في حديث شامل لـ «الشرق الاوسط»العماد عون يقول: أدعو الى تطبيق اتفاق الطائف لكنه ليس كتابا مقدسا

TT

بعد 14 عاما قضاها العماد ميشال عون في «منفاه» في فرنسا، يستعد العماد، الذي بلغ السبعين من عمره، للعودة الى لبنان. بعد عشرة أيام، ستقلع من مطار رواسي، (شمال باريس)، طائرتان باتجاه بيروت: الأولى تحمل العماد عون والمقربين منه والعشرات من المصورين والصحافيين فيما تحمل الطائرة الثانية العشرات من العائدين الى لبنان، مثلهم مثل الآلاف من اللبنانيين الذين أخذوا يتقاطرون الى لبنان من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا ودول الاغتراب الأخرى.

والعسكري الذي خرج سرا من لبنان يعود إليه عبر قاعة الشرف في مطار بيروت الدولي حيث سيكون بانتظاره السياسيون والرسميون والسفراء والسلطات الروحية. والكلمة الأولى التي سيلقيها عون في اللبنانيين ستكون في ساحة الشهداء التي أصبح اسمها ساحة الحرية منذ اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري المدفون قريبا منها. وما بين التاريخين، حصل تطور رئيسي تمثل في خروج القوات السورية التي أمضت 29 سنة في لبنان.

وبهذه المناسبة، أجرت «الشرق الأوسط» حديثا شاملا مع العماد عون في منزله حيث الهاتف يرن باستمرار والمكالمات تنهال من فرنسا والخارج وحيث توافد الزوار لا ينقطع. تناول عون، بالطبع، عودته الى لبنان وبرنامجه السياسي ومواقفه من قضايا الساعة: الانتخابات والمعارضة ومستقبل الرئيس لحود وخططه الشخصية... وهنا نص الحديث:

* أنت عائد الى لبنان: ما هو البرنامج السياسي الذي تحمله معك؟

ـ أنا انقطعت عن لبنان 15 عاما. رحيلي عنه كان مأساة ويوم العودة واللقاء أسميه عرسا. وأنظر الى لقائي مع اللبنانيين كأنه لقاء عائلي. وبالطبع، بعد فرحة اللقاء، سأطرح برنامجي السياسي الكبير والطموح. والعنوان الأول فيه هو الإصلاح السياسي وتقويم الممارسة الديمقراطية. ففي السنوات الأخيرة، كثرت القرارات المتعسفة والتجاوزات على القانون والتخلي عن الأخلاقيات السياسية. ولذا، اريد أولا إعادة تأهيل ممارسة الحكم والسلطة وبناء دولة القانون حيث فصل السلطات واضح ومحترم والعمل بمبدأ العقاب والثواب وإعادة المؤسسات الى ممارسة مهماتها الطبيعية واحترام القضاء وتوضيح العمل والممارسة داخل السلطة التنفيذية حيث لن يعود من المقبول ان نكون داخلها وأن نكون ضدها في وقت واحد. وفي تصوري أن هذه بدعة جاء بها السوريون ويجب أن تختفي برحيلهم. وأدعو ليكون مجلس الوزراء كتلة متراصة متماسكة لأن المحاسبة والمعارضة والموالاة يجب أن تكون في المجلس النيابي الذي يمثل السلطة التشريعية. وباختصار، كل الممارسات الشاذة يجب إصلاحها لنعود الى ممارسة قويمة للديمقراطية.

* ماذا ستفعل باتفاق الطائف؟

ـ أريد أن أقول إنني أدعو الى تطبيق اتفاق الطائف ونحن نرغب بتنفيذه بشكل صحيح وباحترامه. لكن لا يمكننا أن نعتبر الطائف كتابا مقدسا. من كتب اتفاق الطائف لم يكن معصوما وربما وجدنا غدا نقصا وهفوات علينا تصحيحها. لندع اتفاق الطائف يطبق وغدا سننظر بهدوء الى ما يجدر تغييره وإصلاحه وعملا بمبدأ الأكثرية النيابية التي تمثل الشعب. والمغزى من ذلك انه إذا أوقفنا العملية الإصلاحية في مرحلة معينة، فسنكون بصدد دفن أنفسنا الى الأبد. عدم التأقلم يجعلنا خارج التاريخ.

