الأكراد مصرون على الاحتفاظ بـ«البيشمركة» ويعتبرونهم حراس حكمهم الذاتي

بارزاني أكد أن مستقبل هذه القوات البالغ عددها نحو 100 ألف غير قابل للتفاوض

TT

سارت الميليشيات التي ترتدي الملابس العسكرية المموهة هابطة من الجبل في تشكيل من اربعة طوابير كل منها يضم مائة رجل. وصاح الجنود في صوت واحد «كردستان او الموت». حدث هذا في معسكر للتدريب في التلال الشرقية لكردستان العراق، وهناك شكوك بخصوص ولاء هؤلاء الجنود.

فالعديد من الاشخاص يقولون ان الاولوية في ولائهم هي لحزب سياسي كردستاني. ثم لكردستان المنطقة الجبلية في شمال العراق الذي يصل حجمها الى حجم سويسرا. غير ان لا احد تحدث عن الوطن العراقي او الجيش العراقي. وقال فرمين ابراهيم «كل بيشمركة كردستان يقاتلون من اجل كردستان»، مستخدما الاسم الكردي للميليشيا والذي يعني هؤلاء الذين يواجهون الموت.

ومع استمرار المناورات السياسية في بغداد لتحديد شكل الحكومة السياسية، ومدى اسلاميتها، وما اذا كانت ذات سلطة مركزية قوية او ضعيفة - فإن واحدة من اكثر القضايا المثيرة للجدل هي ما اذا كانت الاحزاب السياسية، ولا سيما الكردية والشيعية، يمكنها الحفاظ على جيوشها الخاصة. القيادات الكردية تقول انها تنوي ان يتضمن الدستور الجديد نظاما يمنح سلطات واسعة الى الاقاليم، مما يسمح بتقنين استخدام البشمركة.

ويصل عدد قوات البيشمركة من الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، الى 100 الف مقاتل. وقد قاتلوا بضراوة ضد صدام حسين، وتعتمد عليهم القيادات الاميركية الان لمواجهة الجماعات المسلحة في الشمال. والاكثر اهمية الان وسط فراغ السلطة، يقدمون للقيادات الكردية دعما مسلحا لمطالبهم بمزيد من الاستقلال الذاتي.

ويقول مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني «نريد الحفاظ على قوات البيشمركة لانها رمز المقاومة. وهي قضية ليست مطروحة للنقاش ولا التفاوض». واذا ما تمكن الاكراد من تحقيق مطالبهم الدستورية، فإن البيشمركة ستصبح، اسميا، تحت اشراف وزارة الدفاع في بغداد، طبقا لما ذكره المسؤولون الاكراد، ولكن في الواقع سيخضعون لسيطرة القيادات الاقليمية. ويحتفظ كل من الحزبين الكرديين بوزارة للبيشمركة، ينوون الحفاظ عليها. كما يشير الاكراد الى ان البيشمركة ستحافظ على الشكل العام لجيش تقليدي، من كلية للضباط ومعسكرات تدريب ووحدات مدفعية واخرى مدرعة تعمل كلها مستقلة عن باقي قوات الأمن العراقية.

وربما تحاول الاحزاب الشيعية الرئيسية، صاحبة اكبر نصيب من المقاعد في الجمعية الدستورية، عرقلة الاكراد في موضوع الميليشيا للحد من الاستقلال الذاتي للاكراد. ولكن هذه الاحزاب لديها ميليشيات هامة خاصة بها ربما تحاول السعي للحفاظ عليها، او على الاقل ضمها في قوات الأمن العراقية كوحدات مستقلة. وجيوشهم كانت ناشطة في قلب المناطق الشيعية في الجنوب حيث تدير نقاط تفتيش ودوريات، وفي بعض الحالات، تفرض القوانين الاسلامية المتشددة.

وقد ذكرت قيادات المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق مرارا ان الجناح العسكري للحزب، قوات بدر الذي دربته ايران، ويضم 15 الف جندي، يمكنه المساعدة في اجراءات الأمن في العراق الجديد. ومن المحتمل ان يعارض العرب السنة، الاقلية التي تشعر بالتهديدات من المجموعات الاخرى، اية تحركات من الاكراد والشيعة لتقنين اوضاع ميليشياتهما.

وقد ذكرت القيادات الاميركية علنا ان جميع الجماعات المسلحة في العراق يجب ان تكون تحت اشراف الدولة والا تشكل طبقا للطائفة او العرق. ولكنهم يعترفون بالصعوبة البالغة في حل الميليشيات. وتجدر الاشارة الى ان الاميركيين يعتمدون على البيشمركة في قتال المتمردين. ففي الشمال ولا سيما في مدينة الموصل المحاصرة، دعمت القيادات الاميركية المسؤولين العراقيين الذين نشروا وحدات ضخمة من القوات الاكراد في الشوارع. ويشير لاري دايموند المستشار السابق لسلطة التحالف الاميركية التي حاولت حل الميليشيات قبل نقل السيادة الى العراقيين في شهر يونيو (حزيران) الماضي «ما اراه يحدث الان في العراق هو احتمال توجه البلاد نحو نظام امراء الحرب». واضاف اذا «اذا ما ساء الامر، واذا لم يتماسك الوسط، واذا لم تتمكن القيادات السياسية من ادارة الانقسامات الاقليمية بعناية، ولا سيما في الوسط، فإن وجود كل هذه الميليشيات يمكن ان يسهل وقوع البلاد في نوع من الحرب الاهلية على غرار لبنان. واكد دايموند ان «وجود البيشمركة سيؤدي الى دعم عزيمة القيادات السياسية الكردية بعدم التراجع عن مطالبهم بحكم ذاتي واسع النطاق».

ويقول العقيد مهدي دوسكي، البالغ من العمر 44 سنة، قائد معسكر التدريب هنا «اذا ما بذلت جهدي لحماية شعبي ومدني فإنا اخدم العراق بطريقة غير مباشرة».

*خدمة «نيويورك تايمز»