القادة العسكريون الأميركيون يرون إمكانية للبدء بتخفيض عدد القوات المرابطة في العراق أول العام المقبل

TT

يؤكد قادة عسكريون أميركيون ومسؤولون كبار في وزارة الدفاع (البنتاغون) انه بعد مرور عامين على سقوط نظام صدام حسين تمكنت الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق من تحقيق قدر كاف من التقدم في محاربة المتمردين وتدريب قوات الأمن العراقية بما يسمح للبنتاغون بالتخطيط لتقليص كبير في عدد الوحدات الأميركية المرابطة هناك ابتداء من مطلع العام المقبل. ويلتزم الضباط الأميركيون الكبار جانب الحذر من التصريح بتحقق النجاح تجاه التمرد المسلح في العراق بشكل مبكر، وهم يقولون إن هناك ما بين 12 و20 ألف مقاتل عنيد يتوفر لهم تمويل كبير ولديهم القدرة على تحويل أساليبهم بسرعة كي يقوموا بهجمات فتاكة. لكن هناك إجماعا بدأ يظهر بين الضباط والمسؤولين الكبار في البنتاغون حول الاتجاهات الإيجابية المتعددة التي برزت تظهر إلى السطح بالرغم من ان كلا منها يحمل تحذيرا ما.

الهجمات على قوات التحالف المتعددة الجنسيات تراجعت إلى مستوى يتراوح عددها بين 30 و40 هجوما في اليوم الواحد، فيما كان المعدل قد بلغ أعلى مستواه حينما وصل إلى 140 هجوما في اليوم قبل انتخابات 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، لكنه ما زال بنفس المستوى الذي وصل إليه في السنة الماضية. ونصف هذه الهجمات يتسبب في سقوط ضحايا أو أحداث دمار، لكن هناك ما يقرب من جندي أميركي واحد يُقتل كل يوم في العراق، وغالبا ما يكون بسبب القنابل المزروعة على جوانب الطرق. وفي مارس الماضي قتل 36 جنديا أميركيا وهو الأقل من حيث المعدل منذ شهر يناير2004 الذي قتل فيه21 أميركيا.

وتستهدف هجمات المتمردين الآن العراقيين، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وأصبح تخطيطها أقل حيطة وأكثر تهورا من حيث التنفيذ والتوقيت مما يجعلها تؤدي إلى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، وهي تستهدف أماكن مثل المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة حينما يتجمع عدد كبير من المدنيين العراقيين.

كما تم خلال الأسابيع الأخيرة اعتقال أو قتل عدد كبير من أعوان أبو مصعب الزرقاوي الناشط الأردني الذي تبنى تنظيمه المسؤولية عن الكثير من الهجمات الفتاكة. وقال القادة العسكريون الأميركيون إن المتمردين يحتاجون وقتا أطول الآن للتجمع وشن سلسلة من الهجمات باتباع أساليب جديدة مثل ذلك الهجوم الذي شنوه يوم 2 الشهر الحالي على سجن أبو غريب والذي سبب جرح 44 أميركيا و13 سجينا عراقيا.

وإذا كان التمرد يتم على يد عراقيين بالدرجة الأولى، فإن هناك عددا من المقاتلين الأجانب الذين ينفذون أكثر الهجمات الانتحارية حيث أنهم ما زالوا يتسللون إلى العراق وعلى الأغلب من سورية حسبما قال هؤلاء الضباط الكبار.

كذلك فإن عدد المتمردين لم يتغير تقريبا منذ الخريف الماضي حتى مع مقتل أو اعتقال المئات أو الآلاف منهم وهذا ما يشير إلى أن التمرد المسلح ما زال قادرا على جذب العاطلين عن العمل والساخطين، وهذا ما يمنع من تجفيف الساحة من المقاتلين. ويخشى القادة العسكريون الأميركيون أيضا من أن تكون الحكومة العراقية ودوائر الأمن الجديدة قد تسرب إليها عناصر من المتمردين الذين يقومون بدور المخبرين على الرغم من إجراءات التحقق الشديد من المتقدمين للانتماء إلى هذه المؤسسات حسبما قال المسؤولون.

وضمن هذا السياق تبدلت أولويات الجيش الأميركي من شن عمليات هجومية إلى القيام بتدريب للوحدات العراقية سواء التابعة للجيش أو الشرطة. وتشرف الوحدات العراقية حاليا على بغداد والموصل مع وجود القوات الأميركية على أهبة الاستعداد للمساعدة في الأوقات الصعبة. وهناك حاليا أكثر من 2000 مستشار عسكري أميركي يعملون بشكل مباشر مع القوات العراقية. وقال البنتاغون إن هناك أكثر من 152 ألف عراقي تم تدريبه وتسليحه لصالح الجيش أو الشرطة، لكن النوعية والخبرة لهذه القوات مختلفة من وحدة إلى أخرى.

