غير ان الابتزار بمثل هذا الحجم (استورد العراق ما قيمته 33 مليار دولار منتصف عام 2000 حتى الغزو الاميركي في العام الماضي) لفت الانظار.

فقد ذكر جاك سارنيلي الملحق التجاري في السفارة الفرنسية في بغداد انذاك «عندما كان يطرح موضوع عشرة في المائة، كانت الشركات تسألنا ماذا نفعل. وقلنا ان الامر غير مشروع، وتتحملون كل المخاطر، لا نريد معرفة ذلك، ونحن ضده». وأوضح ان تحديد الادلة على دفع رشاوى سيكون امرا صعبا. وفي نيويورك ذكر دبلوماسي في مقر الامم المتحدة في نيويورك ان المسؤولين الذين كانوا يديرون البرنامج كانوا مهتمين اكثر بخصوص امدادات الاغاثة. فقد تقدم سيفن الذي كان يدير مكتب برنامج العراق، بنداءات متكررة الى لجنة الحظر بالاسراع بإقرار العقود للمعدات والمواد الغذائية وغيرها من البضائع. وكان من المفروض ان يفحص مكتب سيفن العقود للتأكد من الاسعار والنوعية. ولكن لم «يكن من الواضح» كيف نفذ المكتب مسؤولياته، طبقا لمكتب المحاسبة العامة.

وفي لجنة الحظر، ادى انتشار المعلومات حول الرشاوى بنسبة عشرة في المائة ضعوط علنية. فقد ذكر بعض الدبلوماسيين، ردا على التقارير الاخبارية، انهم رغبوا، وإن لم يتوقعوا، ان تقدم الشركات المعنية بمعلومات. وأعرب بيتر كولب وهو دبلوماسي نرويجي حل محل فان والسوم كرئيس للجنة الحظر، عن امله في وجود «ادلة ملموسة» ولكنه اضاف «اعتقد انه ليس من المرجح ان تبلغ الشركات التي قامت بذلك بإبلاغ أي شخص».

وفي احدى المراحل تغلبت، لجنة الحظر على صدام حسين فيما يتعلق بالنسبة التي يفرضها العراق على كل برميل نفط يبيعونه. ففي اواخر عام 2000 نقل المشرفون على مبيعات النفط شكاوى من كبار شركات النفط التي تشتري نفطا عراقيا. وبعد مناقشة اللجنة للموضوع لعدة اشهر، قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا تغييرا في الطريقة التي يجري بها تثمين نفط العراق، بحيث تتماشى اسعاره مع اسعار النفط العالمية، وبالتالي خفض هامش التلاعب. غير انه لم تجر اية محاولات لاستعادة العمولة التي كانت تدفع او التحقيق في أي من الشركات التي دفعت تلك العمولة. وقال تلينغز «لا يمكنك سؤال اللجنة عن توجيه في هذا الموضوع لأنك لن تحصل على رد. كان الأمر خارج نطاق المسؤولية».

* خدمة «نيويورك تايمز»