نائب بيروت عيدو لـ«الشرق الأوسط»: لا يمكن لشخص واحد أن يتخذ قرارا بحجم اغتيال الحريري

وجه أصابع الاتهام «بالمسؤولية السياسية» إلى الحكومة اللبنانية

TT

مضى شهر على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتحقيق الجدي لم يبدأ بعد، فكل ما انجز حتى الآن تحرك لم يكتمل بعد للفريق الدولي لتقصى الحقائق. والمطلوب، كما قال النائب المعارض وليد عيدو، ان تطلب السلطة من الامم المتحدة تكليف لجنة تحقيق دولية او ان يضمن رئيس فريق التقصي، بيتر فيتزجيرالد، تقريره طلبا الى الامين العام للامم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق.

وقد تحدث النائب عيدو الى «الشرق الأوسط» عن الجريمة والمسؤوليات والتحقيقات من زاوية خبرته كرجل قضاء اذ انه كان يشغل منصب مدعٍ عام قبل ان يستقيل.

سألته «الشرق الأوسط»: لو كلفت بالتحقيق كيف كنت ستتصرف؟

فقال: اولا احمد الله انني لست محققا في هذه الجريمة. ربما علاقتي بالرئيس الشهيد لا تسمح لي بأن اكون محايدا في جريمة اغتيال شخص بحجم رفيق الحريري. ثانيا لو رمت بي الظروف لأكون محققا في هذه الجريمة فالسؤال الذي يرد الى ذهني مباشرة هو ان هناك «مجهولا» اغتال الرئيس الحريري. هذا المجهول ربما جهة وربما شخص. وفي ظروف كجريمة اغتيال الرئيس الحريري ليس هناك شخص يتخذ قرارا بهذا الحجم فيتجه مباشرة تفكيري الى جهة ما. وكل جريمة لها ظروفها، وجريمة اغتيال الرئيس الحريري جريمة سياسية ولها ظروفها، فلم يكن هناك شخص له عداء شخصي مع الرئيس الحريري لأقول انه ربما هناك شخص قد اغتال الرئيس الحريري. هذا عدا عن المناخ السياسي الذي رافق الاغتيال وسبقه بمدة غير قصيرة لا بل تعود الى مدة سبع سنوات منذ ان وصل الرئيس اميل لحود الى رئاسة الجمهورية، فقد كان هناك استهداف دائم للرئيس الحريري في حركته السياسية. وربما كان يريد البعض لا بل اوضح هذا البعض في مجالس خاصة انه يريد دم الرئيس الحريري. وأتت الاحداث في ملاحقة كل من كان له علاقة بالرئيس الحريري من الموظفين وسجنهم ظلما وجورا وخلافا لأي قانون وانتهاء بحملات تخريب انتصار الرئيس الحريري في الانتخابات النيابية في العام الفين.

واضاف: كانت هناك ايضا عملية ضرب انجازات الرئيس الحريري التي كانت ستحمل الوطن الى مكان جديد واهمها مؤتمر «باريس ـ 2» والانقلاب على هذا المؤتمر الذي تبنته الدولة ثم ادى تعامل الاجهزة ورئيس الجمهورية معه الى اسقاطه. واخيرا ارغامنا على التمديد للرئيس لحود في سدة الرئاسة، ثم ممارسة حملة تخوين للرئيس الحريري اثر صدور القرار 1559 لتطبيقه في لبنان، والاتهامات الوقحة التي وجهها اليه بعض الوزراء.

وتابع النائب عيدو: كل هذا يعطينا فكرة عن ان هناك جهة كانت تحرض على قتل الرئيس الحريري. وبالعودة الى المادة 217 من قانون العقوبات يتبين لنا كيف يكون التحريض على اغتيال شخص. اذن الاتجاه الاول هو ان هذه السلطة حرضت على قتل الرئيس الحريري. والاتجاه الثاني ان هذه السلطة بأجهزتها وسياسييها مارست نوعا من التضليل الاعلامي والتحقيقي فهي لم تتدارك حصول الجريمة وهذه اهم الادلة على ان الاجهزة الامنية لم تكشف من كان يحرض على هذه الجريمة النكراء وانها لم تستطع ان تمنع حصول هذه الجريمة وانها بعد ذلك تصرفت بشكل بدائي وغير قانوني مطلقا عندما بدأت ترمي الشائعات المتلاحقة عن عملية الاغتيال، وتحاول الهائنا بجهات من غير المعقول ان تكون اقدمت على هذه الجريمة بشكل منفرد بدءا من القول ان منفذ العملية يدعى ابو عدس ثم القول ان لبنانيين من اصل استرالي نفذوا العملية وتبين لاحقا انهم حجاج وان السلطات الاسترالية نفت تورطهم. وكذلك اختلاق اقوال حول طريقة التفجير دون ان تجيبنا عن سؤال بديهي عن كيفية حصول الجريمة وكيف استطاع منفذوها ان يصلوا الى مكان الجريمة بهذا الهدوء وبكل الامكانات الكبيرة التي استعملت وهذه ايضا نقطة في التحقيق مهمة جدا.

قلت له: هل كنت مستعدا للتعاون في التحقيق فيما لو كلفت؟

اجاب: نعم كنت مستعدا للتعاون مع أي كان من القدرات التقنية والفنية في العالم لكي اصل الى الحقيقة وكانت السلطة تناور مدة اسبوع حتى وافقت على ان يكون هناك فريق لتقصي الحقائق ينضم اليه بعض المختصين في التفجيرات.

