واشنطن أجهضت مبادرة سعودية بإرسال قوة إسلامية إلى العراق تساعد الأمم المتحدة في تنظيم الانتخابات

مسؤولون سعوديون وعراقيون: إدارة بوش أصرت على وضع القوة تحت قيادة أميركية وضيعت الفرصة

TT

قال مسؤولون سعوديون وعراقيون إن الرئيس الاميركي جورج بوش رفض الشهر الماضي خطة بإرسال قوة إسلامية لحفظ السلام بالعراق تساعد الأمم المتحدة على تنظيم الانتخابات العراقية. ونتيجة لهذا الموقف من الرئيس بوش فإن الأمم المتحدة ما تزال تحتفظ بوجود ضعيف في العراق، لا يزيد عدد موظفيها المتفرغين لإعداد الانتخابات المقرر أجراؤها في نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، عن أربعة لا غير. وقد رفض كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، أن يفتتح مكتبا مركزيا للمنظمة الدولية في بغداد قبل أن تلتزم الدول بتوفير القوات الكافية لحمايته. وقد حاول القادة السعوديون إقناع بوش بالموافقة على خطة بإرسال عدة مئات من الجنود من الأقطار الإسلامية. وقد ناقش الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي هذه الخطة في محادثة هاتفية مع بوش يوم 28 يوليو (تموز) بعد لقائه مع وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وذلك حسب المصادر السعودية العليمة.

ويقول بعض الدبلوماسيين إن أنان قبل الخطة، ولكن الولايات المتحدة رفضتها لأن تلك القوة ستكون تحت سيطرة الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة. وقد رفضت الدول الإسلامية والعربية من جانبها ان تعمل تحت قيادة الولايات المتحدة مما أدى إلى قتل الخطة في مهدها في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال مسؤول كبير في الاستخبارات العراقية، مشترطا عدم الكشف عن هويته: «كانت الدول الإسلامية راغبة في توفير القوة ولكنها لم تكن راغبة في وضعها تحت إمرة الولايات المتحدة وحلفائها. ويواجه الكثير من هذه الدول ضغوطا داخلية تجعلها عاجزة عن تبرير وضع قواتها تحت قيادة أميركية».

وأكد البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي أن القادة العسكريين الأميركيين اعترضوا أساسا على أن القوة الإسلامية لن تكون تحت إمرتهم. وقد صرح مسؤول في البيت الأبيض رفض الكشف عن هويته: «كانت تلك قضية خطيرة بالنسبة لقادة القوات المتعددة الجنسيات الموجودة حاليا بالعراق».

وقال الناطق أن السبب الأساسي هو اعتراض الحكومة العراقية التي لم تكن تريد أن ترى قوات من الدول المجاورة تنتشر داخل العراق. ولكن المسؤولين العراقيين كانوا قد توصلوا إلى ترتيب مع السعوديين بألا يرسل أي بلد مجاور للعراق جنودا ضمن تلك القوة. وكان رئيس الوزراء العراقي أياد علاوي قد بعث برسائل أوائل يوليو، إلى أكثر من عشر دول إسلامية وعربية يطلب منها إرسال قوات. كما قام علاوي بزيارة عدد من البلدان في يوليو وأغسطس (آب) طالبا من زعمائها إرسال قوات.

وتثير هذه الواقعة سحبا من الشك حول نوايا إدارة بوش وتأكيداتها المتكررة بأن انتخابات حقيقية ستجري في العراق في يناير (كانون الثاني)، وأن الإدارة راغبة بشدة في أن ترسل البلدان الأخرى قوات إلى العراق تخفف العبء عن القوات الأميركية. وقد ظلت القوات الأميركية تفقد كثيرا من الجنود منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، حيث اشتدت درجات العنف والمقاومة. وسحبت كل من إسبانيا وهندوراس ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان والفلبين قواتها من هناك وكانت تقدر بـ 2200. جندي، وتخطط دولتان على الأقل لسحب قواتهما. ومع أن سحب القوات لم يؤثر كثيرا من الناحية العسكرية إلا أنه أصاب إدارة بوش بإحراج كبير في سنة انتخابية. وقال مسؤول سعودي رفض ذكر اسمه «كانت تلك فرصة ضيعتها الولايات المتحدة لتشاركها دول أخرى في تحمل الأعباء في العراق».

