كركوك : تحدٍ أمام الأكراد والعرب ومستقبلها يحدد مستقبل العراق

TT

أدرك محمد أحمد أن فجوة كبيرة تتنامى حاليا بين الأكراد والعرب هنا، بعد أن التقى بزميل مدرسته السابق في أحد شوارع هذه المدينة المضطربة. ودرس أحمد الكردي مع صديقه العربي معا في معهد النفط بكركوك قبل عقدين تقريبا. لكن بعد فترة قصيرة من بدء أحمد العمل في شركة نفط الشمال الحكومية في أواخر الثمانينات أجبرته حكومة صدام حسين تحت سياستها لتقوية سيطرة العرب للمدينة على ترك عمله وأجبرته مع أسرته على الانتقال شمالا مع عشرات الألوف من الأكراد الذين كانوا يعيشون في كركوك.

زرعت تلك السياسة الهادفة إلى تغيير مكان الإقامة لقطاع واسع من الناس بذور العداوة الاثنية التي نمت حتى أصبحت أكثر القضايا احتقانا وتفجرا في العراق خارج المنطقة السنية التي يوجد فيها المتمردون، كذلك أصبحت هذه القضية عائقا أمام تشكيل الحكومة الجديدة. حينما التقى أحمد بزميل دراسته السابق مرة أخرى اكتشف أنه ما زال يعمل في شركة نفط الشمال ضمن ما يقرب من 10 آلاف عامل يساعدون على استخراج النفط الذي يشكل ما بين 10 إلى 20 في المائة من احتياطي العراق.

قال أحمد، 41 سنة، وهو يفكر ببيت صديقه الكبير «كان يقبض راتبا كبيرا وكان لديه عمل جيد طيلة هذه السنوات...كان العرب والتركمان والمسيحيون يشتغلون أما الأكراد فكانوا مبعدين». وتحدث من بيته الخشبي المنصوب على عجل في ملعب رياضي حيث يقيم هو وأسرته مع آلاف الأكراد الآخرين منذ سقوط نظام صدام حسين. قال أحمد «نتمنى ألا يكون في كركوك نفط... لو لم يكن فيها نفط لكانت حياتنا أكثر ارتياحا الآن. كل مشاكلنا الآن هي بسبب النفط اللعين».

ويعبر مأزق أحمد الآن عن الصراع المتنامي حول كركوك المدينة التي يبلغ عدد سكانها 700 ألف نسمة والواقعة على أرض منبسطة تهب عليها باستمرار رياح الشمال الجبلية. وتواجه الجهود الهادفة إلى إعادة الأكراد إلى وظائفهم ومساكنهم بدون إيذاء العرب عوائق قد تؤوي إلى انفجار حرب أهلية. وظل النقاش مملوءا بالمشاعر المتطرفة كلما دار الحديث حول مستقبل كركوك. ويريد المفاوضون العرب الراغبون في تشكيل حكومة ائتلافية في بغداد تأجيل اتخاذ أي قرار حقيقي يتعلق بمستقبل كركوك.

ضمن هذا السياق قال إبراهيم الجعفري المرشح الشيعي لمنصب رئيس الحكومة «فيما يخص كركوك علينا أن نجد حلا دائما لها لا مؤقتا وهذا بسبب وجود تشكيلات اثنية متعددة». أما الزعماء الأكراد فيقولون إن كركوك هي القدس بالنسبة لهم وإنهم يجب أن يسيطروا عليها وعلى حقول نفطها لأنها مدينة كردية من الناحية التاريخية. ويسعى الأكراد للضغط على الزعماء الشيعة مثل الجعفري لمساعدتهم على الاستحواذ على كركوك وإخراج المستوطنين العرب وتشغيل أكراد أكثر في شركة نفط الشمال، المؤسسة الحكومية الوحيدة هنا والتي لم يستطع الأكراد السيطرة عليها منذ الغزو الأميركي للعراق.