واضاف: ان الحد الادنى المطلوب عندما تحصل جريمة ان يكون هناك مسح لمسرح الجريمة بحيث اقول انني اكتشفت اكثر من عملية اغتيال وقتل من خلال عقب سيجارة او رقم هاتف او ورقة محارم او عبر كرسي مقلوب. هذا الامر لم يحصل بدليل ان عددا من الجثث اكتشف لاحقا في مكان الجريمة.

وقال النائب عيدو: لان جريمة الاغتيال هي لشخص بحجم الرئيس رفيق الحريري كان على الاجهزة الامنية ان تبادر الى الاستقالة لانها بمسؤوليتها عن التقصير كانت سترمي ظلالا حول مسؤوليتها لانها اعلنت استعدادها لان يأتي من يشاء من المحققين ويكشف براءتها. ولو كلفت بالتحقيق كنت اجريت استنابة لكل من يملك امكان المساهمة في كشف هذه الجريمة ووضع اليد على خيوطها. كل هذه الامور لم تحصل ولم تتحرك الدولة بل على العكس ذهبت في اتجاه اخفاء معالم الجريمة حين اتجهت الى اخفاء معالمها السياسية على الاقل عندما حاولت العودة الى الحياة الطبيعية. وبمعنى آخر كانوا يقولون لنا انتهى الموضوع اذهبوا الى بيوتكم وليس هناك من تحقيق. كنت اسأل الاجهزة اين ذهبت سيارات الرئيس الحريري التي استهدفت والتي كانت تحمل ادلة كثيرا في مسرح الجريمة. لا اعتقد ان التحقيق كان جديا، وهذا ما يجعلنا نتوجه بأصابع الاتهام بالمسؤولية السياسية الى الحكومة وعلى رأسها كل من ادلى بتصريح يموه التحقيق او يحرض على ارتكاب الجريمة، وكل من كان يتسلم مركزا امنيا قام بأي عمل ادى الى هذا الامر. كنت سأطلب كما اطالب اليوم بان يذهب هؤلاء الى بيوتهم لكي يأتي غيرهم ممن ليس لهم على الاقل شبهة في هذا الامر، ان يستقيلوا وان افتح الباب امام التحقيق. واصل الى القول ان ما اطالب به هو ما يطالب به قاض عادل وما يطالب به مواطن ينادي بالحقيقة. والقضاء اللبناني ليس قضاء مؤهلا للتحقيق بحكم التجارب السابقة في مجموعة من الاغتيالات التي لم يتم التوصل في تحقيقاتها الى اية حقيقة. القضاء اللبناني تحول الى جهاز امني في خدمة الاجهزة الامنية ولست بحاجة الى ابداء الامثلة والادلة في هذا الامر، فكل الملفات التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري تجعلنا نصل الى حقيقة واحدة هي ان هذا القضاء يريد ان يشارك في تغطية الجريمة ولم يقم بخطوة واحدة في اتجاه كشف الحقيقة.

وقلت للنائب عيدو ان الرئيس الحريري قبل اغتياله خاطب النائب وليد جنبلاط بالقول: اما انا واما أنت في اشارة تحذيرية منه الى ما كان ينتظرهما من استهداف. وهذا يعني انه كان يتوقع حدوث مكروه. فلماذا لم يأخذ الحيطة اللازمة ولماذا بقي على تحركه المعتاد؟

اجاب: اعتقد ان الرئيس الحريري قد اتخذ التدابير الامنية الكلاسيكية عندما جهز موكبه بأجهزة قادرة على كشف اية محاولة تفجير لاسلكي، لكن المجرمين الذين على ما يبدو كانوا يعرفون ذلك ذهبوا في اتجاه آخر وهذا ما كانت الاجهزة الامنية تعلمه. كما ان التفجير تم سلكيا وليس لا سلكيا. اما لماذا كان الرئيس الحريري لا يتخذ الحيطة في تحركاته، فلأنه كان يؤمن بأن الشعب اللبناني كله يقف معه وان اياً منهم لا يفكر في اغتياله. اضافة الى ان الرئيس الحريري كان قدريا ويؤمن بالعمر المحدد من الله ـ من قتله كان يريد ايجاد حالة سياسية وامنية جديدة في البلد.

وردا على سؤال عما هو السبيل الى تحقيق دولي؟ قال: اما ان نكون صادقين مع انفسنا فتنبري الحكومة الى المطالبة هي بتحقيق دولي وهذا امر لا يتعارض مع السيادة ـ وهنا اذكر بموافقتها على التحكيم في قضية الهاتف الخلوي مع الشركات. واما ان تطور الامم المتحدة مهمة فريق تقصي الحقائق. وقد تمنيت على رئيس هذا الفريق بيتر فيتزجيرالد ان يضع في تقريره ملاحظة اخيرة ان يطلب من الامين العام كوفي انان ان يطلب من المجلس الامني الدولي تكليف لجنة تحقيق دولية تكون لها صلاحية متابعة التحقيق وليس فقط جمع المعلومات.

ورداً على سؤال اخير قال النائب عيدو: ماذا يعني ان تتمسك الدولة بقادة الاجهزة الامنية؟ معنى ذلك انها تريد اخفاء الحقيقة. فهل لا يوجد في هذه الاجهزة خمسة او ستة اشخاص بامكانهم تسلم مراكز قيادية عوضا عن هؤلاء؟ الا يمكن تنحيتهم او اقالتهم او دفعهم الى الاستقالة وكل منهم ينتظر اشارة من السلطة اللبنانية ومن وراءها ليستقيل.