لندن تقلل من أهمية الرد العسكري العراقي وبغداد تهدد بوقف الحوار مع الأمم المتحدة

TT

قلل وزير الخارجية البريطاني روبن كوك امس من احتمال الرد الذي قرره الرئيس العراقي صدام حسين على الغارات التي شنتها الطائرات الاميركية والبريطانية مساء الجمعة على العراق، واعتبره «ليس كبيرا». وردا على معلومات عراقية مفادها ان الرئيس العراقي يدرس اتخاذ «اجراءات عسكرية» للرد على عمليات القصف الاخيرة، قال كوك لشبكة بي بي سي التلفزيونية البريطانية «لا نعتبر ان هناك، في الوقت الحالي، احتمالا جديا او كبيرا بامكان مهاجمتنا». واضاف ان العراق «لا يملك صواريخ بعيدة المدى لاننا منعناه من امتلاكها».

من جهة اخرى اعتبر كوك ان رد الفعل الفرنسي على القصف الاميركي والبريطاني على بغداد يوم الجمعة كان «معتدلا نسبيا». واعلن ان «رد الفعل الفرنسي مثلا كان معتدلا نسبيا لان فرنسا قالت ان هناك اسئلة بحاجة الى اجوبة». واضاف «ساكون مسرورا بالاجابة على هذه الاسئلة عندما التقي نظيري الفرنسي» هوبير فيدرين.

وفي بغداد قال مكتب الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة امس انه اتخذ احتياطات محدودة عقب الغارات الغربية على مشارف بغداد يوم الجمعة الا ان عمله لم يتوقف. وقال المتحدث باسم الامم المتحدة في بغداد جورج سومرويل «نحن نحد من الرحلات غير الضرورية لموظفينا» غير انه اضاف ان البرنامج الانساني الذي تشرف عليه الامم المتحدة في العراق مستمر. وتابع «نواصل عملنا كالمعتاد»، مضيفا انه ليس هناك خطط لاجلاء موظفين من العاملين بالامم المتحدة».

الى ذلك اعتبر الرئيس المصري حسني مبارك في حديث نشرته صحيفة «لاريبوبليكا» الايطالية امس ان الرئيس العراقي صدام حسين «لا يشكل تهديدا للعالم». وقال مبارك الذي بدأ امس زيارة رسمية لايطاليا والفاتيكان «لا اعتقد ان صدام يشكل تهديدا للعالم. العراق ليس قوة عظمى ولا يملك صواريخ متطورة عابرة للقارات». واضاف الرئيس المصري «يجب ايجاد حل مناسب في اطار الامم المتحدة» للمشكلة العراقية وان يلتزم جميع الاطراف قرارات مجلس الامن الدولي». واوضح مبارك ان «الغارة الجوية (الاميركية البريطانية) لم تؤد إلا الى زيادة الوضع تعقيدا وقتل مدنيين ابرياء»، موضحا انه «لا يرغب في ان يتحمل الشعب العراقي سدى المزيد من المعاناة».

وفي بغداد اعتبرت مصادر اعلامية عراقية العملية العسكرية الاميركية ـ البريطانية قصفا سياسيا لمهمة الامين العام للامم المتحدة كوفي انان في المفاوضات المتوقعة بين بغداد والامم المتحدة اواخر الشهر الحالي. وحسب المراقبين فان القيادة العراقية هي الان بصدد اتخاذ قرار يقضي بالتحول من الحوار غير المشروط مع الامم المتحدة الى الحوار المشروط بوقف اية تحليقات اجنبية في الاجواء العراقية لان الولايات المتحدة وبريطانيا تجاوزتا حتى خطوط العرض التي حددتاها ومهمات هذا التحديد من خلال قصف مواقع داخل الخطين 32 و36، اي انهما عمليا الغتا هذين الخطين اللذين حددا بهدف منع الطيران العراقي من تجاوزهما وليس اطلاق حرية التصرف والقصف للطائرات الاميركية والبريطانية.

وكان العراق قد شهد صباح امس مظاهرات احتجاج ضد القصف الاميركي البريطاني مساء الجمعة، ففي بغداد تجمع حوالي ثلاثة الاف شخص من الرجال والنساء رغم هطول الامطار امام مقر فرع الحمزة لحزب البعث الحاكم في العراق في منطقة البياع (جنوب بغداد)، كما تجمع في منطقة المنصور حوالي خمسة الاف شخص وهم يرفعون الاعلام العراقية والفلسطينية ويرددون شعارات تندد بالادارة الاميركية. وهتف المتظاهرون بشعارات تمجد قيادة الرئيس صدام حسين. وشاركت في المظاهرة الفنانة المصرية رغدة التي وصلت الى بغداد في وقت سابق اول من امس.

