تفتيش منازل قرية قرب بغداد يظهر تعاونا وترحيب الأهالي بالجنود العراقيين أكثر من الأميركيين

السكان مستعدون لتوفير معلومات سرا عن المشتبهين

TT

حينما كان الجنود العراقيون يطرقون على الأبواب يوم الاثنين لتفتيش منازل قرية تقع شمال بغداد حدثت مفاجأة غريبة.

فبعد مظاهر الخوف أو الاستسلام كان معظم العراقيين يحيون الجنود بالطريقة العربية التقليدية الشائعة - السلام عليكم، حفظكم الله، مرحبا بكم ـ ثم سمحوا لهم بالدخول إلى بيوتهم بهدوء. وكان التوتر سيكون أكبر بكثير لو أن الأميركيين كانوا هنا لوحدهم. مع ذلك فإن مداهمتين خلال ثلاثة أيام لم تسفر إلا عن اعتقال مشبوهَين من 14 شخصا مشتبها في الهجوم الدموي الذي شُنّ على الجيش العراقي يوم السبت الماضي وقضايا أخرى.

كان السكان بشكل عام غير راغبين في إبلاغ المعلومات علنا للجنود العراقيين الذين درِّبوا على تجنب الأساليب الفظة التي كان جيش صدام حسين يستخدمها مع الناس وبسبب أن المتمردين ما زالوا يستخدمون الأساليب القديمة. لذلك فحتى لو أن هذا الجيش يتحرك بشكل أسهل بين الجمهور فإنه لا يحصل على القدر الضروري من التعاون منه، حسبما قال العقيد ثائر ضياء التميمي قائد الوحدة التي تعرضت للهجوم يوم السبت الماضي.

وقال العقيد ثائر الذي يعرف جيدا الأساليب القاسية القديمة حيث أنه عمل ضابط استخبارات أثناء حكم صدام حسين: «من السهل بالنسبة للعراقي أن يحقق الأمن».

وأبدى العقيد دعمه للأسلوب الجديد الذي يجري التعامل به، لكنه قال إن المساعي الهادفة لحفظ الأمن مع الديمقراطية تجعل عمله أكثر تعقيدا.

وعلى الرغم من هذه المشاكل فإن العقيد ثائر قال إنه بات يجد رغبة متزايدة من قبل العراقيين لإيصال المعلومات بطريقة سرية. وهذا ما جعل الوحدة العسكرية العراقية التي تعرضت للهجوم يوم السبت الماضي قادرة على استخدام علاقاتها ضمن سكان القرى لتحديد المهاجمين ووضع قائمة بأسماء 14 مشتبها فيه.

وباستخدام الأساليب التي تعلموها من قبل مدربيهم الأميركيين وضع العراقيون خطة متقنة للغارة التي شارك فيها عدد قليل من الجنود الأميركيين. وقام الأميركيون بدعمهم من حيث توفير مصفحات مدرعة وأحيانا السير وراء الجنود العراقيين وهم يتجهون إلى منازل المشتبه فيهم.

وقال الملازم الأول محمد ضياء أحمد من الكتيبة 205 في الساعة الثالثة صباحا بعد مضي ساعات على عملية التفتيش، «من الصعب الآن العثور على الأفراد الأشرار. كان سهلا جدا في الماضي. عليك الآن أن تتعب كثيرا كي تنجح».

وقال احد سكان قرية «العيس» الكردي أحمد فلامارس حينما سئل أين يظن أن الأفراد الذين هاجموا الوحدة العسكرية موجودون حاليا: «لا أعرف. أقسم لكم أنني لا أعرف».

وقال العقيد ثائر الذي يقود الكتيبة 205 في مقابلة جرت معه قبل شن الغارة يوم الاثنين، إن الإرهابيين المحليين «مختبئون في بيوتهم بالمقدادية» وهي بلدة تقع إلى شمال شرقي بعقوبة. وقرية العيس تقع على أطراف بلدة المقدادية.

وما تزال القنابل المزروعة على جوانب الطرق مشكلة يومية هنا. وقال العقيد ثائر ان الطبيعة الأهلية للهجمات تجعل منها أكثر صعوبة في القضاء عليها، لأن الارهابيين لا يظهرون كأشخاص من خارج المدينة وبالتالي يمكنهم السبات للفترة التي يريدونها قبل القيام بالضربة.

