الضباط الأميركيون في العراق يحذرون: تأخير إعادة الإعمار يقوض مهمتنا العسكرية

TT

حذر القادة العسكريون الأميركيون العاملون في العراق الزعماء المدنيين في واشنطن، من أن التأخير في مشاريع اعادة الإعمار الذي تسببه الاجراءات البيروقراطية يعرض حياة أفراد قواتهم الى الخطر ويقوض المهمة العسكرية الاميركية في العراق.

وأوضح هؤلاء الضباط، وهم من رتب مختلفة، العوائق التي يقولون انها تحبط عملية اعادة البناء مثلما تفعل ذلك القنابل المزروعة على جوانب الطرق والهجمات الإرهابية التي تشكل تهديدات أكثر وضوحا. وعبر هؤلاء الضباط للسفارة الأميركية الجديدة في بغداد ولوفود الكونغرس التي زارت العراق، عن أن ضوابط معينة تشكل عقبات جدية أمام انجاز مهمة القوات العسكرية.

وفي لقاءات ورسائل إلكترونية اوضح عدد غير قليل من الضباط العاملين في مختلف أنحاء العراق، عن وجهة نظرهم القائلة إن توفير الرعاية الصحية وخدمات الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي للمياه، هو على نفس الدرجة من الاهمية التي تشكلها ملاحقة المقاتلين الأعداء. وكشفوا عن مشاعر احباط عميقة بشأن ضوابط العلاقات مع المتعاقدين المحليين وتكاليف تعويض العاملين.

ويقول هؤلاء الضباط ان المشكلة ترتبط بنظام ضوابط العقود الفيدرالية الروتينية في زمن السلم والذي يطبق في اوضاع عدم الاستقرار التي تواجه جهود اعادة الاعمار في العراق. وفي تقارير تفصيلية قدمت الى السفارة الاميركية في بغداد والى وزارة الدفاع في واشنطن (البنتاغون)، اوضح الضباط كيف أن المشاريع واجهت التأخير والتوقف بسبب متطلبات توفير تغطية تعويضات العمل الى العمال المحليين أو قواعد تطلبت من شركات البناء العراقية أن تقدم ضمانات كبيرة.

وقال احد هؤلاء الضباط «من الصعب الاعتقاد بأننا يمكن ان نبدأ بجزء صغير من مشاريع تبلغ قيمتها 1.23 مليار دولار يفترض ان تبدأ قبل 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في الوقت المحدد لذلك».

وفي الأسبوع الماضي أرسل السفير الأميركي في بغداد جون نيغروبونتي، برقية الى واشنطن تدعو الى المرونة. واورد السفير 20 من ضوابط العمل التي يمكن التخلي عنها في ما يتعلق بالمشاريع في العراق، وفقا لما ذكره أربعة من مسؤولي الادارة والمسؤولين العسكريين ممن اطلعوا على التقرير الخاص.

وفي الوقت نفسه نظم مجلس الأمن القومي الاميركي فريق عمل للقيام بمراجعة شاملة لمشاكل التعاقد في العراق.

وقال مسؤول كبير في الادارة الأميركية معني بالمشروع «نحن ننظر في كل ضوابط الحيازة الفيدرالية. ألا تعتقدون ان بعضا من هذه الضوابط يمكن تكييفها أو التخلي عنها او تغييرها لتسمح لنا بالعمل في بيئة زمن الحرب هذه ؟».

وفي غضون ذلك أعدت وزارة الدفاع بعض المعالجات العاجلة لإدخالها في مشروع قانون تفويض الدفاع المعروض الآن أمام الكونغرس. ويمكن لإحدى هذه المعالجات أن تحسن اجراءات التعاقد في العراق بالنسبة للمشاريع التي تصل كلفتها الى مليون دولار، ومضاعفة السقف الحالي البالغ 500 ألف دولار من أجل اجراءات أسرع. ويمكن لأخرى أن تسمح للقادة العسكريين بأن يقوموا بعمليات شراء تصل قيمتها الى 25 ألف دولار بدون عرض منافس، وهو ما يزيد عن الحد الحالي البالغ 15 ألف دولار.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع انه «من سوء الحظ ان لدينا من الضوابط التفصيلية حول انفاق الأموال ما يزيد كثيرا على كيفية اطلاق نيران الدبابات. ولو لم يكن الأمر كذلك فان الناس سيكونون غاضبين من أننا لسنا حريصين على أموال دافعي الضرائب. ولو أن المشكلة كانت بسيطة لكان بالوسع حلها منذ زمن بعيد».

