«الشرق الاوسط» تستطلع هواجس العمال السوريين في لبنان

محمود «سجن» نفسه أياماً ورجب قال إنه سيتخلى عن جنسيته لو ثبت تورط دمشق

TT

ترافقت جريمة اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري مع تداعيات حادة بشأن الوجود السوري في لبنان، ليس فقط على الصعيدين السياسي والأمني، وانما على صعيد العمال السوريين الذين يصعب احصاؤهم. وهو ما دفع بالمثقفين والاعلاميين في دمشق الى إصدار بيانات تنتقد ما تردد عن اعتداءات تعرض اليها عدد من هؤلاء العمال في بعض المناطق اللبنانية.

وكان لافتاً ما قاله وزير الثقافة اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة في برنامج تلفزيوني على شاشة «المستقبل» مساء أول من أمس استنكر فيه أي اعتداء تعرض له عامل سوري ساهم باعمار لبنان، موجهاً الانتقاد الى الطرفين اللبناني والسوري، ومذكراً بأن «السياسة لا تلغي الجغرافية، ولا يمكن للبنان ان ينفصل عن جارته سورية، كذلك لا يمكن لسورية ان تستغني عن لبنان، لأن العلاقات بين البلدين ليست مقتصرة على الاجهزة الأمنية وأهل السلطة، وانما على تفاعل طبيعي بين الشعبين». وكان الزعيم الدرزي المعارض وليد جنبلاط قد حذر من التعرض للعمال السوريين في لبنان، مشدداً على «ان هؤلاء العمال لا علاقة لهم بما ترتكبه أجهزة المخابرات».

«الشرق الأوسط» قامت بجولة ميدانية في بعض احياء بيروت، وتحدثت مع عمال وتجار سوريين عن همومهم واسلوب تعاملهم مع هذه المرحلة وعن آرائهم حيال ردة فعل الشارع اللبناني تجاههم. البعض اعتبر ان الحذر واجب بانتظار انحسار موجة الغضب الناتجة عن الجريمة. والبعض الآخر اعلن عن اشمئزازه من مواقف فئة من اللبنانيين، فيما وجد فريق آخر ثالث ان لا شيء تغير، فالصراع يدور بين سياسيين ولا سبب مباشرا لينعكس على الشعبين.

«رجب» وهو خياط القامشلي في شمال سورية قال: «لا اشعر ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تشبه اعمال القمع في بلادي الامر اخطر بكثير. قد يلجأ المسؤولون الأمنيون عندنا الى سجن احدهم او تعذيبه، كما حصل في منطقتي، لكن ما حصل للرئيس الحريري غير معقول لو كانت بلادي مسؤولة عنه سأتبرأ من جنسيتي، لكنها بالتأكيد غير مسؤولة. القضية اكبر من ذلك». وعن تعامل اللبنانيين معه بعد الجريمة يقول رجب: «بالطبع يزعجني ان يوجه إلي لبناني التهمة. أو ان يخلط بين الشعب والسلطة. لكني لم أتعرض الى مثل هذا الموقف. وبيروت هي المدينة الوحيدة التي فتحت لنا أبوابها وأنا أحبها».

محمد ابراهيم، الفران في منطقة بربور، غرب بيروت، يقول «ان اغتيال الشهيد رفيق الحريري انعكس سلباً على سورية قبل لبنان، لأنه ساهم بفتح الاسواق في البلدين وانعاش الاقتصاد لنا ولغيرنا»، معتبراً «ان الهتافات المعادية ضد سورية التي نقلتها وسائل الاعلام ليست سوى ترجمة انفعالية لحالة غضب» مضيفاً: «حتى لو خرجت سورية من لبنان، فالامر لن يؤثر علينا، فقد كنا في بيروت قبل دخولها، وسنبقى بعد خروجها. وجودنا لا علاقة له في السياسة وانما بالاسترزاق».

احمد حمداوي الناطور في احد الابنية في بيروت قال: «نحن ايضاً نريد الحقيقة بشأن اغتيال الرئيس الحريري، ليس لتبرئة سورية فقط، وانما لأن الجريمة بشعة». ولا ينفي احمد الخوف من الذي تملكه بعد وقوع الجريمة «لأن العرب يتصرفون غرائزياً بفعل الصدمة. لكن عندما تعرف الحقيقة يمكن مناقشة الاتهامات الظالمة».

سعيد بائع الخضار من قرية تارف، في الشمال السوري قال «انه بقي خمسة ايام في غرفته بعد الحادث المروع، ولم يغادرها، والسبب ان الشوارع فرغت من الناس، ولم يجد داعياً ليخاطر بتعرضه الى الاذى».

ويعترف سعيد «انه قبل الجريمة كان يشعر بأمان اكثر بعدها صار حذراً. والامر غير مستغرب فالانسان في بلده يتعرض الى الحساسيات في ظروف مماثلة». ويؤكد سعيد «انه لم يكن يحب تصرفات بعض السوريين، الذين عمدوا الى الاستقواء على اخوانهم اللبنانيين قبل الجريمة». معتبراً ان «مثل هؤلاء اساؤوا الى ابناء وطنهم اكثر مما اساؤوا الى اللبنانيين»، مضيفاً «دائماً كنا تحت القانون في لبنان ولم نرتكب اي تجاوزات، ندفع فواتير الكهرباء والماء بشكل منتظم ونؤدي واجباتنا، وسنتابع حياتنا هنا على هذا المنوال».

