سعد الحريري يقدم الجانب الإنساني على تقنيات ماكينته الانتخابية محاطا بصور والده

TT

يقف سعد الدين الحريري مبتسما في دارة قريطم (بيروت)، محاطا بصور الغائب الحاضر، والده الراحل رفيق الحريري، ليعلن لائحته الانتخابية متسلحا بالثقة وبحكمة من عارك اللعبة السياسية وامتلك مفاتيحها.

كمية الحزن الكامنة خلف البسمة الظاهرة والهدوء العميق لرئيس لائحة قرار بيروت سعد الدين رفيق الحريري تنتطر، وكأن صاحبها يخوض صراعا متواصلا لإقصائها، فالانتخابات على الأبواب والراحل الكبير لم يكن يسمح بالاستسلام للأسى في هذه الظروف، لذا الماكينة الانتخابية بعدتها البشرية وتقنياتها المتطورة، جاهزة. وهي جزء من الميراث الضخم بأثقاله ومسؤولياته. والشاب، الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، تولى القيادة وابتلع فداحة الخسارة. صار بين ذلك الأمس وهذا اليوم رجل دولة محاطا بفريق عمل أخلص لوالده وتابع معه المسيرة. «محسوبكم سعد»، هكذا عرف عن نفسه، اسم بين أسماء بقية أعضاء اللائحة. «لا تشطبوني». وأضاف: «كما كان يقول الوالد، كلها يعني كله».

الجميع يتداول اسمه من دون ألقاب، حتى الأطفال الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من الجمهور اليومي في القاعة الكبرى لدارة قريطم، المشرعة أبوابها كالعادة، فبقاء طفل في أحضانه، خلال حوار مع الكبار، مشهد مألوف.

الجانب الإنساني لعمل الماكينة الانتخابية هو الطاغي. يكفي أن يطل سعد لتسير الأمور إلى مسراها الانتخابي الطبيعي. أما عندما تشارك السيدة نازك في اللقاءات مع العائلات، حينها يرتفع بالتأكيد منسوب الإيجابية والتواصل، فيشعر المراقب بأن الأمور بدأت تركض. أما عن كيفية العمل مع الفريق لاستلحاق الوقت الضائع بسبب التأخير في إقرار قانون الانتخابات، فتلك حكاية يطيب لكل من رافق الأب والابن أن يحكيها. يقول أحد المقربين: «يبدأ سعد نهاره باكرا، الساعة الثامنة والنصف صباحا ولا يتوقف قبل الثالثة بعد الظهر، يأكل ما تيسر على الواقف، ثم يعود إلى العمل.لا يرتاح ولا يدعنا نستريح».

* هل يدير العملية الانتخابية بأسلوب والده؟

ـ لا تكرار للصورة، لكنه ورث الكثير من صفات الرئيس الشهيد، فهو مثله عشراوي وقريب من الناس. ورغم انصرافه باكرا إلى عالم الأعمال لكنه شارك في نشاط الماكينة الانتخابية عام 2000 . كان يسأل ويناقش.

واليوم يحرص سعد الدين الحريري على الإلمام بالاستعدادات للعملية الانتخابية مع فريق العمل المتمرس، ويتابع الأوضاع ميدانيا، أحيانا حتى ساعة متأخرة من الليل.

ويجمع فريق العمل على «أن سعد الدين يتميز بالالفة في التعاطي مع العائلات، فقد تأقلم بسهولة مع خصوصيات كل عائلة وكل منطقة، وهو يحرص على معرفة مطالب الذين يقصدونه، ويعطي التوجيهات بمتابعتها. كذلك يستطيع تحريك العمل من خلال الارتجال. و نحن نلاحظ التطور في أدائه يوما بعد يوم».

ويلتقي سعد الدين الحريري يوميا عدة آلاف من أهالي بيروت، وفق برنامج عمل منظم، بحيث يشمل العائلات والجمعيات والقطاعات المهنية كافة من مهندسين وأطباء ومحامين وصناعيين ورجال أعمال، يخاطب الجميع، كل بلغته، يحرص على التعرف إلى «المفاتيح الانتخابية» لكل عائلة ولكل مجموعة، يرتجل بعفوية كلماته التي تحاكي الهموم اليومية وتخفف الهواجس التي تؤرق الناس، يحاورهم ويكسر الحواجز المعهودة بين المسؤول والشعب، يقول لهم «يجب أن أثبت لكم انني أستطيع إكمال مسيرة رفيق الحريري».

كيفما تحرك يحيط به «الحرس القديم»: الوزير السابق فؤاد السنيورة يراقبه بنظرة أبوية، ويصمت بحرقة لوعة لن تخمد، زميله بهيج طبارة، المرشح في لائحة قرار بيروت، يتابع أيضاً خطوات الزعيم الشاب، الذي يوضح لسيدة تسأل عن المنح المدرسية، قائلاً: «سنبني مدارس ومستوصفات، بحيث يستفيد الجميع من الخدمات. بعد ذلك نفكر في المنح إذا وجدنا حاجة لها». يستند سعد الدين الحريري إلى الطاولة، يستمع إلى قصيدة يلقيها متحمس من الحضور، ينحني ليسمح لطفل بوضع عقد من زهور الغاردينيا حول رقبته.

يفتح أحدهم نقاشاً سياسياً معقداً، يطلب إليه تأجيل الموضوع بانتظار الانتهاء من مرحلة الانتخابات.. «المطلوب حالياً هو التوجه صباح 29 الحالي، باكراً في الساعة السابعة لوضع اللوائح في الصناديق من دون تشطيب».

