ضابط سابق كبير في جيش صدام عرض على الأميركيين 70 ألف اسم وتشكيل 3 فرق لكنهم رفضوا

حتى بعد انقضاء أكثر من عام على صدوره.. قرار بريمر حل الجيش العراقي لا يزال يلقي بظلاله على الاحتلال

TT

عندما توجه الجنرال ديفيد بيتروس جوا الى بغداد في 14 يونيو (حزيران) من العام الماضي، كانت معه رسالة واضحة لسلطات الاحتلال الاميركية، فباعتباره قائدا للفرقة 101 المحمولة جوا كان يبذل جهدا كبيرا للحصول على تأييد العراقيين في الموصل والمحافظات المجاورة لها في شمال العراق، غير أن قرار سلطات الاحتلال الأميركي حل الجيش العراقي والتوقف عن دفع مرتبات 350 ألف جندي، أثار ضجة في جميع أنحاء العراق، فقد اندلعت اعمال الشغب في المدن، وقبلها بيوم أصيب 16 من جنود الجنرال بيتروس خلال محاولة للسيطرة على مظاهرة.

وشاهد الجنرال بيتروس عقب وصوله الى القصر الشمالي في أبو غريب لمناسبة احتفالية، وولتر سلوكوم، مستشار بول بريمر الحاكم المدني الاميركي حينذاك في العراق. وذكر له الجنرال أن قرار ترك القوات العراقية بلا دخل وضع حياة الأميركيين في خطر. وبعد مرور عام فإن قرار بريمر حل الجيش العراقي لا يزال يلقي بظلاله على الاحتلال في العراق، فالقوات الاميركية تعتمد علي استخدام الجنود العراقيين لإعادة بناء البلاد والسيطرة على حدودها وبدلا من ذلك، ومع تزايد أعمال العنف، وجدت القوات الأميركية نفسها محرومة من وسيلة لوضع واجهة عراقية للاحتلال.

وبالرغم من أن بريمر ألغى قراره وبدأ في دفع مرتبات الجنود السابقين، فإن قراره حل الجيش العراقي وبناء جيش جديد، كتيبة بكتيبة، لا يزال يعتبر واحدا من أكثر الموضوعات إثارة للجدل في عراق ما بعد الحرب. ويصر سلوكوم على أن تلك الخطوة كانت ضرورية لبناء جيش عراقي غير فاسد ومقبول من الجماعات العرقية التي تعرضت للقهر من قبل جيش صدام حسين. وقال الكولونيل بول هيوز، الذي خدم مساعدا للجنرال جاي غارنر، أول حاكم مدني للعراق قبل تقاعده: «لقد كان قرارا خاطئا. لقد تحولنا من محررين الى محتلين بهذا القرار. فبحل الجيش دمرنا، في العقلية العراقية، آخر رموز السيادة، ونتيجة لذلك خلقنا جزءا أساسيا من المقاومة».

* إعداد الخطة

* عندما بدأت إدارة الرئيس جورج بوش في الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب في العراق في أوائل 2003، لم يكن حل الجيش العراقي جزءا من هذه الاستراتيجية، فقد حدد دوغلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع، سياسة تدعو إلى الاحتفاظ بالجيش وإعادة تدريبه خلال اجتماع في مارس (آذار) 2003 لمجلس الأمن القومي ترأسه الرئيس بوش.

وكانت الفكرة التي تمت بلورتها مع الجنرال غارنر، تقضي بطرد كبار البعثيين وأنصار صدام حسين من وحدات الجيش العراقي وتشغيل تلك القوات. وكان تفكير المسؤولين في البنتاغون هو احتفاظ الجيش العراقي بقوة نقل خاصة به، ويمكنه المساعدة في عمليات إعادة البناء، وأن يتحول الي ما يشبه قوة مدنية، بينما يمكن للوحدات التي أثبتت قدراتها وإمكانية الاعتماد عليها سياسيا، مساعدة الجيش الأميركي في الحفاظ على النظام.

وعرض فيث في اجتماع البيت الأبيض، وجهة نظر أخرى بالنسبة لاستخدام القوات العراقية، وهي أن البطالة منتشرة في العراق وطرد 350 ألف مسلح وقطع مصدر رزقهم، يمكن أن يتحول إلى كارثة.

* الجيش العراقي الجديد

* في 17 أبريل (نيسان) الماضي، بعد أسبوع من دخول القوات الاميركية لبغداد، انضم الجنرال أبي زيد إلى مؤتمر عبر الفيديو مع كبار المسؤولين، من بينهم بول وولفويتز نائب وزير الدفاع، ولاحظ الجنرال أبي زيد عدم ومجود قوة عراقية في مكانها، ولكنه حث الولايات المتحدة على تشكيل قوة عراقية مؤقتة من ثلاث فرق، باستخدام وحدات حلت نفسها بالإضافة إلى أعضاء جماعات المعارضة. وفي العراق كان الجنرالات الأميركيون يحاولون تشكيل قوة عراقية جديدة، ففي 9 مايو (آيار) التقى الجنرال ديفيد ماكيرنان وغيره من كبار الضباط، مع فارس النعيمي، وهو ضابط عراقي سابق، في اجتماع رتبه المسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية في بغداد. وكان النعيمي قائدا لكلية البكر للعلوم العسكرية. وبالرغم من شك نظام صدام حسين فيه من الناحية السياسية، فقد عينه سفيرا لبلاده في الفلبين، ثم النمسا في ما بعد. وطبقا لتقرير من وكالة الأنباء الكويتية، أمره عدي صدام حسين وزوجته بالعودة إلى بغداد بعد انتهاء مدته في فيينا، غير أن النعيمي رفض. وأخرج النعيمي خلال الاجتماع ورقة مطوية من جيب سترته تحدد خطته لكيفية التصرف.