* أين موقع العلمنة في برنامجك السياسي؟

ـ اليوم يجري الحديث عن إلغاء الطائفية السياسية ولكن ما هو البديل؟ المواطن اللبناني سوف يتحجر في طائفته أكثر فيما المطلوب تخطي الطائفية الى حالة أخرى ابعد منها هي المواطنية. والطريق الى المواطنية لا يمكن أن يسلك طالما المواطن خاضع لطائفته إذ المطلوب أن يشعر المواطن أنه مرتبط بالدولة. ولذا نحن نريد بناء دولة العلمانية لأنها الوحيدة القادرة على إدارة شؤون الناس وتمكينهم من المحافظة على حرية المعتقد وضمان الحريات الشخصية بمختلف وجوهها. نحن نريد بلدا حرا يحترم حقوق الإنسان. واريد أن اقول أن تجاوز الطائفية السياسية وتجاوزها الى العلمنة يتطلب تنشئة وتربية جديدتين. نحن ندعو الى تشجيع المواطنين ليس على التعايش وإنما على العيش المشترك والاختلاط المتداخل والمتفاعل.

* تركت لبنان قبل 14 عاما وأنت تتأهب للعودة إليه. ماذا تعني هذه العودة لك شخصيا؟

ـ قول الحقيقة والتمسك بها أمر باهظ الثمن. وعودتي، بمعنى ما، انتصار للحقيقة. أما من الناحية السياسية، فكلمة «انتصار» لا تفي بالمعنى. ثمة إنجاز فريد من نوعه في حياة اللبنانيين. لأول مرة، هم ينتصرون معا ويستعيدون سيادتهم واستقلالهم. صحيح أنهم حظوا بمساعدة خارجية. لكن المساعدة الخارجية لا تكفي. التلاقي بينها وبين الإرادة الوطنية هو الذي ضمن الاستقلال.. أريد أن أعود الى شعار احبه وهو أن لبنان «أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسم». السوريون عجزوا عن بلعه ومحاولة تقسيمه.

* أنت عائد الى لبنان وفي نيتك خوض معركة رئاسة الجمهورية. هل هذا صحيح؟

ـ غالبا ما يحور كلامي حول موضوع الرئاسة. المطروح اليوم هو الانتخابات النيابية. والموضوع الرئاسي معقد إذ انني صاحب برنامج سياسي والوصول الى الرئاسة يستدعي توافر أكثرية نيابية. وما أقوله هو إنني لست مرشحا. ولكن إذا طلب مني أن أتحمل مسؤوليات الرئاسة وتم التوصل الى توافق بشأني، فإنني لن أتهرب من المسؤولية. ولكن بالمقابل، أنا لا أقوم بحملة سياسية للوصول الى الرئاسة. ثمة معادلة صعبة: من جهة، لا يمكن أن «أتكبر» لجهة تحمل المسؤولية ولكن عندما اقول إنني مستعد لتحملها تكون النتيجة القول إنني مرشح. المسألة إذا ليست «نعم أم لا». سنكون في المستقبل القريب في إطار سياق سياسي معين و«شكل» هذا المسار هو الذي سيدفع في هذا الاتجاه أو ذاك.

* هل يمكن للرئيس إميل لحود أن يستمر على رأس الدولة اللبنانية؟

ـ المعطى السياسي الجديد الذي سيترتب على الانتخابات النيابية هو الذي سيحسم الأمر. وإذا تبين أن التوجه عقبها هو لتهميش رئيس الجمهورية فعليه أن يستخلص العبر وينسحب من تلقاء نفسه. أما إذا كان الجو يدفع باتجاه أن يكمل على رأس السلطة، عندها يمكنه الاستمرار.