«يا سعد»، يناديه «مواطن عادي» في قاعة الاجتماعات الكبرى في دارة قريطم، «يا نعم»، يجيبه مبتسما، ويتابع الحوار بسعة صدر. يبحث عن مفاتيح الكلام التي تلهب الأكف بالتصفيق والحناجر بالهتاف، يمازح ويلطف الأجواء بتعليقات من وحي المناسبة، محافظا على رقي في التعبير. يستوعب الحساسيات الناجمة عن الأوضاع السياسية. يستفيض في الشرح حيث يلزم، ويحزم عندما يتعلق الأمر بالمبادئ التي استشهد لأجلها الراحل الكبير رفيق الحريري. يشدد على الوحدة الوطنية والمصالحة اللبنانية، ويتعفف عن النعرات، التي قد يثيرها غيره لكسب شعبية آنية.

يقول وليد الكبي، أحد أهم الناشطين في عمل الماكينة الانتخابية، عن الكاريزما التي تميز سعد الدين كزعيم شاب طالع من المأساة: «العامل الأول يكمن في كونه شابا مرحا ونظيفا، فهو لم يمارس الحياة السياسية سابقا، لكنه دخلها من بابها العريض، وهو يحاول أن يعوض على الشعب اللبناني خسارته بفقدان صمام أمانه مع اغتيال الرئيس الشهيد. وهو سهل الطباع، مرن في التعامل والتعاون مع فريق العمل، وقادر على تحمل الإرهاق اليومي. لديه طاقة تذهلنا، فنحن تمرسنا طوال سنوات وهو دخيل على هذا النشاط، لكنه سبقنا. هكذا كان الرئيس الشهيد. وأحيانا أشعر أن سعد الدين نسخة طبق الأصل عنه مع بساطة وعفوية. فهو يقترب من الناس، يذهب إليهم، يطلب منهم أن يتصلوا به. يعترف بأنه مستجد على الساحة ويحتاج إلى النقد البناء».

مدير العمليات في الماكينة الانتخابية، صالح فروخ، يشرح تقنيات العمل بقوله: «نتحرك وفق نقطتين مركزيتين: الأولى هي خريطة الأرض وفقاً لقانون الانتخاب، وهي توضع على أساسه وتكون الفاتحة للاسترشاد في العمل وتوزيع مراكز القوى الموجودة لدينا. أما النقطة الثانية فهي 3M، مؤلفة من Materiel وMoney وMen، أي معدات ومال ورجال. هذه هي الثلاثية التي تترجمها احتياجاتنا، ونحن نتبع هذا التنظيم منذ العام 1998». ويوضح فروخ: ان «التقنيات لا تلغي العلاقة مع الناس في الماكينة الانتخابية، لذا يراعي المشرفون عدالة توزيع المهمات لمنح أكبر نسبة من المتحمسين حقهم في المساهمة والمشاركة. أما ميدانياً فيحرص فريق العمل على الإلمام بخصوصية كل منطقة من المناطق الاثنتي عشرة في بيروت، فنحن لا نستطيع أن نعمم خطة واحدة إلا في حدود العناوين، أما الباقي فله تفاصيل متنوعة». ورداً على سؤال عن سبب الجهد المكثف، في حين تشير المعطيات إلى فوز أكيد للائحة قرار بيروت، يسارع فروخ إلى القول: «نحن دائماً نخوض الانتخابات على أساس أننا الأضعف، وأن الآخر لديه فكراً تنظيمياً وذكاء وإمكانات، ونحترم المنافسين ونعد عدتنا وفق هذه المعطيات، فمن يخوض الانتخابات بعنتريات وتعال، يدفع الآخرين إلى النفور منه، لذا التواضع هو عنواننا، وذلك تجنباً لبخار العظمة والغرور».

* وماذا عن الجانب الترويجي للحملة؟ وكيف تم اختيار شعار «معك» عنواناً للائحة قرار بيروت؟

يجيب فروخ: «في دورة العام 2000 الانتخابية، كنا نجلس مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ونستعرض الأمور، حينها اعتمدنا شعار «قولنا والعمل»، بعد دراسة عروض شركات متخصصة في هذا المجال. وللدورة الحالية كان الشهيد قد اعتمد شعاراً جديداً هو «بأيديك السيادة وبصوتك الاستقلال»، كنا ذاهبين في هذا الاتجاه. مع استشهاده تشاورنا، ووجدنا أن شعار «معك» يفي بالمطلوب، وهو عنوان أغنية وفاء للشهيد كان يبثها تلفزيون «المستقبل»، وقد أوقفها حتى لا تعتبر دعاية انتخابية».

* هل يتولى فريق متخصص تدريب سعد الدين الحريري على ظهوره الإعلامي وتعاطيه مع الناس؟ يجيب فروخ: «سعد الدين الذي نراه الآن، لم يتطلب منا ظهوره الإعلامي أي دراسة أو تدريب أو توجيه. هذا هو.. شاب طيب. أما حضور السيدة نازك فهو حاجة شعبية، إضافة إلى كونها دعماً للعائلة، ولا يمكن تجاهل مدى تأثير أي كلمة تنطق فيها وتتعالى من خلالها على حزنها. يكفي أن تقول: ولدنا سعد، حتى نشعر جميعاً بوجود الرئيس الشهيد بيننا».