وبسبب انتشار أعمال السلب والنهب في بغداد وزيادة معدلات الجرائم، اقترح النعيمي ضرورة إجراء استعراض للقوة. وذكر أن أهم شئ هو الأمن. كما ذكر أيضا أن على الأميركيين التصرف بسرعة لإعادة ضباط الجيش والشرطة للعمل، طبقا لضابط حضر الاجتماع. وحث الأميركيين علي تأسيس ثلاث فرق عراقية يجري نشرها في شمال ووسط وجنوب العراق. وأشار النعيمي إلى وجود العديد من الضباط العراقيين من غير البعثيين، كما أشار إلى أن الفكرة هي البدء من القمة بتأسيس وزارة دفاع عراقية جديدة، وسيطلب من جميع الضباط إدانة حزب البعث.

وعندما سأل الاميركيون أين سيعثرون على هؤلاء الضباط؟ رد عليهم النعيمي قائلا يمكنني إحضارهم لكم. كما عرض بعض النصائح السياسية، منها أن يعلن الأميركيون خطة للانسحاب لكيلا ينظر إليهم العراقيون كقوات احتلال، وعليهم دفع مرتبات الجيش والشرطة والحكومة. وقال لهم إن العراق دولة من موظفي الحكومة ويحتاجون إلى مرتباتهم. وقد أعجب الأميركيون بهذه الخطة.

وفي الوقت الذي كان فيه الجنرالات الأميركيون ورجال وكالة الاستخبارات المركزية يعملون على إعادة تجديد الجيش، كانت سلطات الاحتلال بقيادة الجنرال غارنر، تبذل جهدا موازيا، فبعد وصولهم إلى بغداد، سمع الكولونيل هيوز، وهو واحد من المخططين في فريق غارنر، من ضابط آخر في الفرقة 101 المحمولة جوا، الذي كانت قواته تقوم بدوريات في بغداد، أن ضباط الجيش العراقي السابقين أبلغوا الأميركيين أنهم يريدون الحصول على مرتباتهم.

وبعد الحصول على موافقة كبار الضباط، التقى الكولونيل هيوز مع المجموعة في نادي الضباط الخاص بالحرس الجمهوري. وذكر الضباط الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «تجمع الضباط المستقلين»، أنهم يريدون التعاون مع الأميركيين. وبالرغم من أن العديد منهم كان يريد العمل خارج نطاق القوات المسلحة، فقد كانوا على استعداد لتقديم أسماء بالاشخاص المحتمل تجنيدهم في الجيش الجديد بمن فيهم ضباط من أصحاب الرتب الصغيرة. وقبل الحرب أزالوا أجهزة كومبيوتر تحتوي علي سجلات شخصية من وزارة الدفاع. وفي النهاية قدموا للأميركيين قائمة تضم تتراوح بين 50 إلى 70 ألف اسم، بينها أسماء لأفراد من الشرطة العراقية.

وفي واشنطن كان بريمر يبلور منطلقا مختلفا تماما، فقد كان يعتقد أن العديد من المشاكل المتعلقة بالعنف والجريمة التي تواجهها القوات الاميركية في العراق، تنبع من الخوف العراقي من احتمال عودة صدام حسين والبعث للسلطة، وكان يريد اتخاذ إجراءات جريئة لإظهار أن البعث قد انتهى إلى الأبد.

وقال بريمر في مذكرة للبنتاغون «يجب أن يتسم وصولي للعراق بخطوات واضحة لتطمين العراقيين بأننا مصممون على القضاء على الصدامية». وفي الوقت الذي كان فيه هدفه هو إزالة آثار البعث من العراق، أصبحت خطة إلغاء جيش صدام حسين جزءا من هذه المبادرة. واقترح سلوكوم، الذي كان وكيلا لوزارة الدفاع في عهد كلينتون، ضرورة حل الجيش العراقي ووزارة الدفاع.

وعقب وصوله للعراق التقى سلوكوم مع النعيمي وعدد من الضباط العراقيين السابقين والجنرال ماكيرنان. وشكر الضباط العراقيين، لكنه أوضح أنه لا ينظر إليهم كنواة لقيادة عراقية جديدة. وكانت لطمة ليس فقط للعراقيين ولكن للضباط الأميركيين، الذين اعتقدوا أنهم يساهمون في تحديد مجموعة من كبار الضباط العراقيين لتشكيل الجيش العراقي الجديد. وعقب وصوله إلى العراق أصدر بريمر الأمر رقم 2، بتاريخ 23 مايو، بحل الجيش.

* خدمة «نيويورك تايمز»