لكن محمود، وهو ايضاً بائع خضار، يرى الامر من زاوية مختلفة فهو وان كان لا ينفي اصابته بالرعب لذا «سجن» نفسه في البيت ستة ايام، الا انه يحلم بالجنسية اللبنانية، لان علاقته بالناس في الشارع أشبه بعلاقته بأهله. ويحلم بالزواج من لبنانية، ولم يشعر يوماً بأي عنصرية تجاهه».

محمد شعر بالحزن «لأن الشارع اللبناني اتهم سورية بالجريمة. وينفي ان وضعه تغير، لم يعد كما كان في السابق»، ويقر «ان الحرية في لبنان تبقى افضل مما هي عليه في سورية، لكن الامر لا ينعكس جيداً على الحياة اللبنانية. هنا نتكلم ولا نخاف وهناك نصمت ومع هذا انا افضل البقاء في قريتي حيث عشيرتي وضمانتي».

احمد البالغ من العمر 15 عاماً لم ينزعج لان الناس يشتمون بلده، ففي المظاهرات يقولون كلاماً لا اهمية له».

الوضع تحت جسر البربير الفاصل بين شرق بيروت وغربها له نكهة اخرى، تختلف عن الوضع في الاحياء، فالتجمع المعهود لاكثر من مائة سوري يومياً بين حمالين وعمال بناء وبائعي قهوة وماسحي احذية اختفى. لم يعد تحت الجسر الا بضعة عمال وجودهم يكتنفه الحذر ويعكس خوفهم، معظمهم لا عمل ثابتا لديه. لانه ينتظر الرزق صدفة غالبيتهم تخاف الحديث والكاميرا. عوض قال «ان الوضع سيئ، لان ما حصل غامض حتى الآن وتداعيات الحادث تشوبها الكثير من الشائعات لذا نشعر بالاشمئزاز عندما نسمع عن تحميل العمال اي مسؤولية».

عبده يؤكد ان العامل السوري اعجز من ان يستقوي على احد، لأنه يخاف من مخابرات بلاده اكثر مما يخاف اللبناني. لقد تم تأديبنا سلفاً ونحن لا نجرؤ على رفع رأسنا، ولا نتحمل ان يضطهدنا اللبنانيون الآن».

ويدخل على الخط شاب سوري غاضب رفض ان يعلن عن اسمه وصرخ في وجهي: «لا يحق لك توجيه الاسئلة الينا، لدينا قيادات يمكن ان تسأليها نحن نرفض الادلاء بأي حديث في هذا الظرف. علينا الالتزام بما تقوله قياداتنا».

لكن لؤي عامل البناء يبدي ليونة اكثر من مواطنه الغاضب اذ يقول: «الاوضاع ليست جيدة، لم اعمل منذ اسبوع، وجميع الذين كانوا تحت الجسر عادوا الى سورية، ولم يرجعوا، اخبرني احدهم ان العودة ليست متاحة للجميع. البعض منعوا من ذلك».

هل كان المنع لبنانياً ام سورياً؟. يصمت لؤي لحظة قبل ان يتابع: «الرزق على الله في سورية او هنا. لكن فرق سعر صرف العملة يدفعنا الى لبنان. ويحل لنا ازمة كبيرة. لو بقينا من سورية سنعاني بالتأكيد من الضيق الاقتصادي».

حازم يطرح الامر بشكل موضوعي فيقول: «الحديث عن التصرف للعمال السوريين فيه مبالغة كبيرة، لكن لا يمكن ان ننكر ان وجودنا بهذا العدد الكبير يسبب البطالة لبعض اللبنانيين، مما يدفعهم في ظل هذه الظروف الى رمي المسؤولية علينا، واتهامنا بكل الأمور السيئة. ونتمنى ان تخضع أوضاعنا للقانون اللبناني أسوة بالعمال السيري لانكيين لنحصل على ضمانات».

وإزاء طرح هذا العامل عدم توفر ضمانات لوجوده في لبنان سألت «الشرق الأوسط» مصدراً في المديرية العامة للأمن العام فأوضح «ان نظاماً خاصاً للعمال السوريين في لبنان واللبنانيين في سورية يتحكم بأوضاعهم، انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل». مضيفاً «نحن كأمن عام تعطي للعامل السوري بطاقة خاصة تسمح له بالبقاء في لبنان مدة ستة اشهر، فإذا تمكن من ايجاد وعمل، يفترض به تحويل اقامته من دخول موقت الى دخول للعمل وحصو ل على إجازة عمل وفق القوانين اللبنانية المرعية الاجراء». واشار المصدر الى وجود عمال موسميين يأتون من سورية، والقانون اللبناني لا يلزمهم بأي اجراءات وبالتالي لا يحتاجون الى اجازة عمل.