وأعدت ضوابط التعاقد لمنع التبذير والاحتيال، وهي موضع حماية قوية من جانب أعضاء الكونغرس الذين يشعرون بالضيق من الانتهاكات المرتبطة بالعقود ذات المصدر الواحد في العراق. ويقول القادة العسكريون ان تلك الأمور تعني أن هناك القليل من الرغبة لدى المتعاقدين الأميركيين للدفع باتجاه التغيير. فمقدمو العروض المحتملون لا يريدون أن يوضعوا مع شركة هاليبيرتون التي تبلغ عقودها مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع وتقديم خدمات في العراق، وهي تخضع في الوقت الحالي لتحقيق بشأن الاشتباه في المبالغة بأسعار خدماتها.

وأقرت ضوابط الحيازة الفيدرالية التي تغطي انفاق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، من جانب الكونغرس لأغراض اعادة الاعمار والأمن في العراق. وبدلا من الصراع لاقتطاع شيء عبر القواعد القانونية، فان الضباط الأميركيين غالبا ما يستثمرون كميات صغيرة مناسبة من الأموال في اطار برنامج الاستجابة الطارئة للقادة العسكريين.

ومن المنتظر أن تزيد تلك الأموال التي بلغت 180 مليون دولار للعراق وافغانستان عام 2004، الى 500 مليون دولار في السنة المالية الجديدة في زيادة دفع باتجاهها علنا مساعد وزير الدفاع بول وولفويتز الذي التقى كبار الضباط في العراق، وهو يدعم فرص انفاق الأموال بصورة مباشرة من جانب القادة العسكريين خصوصا في مجال تدريب وتأهيل القوات العراقية.

وقامت النائبة الديمقراطية ايلين تاوشر، المتخصصة في الشؤون العسكرية، بجولة لمدة أسبوع في العراق الشهر الماضي واستمعت الى شكاوى الضباط المتعلقة بالعقود هناك. وقالت انها تتعاطف مع اتخاذ اجراءات تشريعية لتسريع العقود الخاصة بعملية اعادة الاعمار، ولكنها اشتكت أيضا من أن المناقشة الحالية لم تطرح اسئلة عن سبب عدم القيام بالكثير خلال العام الأول من الاحتلال الأميركي، عندما كانت سلطة التحالف المؤقتة مسؤولة عن اعادة اعمار العراق. وقالت ان «الكونغرس مستعد على الدوام للنظر، خصوصا في ظروف الطوارئ، في امكانية التعاقد وانتاج السلع والخدمات الفعلية التي يجب توفيرها، بالتأكيد عندما يكون ذلك في سياق حماية الرجال والنساء الأميركيين المقاتلين وجعل قوات الأمن العراقية تقف على قدميها. ولكن هذا الجدل هو في الواقع ستار من الدخان. والسؤال الحقيقي هو ما الذي فعلته سلطة الائتلاف المؤقتة خلال فترة سنة بكاملها ؟».

وقال مسؤولون في الادارة الاميركية في واشنطن ان بعض الضوابط التي انتقدها القادة العسكريون والسفارة في بغداد يمكن، على الأقل، معالجتها مباشرة من جانب المسؤولين عن التعاقدات ميدانيا، وهم يحثون أولئك المسؤولين على ان يكونوا أكثر جرأة في الاجابة على شكاوى القادة العسكريين.

ولكن القادة العسكريين يقولون انه حتى تفجيرات السيارات لا تؤخذ في الاعتبار في ضوابط الحيازة الفيدرالية كونها أعذارا لتأخير المشاريع، فالكثير من مقدمي العروض غير مستعدين للقيام بمشاريع بموجب تلك الشروط.

ومن بين العوائق الأخرى التي تقف أمام تسريع اعادة الاعمار في العراق، كما وصفها الجيش والسفارة في بغداد في تقارير أرسلت الى واشنطن، الحاجة الى ضمان 500 ألف دولار في تأمين تعويض العاملين لمشاريع في العراق، حتى بالنسبة للوظائف التي تشغل عراقيين بأجر يبلغ خمسة دولارات يوميا.

* خدمة «نيويورك تايمز»