العبوات الناسفة تستهدف الباعة الجوالين وليس المدرعات الأميركية

بائع جرائد في بغداد يتناثر دمه على الصحف فوق الرصيف

TT

مع ساعات الصباح الأولى كان حازم يخرج كل يوم للذهاب إلى وكيل بيع الصحف اليومية العراقية ليبدأ رحلته اليومية الشاقة لبيع الصحف عند الإشارات الضوئية، وكانت تلك الإشارة التي عرفت صوت حازم بين تقاطع منطقتي البياع والسيدية ببغداد قد أيقنت ومنذ أن وطأتها أقدام حازم أن هذا الشاب يرفض الرزق الحرام ويحاول جاهدا أن يؤمن قوت عياله من بيع الصحف.

قال عنه احد سواق سيارات الأجرة من سكان منطقة السيدية، انه كان يشتري من حازم صحيفتين على الأقل يوميا ليس بدافع حب معرفة آخر الأخبار فقط، بل بدافع دعم ذلك الشاب في سعيه لان يحيى بكرامة. وكان هذا السائق يمنحه بعض النقود التي تفوق سعر الصحيفة لكنه يرفض أن يأخذ أكثر من استحقاقه.

وقبل أيام قليلة أصبح ذلك الموقف عند الإشارة الضوئية خاليا من جسد وصوت حازم الذي ينادي معلنا عن خبر أو اسم صحيفة بين يديه. لم يجد ركاب السيارات حازم بل صحفا متناثرة على الأرض وفي الطرف الآخر كان جسد حازم ينزف دما إيذانا بمغادرة الحياة.

أسكتت عبوة ناسفة صوت حازم والى الأبد عند ذلك التقاطع الذي عاشره مدة طويلة من أجل قوت عياله.

كل المارة لعنوا الحرب ولعنوا قتلة الحياة ولعنوا دعاة الحرية لأن أمثال حازم هم الضحية.

ليس حازم سوى حكاية واحدة بين الحكايات اليومية في بغداد. فقد وضعت عربة صغيرة أول من أمس في مدخل شارع الرشيد كانت بين ثناياها عبوة ناسفة أدت إلى قتل أربعة عراقيين وجرحت ما لا يقل عن اثني عشر آخرين، وكان بين القتلى والجرحى باعة وجدوا في تلك المنطقة بحثا عن قوت يومهم.

وفي مدينة سامراء أعلن أحد ضباط الشرطة أن مدنيا قتل وجرح أربعة آخرون يوم السبت الماضي في نفس موعد قتل أولئك الأبرياء الباعة في بغداد، وكانت العبوة الناسفة هي السبب أيضا لدى مرور سيارة في شارع سامراء الرئيسي لتسلم بعدها مستشفى بيجي العديد من القتلى والجرحى، ولا نعرف ما اذا تلك العبوات الناسفة تستهدف أحدا آخر غير الباعة وعابري السبيل أنفسهم. وفي منطقة الكرادة كان حسن عبد الصمد في الطريق إلى منزل خطيبته عندما انفجرت عبوة ناسفة أودت بحياته.

وهناك من يقول الآن إن من يزرعون العبوات الناسفة في منطقة ديالى صاروا أكثر ممن يزرعون أشجار البرتقال التي عرفت بها المدينة وسميت باسمها منذ وقت طويل.

وكلما انفجرت عبوة جديدة، يموت من العراقيين أكثر مما يموت غيرهم، حتى لكأن البلد تحول إلى حقل قتل جماعي سيحول مدنه شيئا فشيئا إلى مقابر عامة.