والقوات الأجنبية الموجودة حاليا في العراق تبلغ 160 ألفا، فيها 135 ألفا من الولايات المتحدة وحوالي 9 آلاف من بريطانيا، والبقية من حوالي 28 بلدا ليس من بينهما بلد مسلم. وكانت الحكومة السعودية بدأت حملة في يوليو الماضي لإقناع عدد من الدول الإسلامية والعربية بإرسال قوات إلى العراق، وذلك بعد أن انتقلت السلطة السياسية من قوات التحالف إلى الحكومة العراقية المؤقتة. وفي أواخر يوليو طرح الأمير عبد الله مبادرته على بوش وأنان وباول. وبعد أن التقى الأمير عبد الله بباول في جدة، قال وزير الخارجية الاميركي عن تلك المبادرة إنها «فكرة مثيرة للاهتمام، فكرة تجد الترحيب». في تلك اللحظة لم تكن أية دولة قد وافقت على إرسال قوات، ولكن باكستان وبنغلاديش وماليزيا والجزائر والمغرب، أبدت رغبتها في بحث الأمر. وقد طرح الدبلوماسيون السعوديون هذه الفكرة على مسؤولين بالبحرين ومصر وتونس وعمان.

كانت الخطوة السعودية الأولى ترمي إلى تكوين قوة إسلامية متكاملة ربما تصل أعدادها إلى بضعة آلاف. وكان يمكن لتلك القوة أن تضطلع بحماية موظفي الأمم المتحدة ومرافقها، كما كان يمكن أن تعمل جنبا لجنب مع قوات الشرطة العراقية في المهام الأمنية الأخرى. وقال المسؤول السعودي إن باكستان التي تملك واحدا من أفضل الجيوش تجربة في العالم الإسلامي كانت مستعدة لإرسال بضع مئات من الجنود للمساعدة في تدشين العملية. ولكن الرئيس الباكستاني برويز مشرف كان مصرا على أنه يشترط إرسال البلدان الاخرى لقواتها حتى يوافق بصورة نهائية.

ونسبة لأن العراق امتنع عن استقبال أية قوات من دول مجاورة فإنه استبعد بالتالي استقدام اية قوات من السعودية والكويت والأردن وسورية وإيران وتركيا. وقد وافق السعوديون على ذلك الشرط وتعهدوا بتوفير الدعم المالي لقوة حفظ السلام وربما تقديم بعض الدعم المالي لبعض الدول التي ترسل مثل تلك القوات.

كانت قضية القيادة والسيطرة والتحكم، هي العقبة الكأداء أمام تكوين هذه القوة منذ البداية. فالدول الإسلامية لم تكن ترغب في وضع قواتها تحت القيادة الأميركية نسبة للضغوط الداخلية التي تواجهها. وقد اقترح السعوديون أن تعمل القوة تحت إمرة الأمم المتحدة بصورة مباشرة. ولكن الولايات المتحدة والحكومة العراقية رفضتا هذا الاقتراح. وقال المسؤول العراقي: «لم نكن نعتقد أن هناك نظاما جاهزا يسمح بوجود قيادة مستقلة للأمم المتحدة».

وقد أوحى باول بعد لقاء القادة السعوديين والعراقيين أن من الممكن التوصل إلى حل وسط. وفي إحدى لحظات المداولات اقترح السعوديون أن توضع القوة تحت قيادة الحكومة العراقية. وقد نالت تلك الخطوة موافقة علاوي ولكنها لم تنل موافقة الولايات المتحدة. وقال المسؤول العراقي: «كان الأميركيون يريدون السيطرة الكاملة على القوات، وهو ما جعل المهمة مستحيلة كليا».

وكانت الأمم المتحدة قد أرسلت 600 من موظفيها إلى العراق مباشرة بعد الغزو الأميركي في مارس (آذار) 2003. ولكن أنان أمر كل موظفيه بمغادرة البلاد في أغسطس بعد تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، بواسطة شاحنة مليئة بالمتفجرات، مما أدى إلى قتل 22 شخصا كان من ضمنهم مبعوث الأمم المتحدة سيرجيو فييرا دي ميلو. ومنذ تلك التفجيرات اتبع أنان سياسة الحذر الشديد في إرسال موظفي تابعين للأمم المتحدة إلى العراق. ويقول بعض الدبلوماسيين إن ذلك أدى إلى تعطيل كثير من المشاريع في العراق وخاصة التحضير للانتخابات العامة. وقال دبلوماسي عربي بالأمم المتحدة: «هناك ضغط هائل على أنان من مجموعات الموظفين ومن بعض نوابه لضمان الحد الأقصى من الإجراءات الأمنية، باعتبار أن الوضع العراقي يتميز بخطورة خاصة على الجميع. وقد أدى هذا الوضع إلى إحداث شلل في أروقة الأمم المتحدة».

وعندما وصل مندوب الأمم المتحدة أشرف جيهانغير، إلى بغداد في يوليو الماضي، قال إن الأمن هو الأولوية الأولى والثانية والثالثة. ويعمل اشرف حاليا مع 35 إلى 40 موظفا حركتهم محدودة إلى حد بعيد، وهم يعتمدون في حمايتهم على الولايات المتحدة. ويقول المسؤول السعودي إن الوجود المحدود للأمم المتحدة في العراق يعد من الفرص الضائعة. وقال: «لو أن مبادرتنا لحفظ السلام قد قبلت لكان للأمم المتحدة دور فعال في العراق اليوم».

* خدمة «نيوز داي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»