* لكن ما هو موقفك الشخصي؟

ـ عندي موقف شخصي ولكن لن أبدأ بالقول إنني مع فلان أو ضد آخر. النتيجة مرهونة باقتراع الشعب اللبناني. والمسألة تطرح في حينها على ضوء ما ستسفر عنه الانتخابات. فإذا أعطته الانتخابات الأكثرية في مجلس النواب، فكيف تمكن إزاحته إذا احترمنا عمل المؤسسات؟ إذا احترمنا المؤسسات، علينا احترام النتيجة وإلا كان الأجدى في 14 مارس (آذار)، الزحف على قصر بعبدا وإسقاط الحكومة ورئيس الجمهورية. وطالما لم يتم الانسياق وراء المبدأ «الثوري»، وبقينا ضمن احترام الشكل الشرعي، فيجب الاستمرار في هذا التوجه.

* الانتخابات تبقى المجهول الأكبر إن لجهة التاريخ أو لجهة القانون الانتخابي. وثمة توجه لإجراء الانتخابات بموجب القانون لعام 2000 . ما هو موقفك؟

ـ لا يجوز لهذا الأمر أن يحصل. سمه قانون غازي كنعان أو قانون الإجحاف أو قانون «البوسطة»: هذا القانون ضد المنطق والعقل وأنا سأعارضه لأن العمل به يعني أن الكتل النيابية التي صادرت القرار اللبناني ستعود للتحكم به وان التغيير لم يحصل في لبنان. القصة ليست قصة الوجود السوري في لبنان رغم أن هذا الوجود جعل الفساد يستشري. هناك «عقدة» لبنانية هي الذين مارسوا السلطة منذ 15 عاما. وهؤلاء لا يجب مكافأتهم بإعادتهم الى مواقعهم.

* ولكن إذا أقرت أكثرية برلمانية مبدأ العمل بالقانون المذكور، ماذا سيكون عليه موقفك؟

ـ أعتبر ذلك إجحافا بحق اللبنانيين ما يعني إعادتنا الى حالة تصادم شعبية مع الحكم والبرلمان. الشارع سيكون ضد المؤسسات. ولذا أحذر من ذلك وأدعو الى الابتعاد عن هذا القانون الباطل. وهنا أسأل: كيف يكون القانون سيئا أمس ويصبح مقبولا اليوم «من قبل المعارضة»، ثمة من يعطي الأولوية لموعد الانتخابات على مضمون القانون الانتخابي بينما يجب التركيز على القانون الانتخابي أولا. وأنا أدعو الحكومة الى إقرار قانون انتخابي جديد والى تحديد تاريخ الانتخابات منذ الآن. هناك التزامات على الحكومة احترامها إزاء الشعب اللبناني. وعندما سأعود الى لبنان، سأدعو فورا الى اجتماع لقوى المعارضة بكل أطيافها.

* هل لديك مخاوف أمنية على حياتك؟

ـ بالطبع لدي مخاوف أمنية وعلينا اتخاذ بعض التدابير والاحتياطات اللازمة لنخفف من هذه المخاطر. ولكن إذا كانت هناك اجهزة كبيرة تعمل ضدي فما العمل؟

* هل ستنكشف يوما المسؤولية عن اغتيال الرئيس الحريري؟

- بالطبع. سوف تنجلي الحقيقة. الجريمة حصلت في مكان معين وفي إطار معين وضمن مسؤوليات معينة.

* ما تقول للبنانيين اليوم؟

ـ أقول لهم: نحن على عتبة جديدة. ونحن فزنا ...أدعوهم لبناء الدولة الديمقراطية، ولبنان الحديث سيكون نموذجا للشرق الأوسط وبيروت ستعود عاصمة الحرية والكلمة الحرة والاقتصاد الحر.