كذلك أصبح العراقيون أكثر تحديا لترهيب المتمردين من خلال إعطاء القوات العراقية معلومات عن مواقع القنابل المزروعة على حافات الطرق وعلى مستودعات الأسلحة ومخابئ المتمردين الآمنة. وقال الكثير من المسؤولين العسكريين، عراقيين وأميركيين، إن حرمان المتمردين من موقعهم الآمن الذي كانت تمثله الفلوجة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع انتخابات 30 يناير الماضي أعطت للعملية العسكرية زخما قويا ووضعت هدف إدارة الرئيس جورج بوش في تسليم العراق إلى حكومة دائمة ومنتخبة قريب التحقق.

وقال الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان «إننا نسير على الطريق الصحيح» لكن التمرد «يقتل كل يوم... إنه ما زال يشكل تهديدا ضخما».

وهذه الرؤية التي ترى أن هناك تقدما يتحقق بطريقة ملتوية يشترك بها كل قادة الجيش والمسؤولين الكبار في البنتاغون. ويأتي تقييم هؤلاء استنادا إلى دراسة ما بين 50 و70 معيارا يبتدئ من أرقام الخسائر البشرية إلى محاولات الاغتيال ضد مسؤولين في الحكومة العراقية إضافة إلى التحليلات الذاتية التي قام بها آمرو وحدات ودبلوماسيون أميركيون. وتذكر هؤلاء كيف أن الخطط الأميركية لتقليص عدد الوحدات الأميركية في العراق قبل عام واحد فشلت مع تصاعد هجمات المتمردين في المناطق التي تقطنها أغلبية سنية إلى شمال وغرب بغداد وفي النقاط الشيعية الساخنة مثل النجف، كذلك فإنهم عبروا عن مخاوفهم من أن يؤدي هجوم انتحاري يائس ضد أهداف مهمة مثل الجمعية الوطنية العراقية إلى توجيه ضربة كبيرة للعملية الديمقراطية في العراق. وقال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي يوم 29 الشهر الماضي في مؤتمر صحافي «أنا قلق من التفاؤل المفرط». ويعتمد تحديد وقت بدء انسحاب القوات الأميركية وعدد ما سيتم سحبه على عدة عوامل تشمل الوضع الأمني وحجم وكفاءة القوات العراقية المدربة وما تريده الحكومة العراقية الجديدة. وقال الجنرال جورج كَيْسي قائد القوات الأميركية في العراق لشبكة «سي إن إن» التلفزيونية قبل أسبوعين إنه في حالة تحقق كل شيء كما يؤمل «فإننا سنكون قادرين على القيام بتخفيض فعال في الوحدات من حيث الحجم» في هذا الوقت من السنة المقبلة.

ورفض الجنرال كيسي تحديد حجم أية تخفيضات محتملة في القوات، ولكن مسؤولين عسكريين كبارا آخرين قالوا إن مستويات القوات الأميركية في العراق يمكن أن تخفض إلى ما يقرب من 105 آلاف أو حوالي 13 لواء بحلول أوائل العام المقبل من 142 ألفا (أكثر من 17 لواء) في الوقت الحالي.

وحتى بعض من أشد منتقدي الإدارة الأميركية يعبرون الآن عن تفاؤل حذر حول عملية في العراق تكلف ما يزيد على 4 مليارات دولار شهريا، حيث يبدو أن العملية السياسية الناشئة والاقتصاد البطيء التحسن يستنزفان الدعم الضمني للتمرد من عشرات ألوف المدنيين العراقيين الذين يسميهم الجيش «المحايدون».

وقال السناتور جاك ريد، الديمقراطي من رود آيلاند والضابط السابق في الفرقة 82 الجوالة جوا «حققنا بعض الإنجازات العسكرية الفعلية خلال الأشهر الماضية، ولكننا سنكون سذجا إذا اعتقدنا أن التمرد انتهى. ونحن هناك عسكريا لفترة طويلة».

ويقول ضباط كبار إن الضغط المتزايد على المتمردين يدفع كثيرا منهم إلى الخروج من البيوت الآمنة في مدن مثل الموصل وسامراء وبغداد ويلوذون بالمناطق الصحراوية. ويضيفون انه من الملاحظ، وإن على نحو غير مفهوم تماما، أن المتمردين يتنقلون في مجموعات صغيرة على خلاف ما كان عليه الحال في فترات سابقة. فهجمات أبو غريب مثلا جرى تنسيقها حيث كانت هناك وحدات صغيرة تضم ما يتراوح بين 40 إلى 60 متمردا توجه ضرباتها، على الرغم من أنها لم تكن فعالة إلى حد كبير، وفقا لما يقوله الضباط.

* خدمة «نيويورك تايمز»