وأعطت نتائج انتخابات 30 يناير (كانون الثاني) الماضي دفعا قويا للأحزاب الكردية بعد أن حصلت على أكثر من ربع مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 275 مقعدا، وبذلك جعلوا أنفسهم شريكا ضروريا للكتلة الشيعية التي فازت بأعلى نسبة من المقاعد الانتخابية. لكن مع وجود نفط كركوك كجزء من المشكلة لم يتمكن الشركاء الأكراد والشيعة من الاتفاق على تنفيذ الفقرة 58 من قانون الدولة المؤقت والذي يقدم إرشادا غامضا لحل مشكلة ملكية الأرض هنا. كذلك تعد قضية من سيدير كركوك: الحكومة الوطنية أم الحكومة المحلية الخاصة بكردستان العراق.

بدأ الأكراد بالعودة بأعداد كبيرة منذ ما يقرب من عامين حينما أطيح بحكومة صدام حسين. ونتيجة لذلك هربت بعض العائلات العربية لكن أغلبيتها التزمت بتأكيدات الجنود الأميركيين الذين يسعون لمنع وقوع حرب اثنية حيث أنهم شجعوا هذه العائلات على البقاء وحثوا في الوقت نفسه الأكراد لكي ينتظروا حتى تحقق حل شرعي.

قال برهم صالح نائب رئيس الوزراء وأحد الزعماء الأكراد البارزين «من وجهة نظري المستوطنون العرب الذين جلبوا إلى كركوك هم أنفسهم ضحايا صدام حسين أيضا... لكن السؤال هو إذا كنا نتحدث عن عراق جديد فهل يعني ذلك أن النخبة العراقية التي تم اختيارها عبر الانتخابات عليها أن تعترف بالغلطة الفظيعة التي يجب تصحيحها»؟

وكان الأميركيون قد أنشأوا في أبريل (نيسان) 2004 لجنة مطالب العقار العراقي. ومع انتهاء عام 2004 تسلمت اللجنة 10044 طلبا من المنطقة الكردية. وأوضحت إحصائيات هذه اللجنة أن القضاة لم يصدروا حكما في أكثر من 25 قضية. وقال رئيس هذه اللجنة الذي رفض الكشف عن اسمه في مقابلة معه، إنه ليس هناك سوى قاضيين ينظران في القضايا الخاصة بكركوك. ولم يكن بإمكان اللجنة تعيين قضاة آخرين لأن الأحزاب السياسية الكردية تصر على أن يكون للقضاة الأكراد وحدهم حق مراجعة المطالب، وهذا ما حدد عدد المؤهلين لاحتلال هذه المناصب.

لكن المسؤولين العرب والتركمان في هذه المدينة يتهمون الأحزاب السياسية الكردية بدفع أنصارها إلى كركوك تحت زعم أنهم من العائدين قبل حلول 30 يناير الماضي لكي تعزز نسبة الأصوات لصالحها. وفاز الائتلاف الكردي الرئيسي بـ 26 من 41 مقعدا مخصصة لكركوك ومن المؤكد أن يكون المحافظ الجديد لها كرديا.

وقال بصحي صابر المسؤول الكبير في الجبهة التركمانية العراقية إن «العائلات التي طردت من كركوك عادت إليها الآن... وإذا كان هؤلاء الناس من كركوك فلمَ لا يعودون إلى بيوتهم؟ لمَ هم مقيمون في الملعب؟». وقال عدد من العرب الساكنين في منطقة القادسية بكركوك والتي تعرض الأكراد فيها لتهجير واسع، إن السلم سيبقى قائما في المدينة طالما لا يحاول أي شخص أن يصادر بيوتهم.

وقال محمد عواد الذي كان يرتدي ثوبا أسود طويلا (دشداشة) عن الأكراد المقبلين «هم جاءوا من تركيا وإيران. إنهم ليسوا عراقيين. ربما طرد النظام السابق 1 أو 2% من الأكراد لكن هؤلاء قدموا من خارج البلد». من نظرة عابرة لبيت أحمد داخل الملعب يتضح السبب الذي يجعله نافد الصبر. فالمياه تسيل على الأرض كلما سقط المطر. والأطفال يلعبون في صناديق القمامة الموضوعة خارج البيت، ولم يكن هناك أي مصدر للتدفئة عدا مدفأة نفط إضافة إلى وجود تلفزيون للتسلية.

*خدمة «نيويورك تايمز»