وأيا كان معدل نجاح العمليات، فان التحول نحو ادارة العراقيين لها يحمل بعض الأمل في التخفيف من مشكلة كبيرة، ذلك أن الغارات على البيوت غالبا ما تثير استياء الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة. ففي غارات نهر ديالى بدا أن معظم العراقيين أكثر استعدادا لقبول دخول القوات العراقية الى بيوتهم حتى اذا جاء الأميركيون في أعقاب ذلك.

وقال علاء حامد سلمان، 40 عاما، وهو رب اسرة من تل شخير الواقعة على نهر ديالى، عندما سئل حول القضية أثناء غارة يوم السبت الماضي «أجل أنا أرحب بذلك. أشعر براحة أكبر عندما أرى قوات عراقية. انهم يعرفون تقاليدنا».

وعندما سئل عما اذا كان يفضل عدم وجود التدخلات تماما رفض علاء ذلك قائلا «نحن لا نهتم اذا ما فتشوا أماكن مثل هذه لأننا نحتاج الأمن».

وقال العقيد ثائر انه بعد القتل يوم السبت الماضي قدم مخبرون 14 اسما لأشخاص مرتبطين بالخلية الارهابية ذاتها على الرغم من صعوبة دفع السكان الى التحدث علنا.

وفي العاشرة والنصف من تلك الليلة تجمع الجنود الذي يقومون بالغارة في مبنى ضخم، وتحدث الكابتن كيرتس بيرنز، الذي يقود القوة العسكرية الأميركية الصغيرة، مع القادة العسكريين العراقيين حيث كانت خريطة مصورة عبر الأقمار الصناعية للمدينة التي تنفذ عليها الغارة على الجدار. وسأل الكابتن بيرنز «أين ترون المنطقة الأكثر خطورة»، وقد قبل الى حد كبير نصيحة العراقيين حول أماكن وضع قواته.

وبينما كان الكابتن وهاب عبد علي من الفوج 205 يوجه عمليات التقدم عبر ميكرفون، وأصداء صوته تتردد في المبنى الشبيه بالكهف، كان العراقيون يتقدمون لانجاز جزء هام وسريع من العملية.

وبحلول الواحدة والنصف فجرا كان العراقيون يقرعون الأبواب ويفتشون البيوت في المدينة. وكان الجنود الأميركيون يتبعون العراقيين احيانا. ومن المؤكد أن عددا قليلا من العراقيين جرى ايقاظهم وتعرضوا الى الازعاج ولكن معظهم عبروا عن ترحيبهم.

وكانت عمليات التفتيش بطيئة وشاقة، ولم يشاهد صحافي مرافق لوحدة عراقية أفراد الوحدة وهم يلجأون الى تحطيم باب أو الاعتداء على صاحب بيت في هذه الليلة.

وفي مرحلة معينة همست امرأة بدينة للجنود العراقيين مشيرة الى أن جارها يكره الأميركيين وقد تحدث عن امتلاكه قنابل يدوية. ولم يسفر البحث هناك عن شيء، ولكن الجنود العراقيين كانوا مهتمين بالعودة والقيام بتفتيش استعراضي لبيت المرأة أيضا، حتى لا يرتاب جارها بأنها أفشت سره. واعتقل اثنان من المشتبه فيهم هما طارق سعيد وحازم محيي خلال عمليات تفتيش روتينية عن بطاقات الهوية الشخصية، وبحلول الساعة الرابعة فجرا كانا راكعين وعصبت عيونهما وأوثقت أياديهما خلف الظهر عند جانب الطريق الرئيسي في العيس. وعند استجوابه عبر مترجم قال طارق ان لديه عذرا، فقد كان على بعد أميال من منطقة اطلاق النار.

وكان حازم أكثر افصاحا مشيرا الى أنه كان يعرف بوجود هجوم، ولكنه قال انه لم يسمع عنه الا عبر اصدقاء. وأضاف ان «غرباء من الخارج» قاموا بتنفيذه.

انسحبت الشاحنات العسكرية العراقية وأعقبتها عربات الهمفي الأميركية. وباستثناء الجنود العراقيين الذين كانوا يدخنون ويتمازحون وهم يحرسون المعتقلين، كانت المدينة هادئة.

* خدمة «نيويورك تايمز»