مسؤول غربي: لا رجعة عن الديمقراطية ولكن الانتخابات العراقية «غابة من الالتباسات»

TT

مع انغلاق قبول قوائم أخرى يبدو أن العراق قد دخل طريقا لا عودة منه صوب الانتخابات يوم 30 يناير، وقام مسؤول غربي رفيع ذو خبرة طويلة في شؤون الشرق الأوسط بالتحقق أول من أمس من مدى صحة التنبؤات المتفائلة التي ما انفكت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن طرحها عند كل منعطف جديد يمر به العراق خلال فترة العشرين شهرا الأخيرة المضطربة.

وقال هذا المسؤول إن الانتخابات هي أكبر إجراء ديمقراطي طموح يجري في أي بلد عربي، ووفقه سيختار 14 مليون عراقي مؤهل للتصويت، من أكثر من 7700 مرشح، أعضاء للمجلس الوطني الانتقالي ولـ 18 مجلسا بلديا وللبرلمان الكردي المحلي. وأجرى هذا المسؤول مقارنة مع الانتخابات المزورة والخرقاء التي جرت قبل عامين حينما أعيد انتخاب صدام حسين بعد حصوله على نسبة 100% من الأصوات.

لكن هذا المسؤول وصف الانتخابات المقبلة بأنها «غابة من الالتباسات» حيث الآمال تسبح فوق سطح بحر مجهولة أغواره، ولا يعود ذلك فقط إلى درجة العنف التي ستثيرها الانتخابات.

ويوافق الكثير من المسؤولين العراقيين والأميركيين وأولئك التابعين للأمم المتحدة أن الانتخابات هي مغامرة محفوفة بالمخاطر الكبيرة، فقد تنتهي إلى انتكاسة ما تدفع باتجاه الفوضى مع تصاعد هجمات المتمردين على المرشحين والمراكز الانتخابية أو أن تنتهي بفوز الجماعات الشيعية المدعومة من قبل طهران وهذا ما يرفضه العرب السنّة والأكراد.

خلال أول 48 ساعة مرت على تسجيل المرشحين لقوائمهم، لم تبرز للسطح أين ستسير الأمور. فالتجمع الوحيد الذي جرى يوم الجمعة الماضي في ملعب بغداد قام به الحزب الشيوعي العراقي حيث تجمع في الملعب ما يقرب من ألفي مناصر.

عدا ذلك فالعلامة الوحيدة الأخرى عن اقتراب موعد الانتخابات هي تلك الملصقات العملاقة لآية الله السيستاني أقوى الشخصيات الدينية الشيعية في العراق جنبا إلى جنب مع فتواه الأخيرة التي اعتبر فيها المشاركة بالانتخابات واجبا دينيا.

أحد الأمور المجهولة هو مقدار الحملات الانتخابية التي ستجري، على الأقل من حيث التجمعات العامة واللقاءات الواسعة بالناخبين.

وعلى الرغم من أن الشيوعيين بادروا ببداية جريئة فإن المجموعات الأخرى لم تخفِ مخاوفها من تعريض مرشحيها للقنابل والكمائن والاغتيالات التي كانت بعضا من أعمال المتمردين.

فحينما بدأ رئيس الوزراء المؤقت أياد علاوي حملته الانتخابية يوم الأربعاء الماضي بظهوره مع أعضاء قائمته في ناد رياضي ببغداد، قدر الأميركيون الذين يشكلون الجزء الأساسي من فريق حمايته المخاطر بدرجة عالية إلى الحد الذي جعلهم يوقفون المرور في منطقة كبيرة من وسط بغداد لعدة ساعات.

ويعتقد العراقيون الآن أن القائمة الأكثر حظا للفوز بأكبر عدد من المقاعد النيابية هي «الائتلاف العراقي الموحد»، وتضم هذه القائمة مرشحين من عدة أحزاب دينية شيعية كانت لها أواصر قوية مع رجال الدين الإيرانيين عند وجودها في المنفى، وهي تحظى بتأييد جزء مهم من الشيعة في العراق.

ومع احتمال مشاركة جزء مهم من السنة العرب في الانتخابات فإن ذلك يعطي وزنا أكبر للقائمة الشيعية، إذ أن حجم ما تحظى به أي قائمة يتحدد حسب النسبة المئوية التي ستحصل عليها من أصوات الناخبين. كذلك فإن «هيئة العلماء السنة» المعروفة بدعمها للمتمردين دعت إلى مقاطعة الانتخابات. ومع تصاعد هجمات المتمردين في المناطق السنية الواقعة إلى جنوب وشمال وغرب بغداد فإن كل ذلك يثير الشكوك حول إمكانية إجراء عمليات التصويت حتى لو أن عددا كبيرا من السنة العرب يريدون المشاركة في الانتخابات.

وإذا كان قادة الأحزاب الشيعية الذين وضعوا خلافاتهم جانبا يعبرون عن ثقة عالية بحصولهم على حصة كبيرة من المقاعد، فإن المسؤولين الغربيين يقفون ضد الافتراضات القائلة إن الأصوات ستذهب إلى القائمة الشيعية. وحسب هيئة الانتخابات العراقية فإن الائتلاف الشيعي هو واحد من 9 ائتلافات واسعة تسعى للحصول على مقاعد جنبا إلى جنب مع 73 حزبا نزلت لوحدها في قوائم انتخابية و27 مرشحا لوحدهم.

وقال المسؤول الغربي للصحافيين بخصوص التخوف من النفوذ الإيراني على قائمة «الائتلاف العراقي الموحد»: « أعرف الكثير من رجال الدين الشيعة الذين ظلوا يؤكدون بحزم أنهم ليسوا بأي حال من الأحوال حصان طروادة تتغلغل إيران من خلالهم إلى العراق».

كذلك أظهرت قائمة المرشحين التي قدمت لهيئة الانتخابات العراقية أن هناك 10 مجموعات سنية تحدت فتوى «هيئة علماء السنة» الداعية للمقاطعة. ويردد الكثير من المسؤولين العراقيين والأميركيين في جلساتهم الخاصة أن نسبة المشاركين في الانتخابات داخل المناطق التي تضررت بالقتال مثل الفلوجة والرمادي ستكون واطئة جدا إضافة إلى مدن مهمة أخرى مثل سامراء والموصل وبعقوبة. لكن قد يتحدى العرب السنة في مدن أخرى مثل بغداد والبصرة فتوى هيئة علماء السنة ويشاركون في الانتخابات حسبما يرى المسؤولون.

ومن بين هذه الأحزاب السنية هناك «الحزب الإسلامي العراقي» الذي ضم في لائحته 275 مرشحا وهذا ما يزيد من حيث العدد على عدد المرشحين في اللائحة الشيعية التي يبلغ عدد مرشحيها 228 شخصا.

لكن الشيء غير المعروف لحد الآن هو مدى تأثير المتمردين على الاقتراع. فبعد نقاش طويل قرر المسؤولون الأميركيون أن تكون مسؤولية توفير حماية مراكز الاقتراع البالغ عددها 9 آلاف على كاهل قوات الأمن العراقية البالغ تعدادها 120 ألف شخص، مع نشر الوحدات الأميركية البالغ عددها 150 ألف جندي في شتى أنحاء العراق قبل انتهاء شهر يناير المقبل، بحيث تكون خارج أفق الرؤية لكنها في الوقت نفسه قريبة إلى درجة تسمح لها بالتدخل إذا اقتضت الظروف إجراء من هذا النوع.

*خدمة «نيويورك تايمز»