العراقيون باتوا يتحدثون الآن علنا عن احتمالات نشوب الحرب الأهلية

بسبب تأخر إعلان الحكومة الذي عمق أزمة انعدام الثقة

TT

بغداد ـ رويترز: حرب أهلية.. طوال عامين ظل العراقيون يتجنبون تماما هاتين الكلمتين. لكن الآن، مع عدم تشكيل حكومة بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات، فيما التوتر يتصاعد بين الشيعة والسنة والجماعات الأخرى، تتردد الكلمتان في أذهان كثيرين.

لقد ألقت العديد من الاشتباكات بين السنة والشيعة، في مواجهات ليست لها أي علاقة فيما يبدو بالتمرد الناشب منذ عامين ضد الولايات المتحدة، الضوء في الأشهر الأخيرة على مدى الخطر المتصاعد. ولم تعد الحرب الأهلية، التي كان السياسيون يخشون أن ترد على ألسنتهم حتى لا يضفوا هالة عليها، فكرة محرمة يحظر تداولها.

وقال صباح كاظم، المستشار بوزارة الداخلية، الذي أمضى سنوات في المنفى قبل أن يعود بعد إسقاط نظام صدام حسين: «لا أريد أن أقول حربا أهلية، إلا أننا نمضي على الدرب اللبناني. ونحن نعرف إلى أين يفضي». وتابع: «إننا بصدد أن ينتهي بنا الأمر إلى ظهور مناطق محددة يسيطر عليها قادة ميليشيات... السنة ضد الشيعة، هذه هي القضية التي تتصاعد الآن ولم يكن الأمر كذلك بعد الانتخابات».

وفي المدائن وبلدات أخرى يعيش فيها الشيعة والسنة معا على ضفاف الأنهار جنوب بغداد، تقوم جماعات متناحرة بتنفيذ العديد من الهجمات الانتقامية، من قبل انتخابات يناير (كانون الثاني)، حسبما قالت الشرطة. وهذا الشهر جرى انتشال أكثر من 50 جثة من نهر دجلة. وفي حي الشعلة الشيعي الفقير بغرب بغداد، وقعت سلسلة تفجيرات سيارات وقتل، في إطار توترات فيما يبدو مع العناصر المسلحة من السنة في منطقة أبو غريب، إحدى أشد المناطق عنفا.

ووقعت أعمال عنف مماثلة شمال بغداد، في بعقوبة على سبيل المثال، حيث تم تفجير مساجد للسنة والشيعة. وفي جزء منها تعد التوترات نتيجة نوايا معلنة منذ زمن جانب مسلحين سنة، مثل الأردني أبو مصعب الزرقاوي، لزرع بذور الشقاق وإثارة حرب أهلية، إلا أنها تعكس أيضا تزايدا طبيعيا في العداء بين الطائفتين منذ انتخابات يوم 30 يناير التي سلمت السلطة للأغلبية الشيعية بعد عقود من هيمنة السنة.

والفشل في تشكيل حكومة فور ظهور نتيجة الانتخابات التي تحدى فيها ثمانية ملايين ناخب التهديدات وأدلوا بأصواتهم، سمح بتصاعد حدة أجواء انعدام الثقة، فيما تتدافع الأطراف كلها لضمان الفوز بحصة من السلطة. وقال توبي دودج خبير الشؤون العراقية في جامعة كوين ماري بلندن: «الفرصة الكبيرة التي نتجت عن نجاح الانتخابات ضاعت في خضم السعي وراء المكاسب السياسية الشخصية والمشاحنات القاتلة». وهو يرى أن السياسيين يستخدمون القضية الطائفية الآن للفوز بمزيد من السلطة في مسلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وتابع: «استخدام الطائفية كورقة مساومة ومن أجل الفوز بمكاسب سياسية، مسلك غير مسؤول تماما... إنها مسألة قد تؤذن بالانزلاق إلى حرب أهلية».

وفي الوقت نفسه قال دودج إن الظروف في العراق لا تشبه السيناريو التقليدي للحرب الأهلية التي تخوض فيها ميليشيات طوائف حربا ضد بعضها بعضا، كما حدث في لبنان خلال السبعينات والثمانينات. لكن ثمة ما يقلق، فالعديد من الوحدات العسكرية بقيادة السنة التي تعمل تحت راية وزارة الداخلية، والتي تشكلت بدعم من القوات الأميركية، تقود المعركة ضد المسلحين. إلا أنه إذا ما تولى الشيعة أمر وزارة الداخلية، كما هو متوقع على نطاق واسع عند تشكيل الحكومة الجديدة، فإن تلك الوحدات قد يتم تطهيرها، وهو ما حذر منه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، خلال زيارة للعراق في وقت سابق هذا الشهر. وقد يتم استبدال جنود منظمة بدر، وهي ميليشيا موالية للحزب الشيعي الرئيسي، بالوحدات السنية.

ويخشى مسؤولو وزارة الداخلية من أن القادة السنة، بما في حوزتهم من تسليح جيد ورجال مدربين، قد ينشقون ليشكلوا ميليشيا منافسة. وقال كاظم، مستشار وزارة الداخلية: «كل من الطرفين يشحذ سكينه.. إنهم يقولون: لا بد أن نحمي أنفسنا. الموقف غير جيد».