وكان وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف قد طلب من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ورئيس مجلس الامن الدولي سعيد بن مصطفى (تونس) ادانة «العدوان»، الاميركي الجديد والعمل على منع تكراره. ونقلت وكالة الانباء العراقية عن الصحاف قوله في رسالتين الى انان ورئيس المجلس ان «هذا العدوان وكل الاعمال العدوانية التي تقترفها الادارة الاميركية وتابعتها بريطانيا خادمتا الصهيونية على العراق منذ عام 1991 ضمن ما يسمى بمنطقتي حظر الطيران هو استخدام منفرد للقوة المسلحة ضد دولة مستقلة يستوجب الادانة وتحميل المعتدي كل تبعات هذا العدوان». وخلص الوزير العراقي الى القول ان هذا القصف «يحمل الامين العام ورئيس مجلس الامن مسؤولية اضافية في ادانة هذا العدوان العسكري والتصعيد الخطيرين واتخاذ اجراءات عاجلة وملموسة لمنع تكراره».

ودعت صحف بغداد امس لاجراء عالمي وعربي فعال ضد واشنطن بعد الغارات الجوية الاميركية ـ البريطانية، وقالت ان الادانة والانتقادات ليست كافية. وطالبت صحيفة «الجمهورية» بالانتقام ردا على اول هجوم كبير يأمر به الرئيس الاميركي الجديد جورج بوش. وقالت صحيفة «الثورة» التي يصدرها حزب البعث الحاكم ان الجامعة العربية وروسيا والصين ودولا عربية واجنبية ادانت الهجوم لكن المطلوب هو عمل عربي وعالمي فعال للتصدي «للهيمنة الاميركية وعدوانها المستمر على العراق». وقالت صحيفة «القادسية» ان الهجوم على بغداد سببه دعم العراق للانتفاضة الفلسطينية ضد اسرائيل.

واكدت صحيفة «بابل» التي يشرف عليها عدي صدام حسين، ان «هذه الجريمة كسابقاتها لن تزيد شعب العراق الا صمودا واصرارا على حقوقه كاملة مهما فعلت اميركا او ستفعل».

وادانت فيتنام امس الضربات الجوية التي قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق وطالبت بانهاء هذه العمليات العسكرية على الفور. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفيتنامية فان توي تانه في بيان «على غرار جميع الدول التواقة الى السلام والعدل تدين فيتنام مثل هذه العمليات العسكرية وتطلب وقفها الفوري».

واعرب رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد امس عن اسفه للغارات منضما الى موجة متنامية من الانتقادات الدولية للهجمات. ونقلت وكالة برناما الماليزية للانباء عن مهاتير قوله للصحافيين «احزنتني الغارات التي جاءت في وقت اعلق فيه امالا كبيرة على الادارة الاميركية الجديدة».

واضاف «غير ان ما هو واضح ان الغارات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ادت الى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين وليس من الجنود. ولم اكن اعرف ان قتل الناس عمل انساني».

وقالت وزارة الخارجية الروسية ان الهجمات تثبت ان واشنطن ولندن تواصلان الاعتماد على القوة في التعامل مع العراق وان «مثل هذه السياسة تتعارض مع ميثاق الامم المتحدة وغيره من مواثيق القانون الدولي كما انها تؤدي الى تفاقم الوضع المتفجر بالفعل في الشرق الاوسط والخليج».

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان الغارات الجوية لا تؤدي الى استقرار الوضع المحيط بالعراق، وطالب بان يخضع اي اجراء ضده لموافقة الامم المتحدة.

واعتبر نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات امس ان الغارات الاميركية ضد العراق لن تولد سوى مزيد من التوتر في المنطقة. واضاف «لا بد من ان تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها كراع لعملية السلام حفاظا على الامن والاستقرار في المنطقة».

واعتبر ابو ردينة «ان سبب الازمة الحالية في الشرق الاوسط هو عدم ايجاد حل للقضية الفلسطينية»، داعيا الادارة الاميركية الى جعل «عملية السلام في الشرق الاوسط اساس تحركها في المنطقة».

وجاء في بيان مشترك نشر امس في طرابلس ان ليبيا وتونس شجبتا الغارات الاميركية والبريطانية على بغداد وجددتا الدعوة الى رفع الحصار الدولي المفروض على هذا البلد.

وقال البيان الذي نشر في ختام اجتماع اللجنة العليا المشتركة للتعاون والتي تعقد على مستوى رئيسي الوزراء التونسي محمد الغنوشي والليبي مبارك الشامخ، ان البلدين «جددا مطالبتهما برفع الحصار عن الشعب العراقي الشقيق وانهاء المعاناة اليومية التي يتعرض لها والوقف الفوري لكافة الاعمال العدوانية التي تمارس ضده خارج اطار قرارات الامم المتحدة».