إيران: مجلس صيانة الدستور يسمح لمعين بخوض سباق الرئاسة ويضع رفسنجاني في موقف الدفاع

أول مظاهرة طلابية احتجاجا على إلغاء ترشيحات الإصلاحيين وخاتمي يطلب من الشرطة والجيش عدم التدخل في الانتخابات

TT

في خطوة تهدف إلى تهدئة التوترات بين المعسكرين الإصلاحي والمحافظين في إيران، وافق مجلس صيانة الدستور على السماح لمرشحين إصلاحيين اثنين بارزين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في البلاد الشهر المقبل بعد ضغوط من المرشد الأعلى آية الله على خامنئي بسبب الخوف من أن يؤدى إقصاء الإصلاحيين إلى مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات. وفيما خرجت أول مظاهرة طلابية في البلاد أمس احتجاجا على عدم السماح للغالبية العظمى من المرشحين الإصلاحيين بخوض سباق الرئاسة، دعا الرئيس الإيراني محمد خاتمي الجيش والشرطة إلى عدم التدخل في مسار الانتخابات أو المظاهرات الطلابية حتى لا يزداد الانقسام في البلاد. ووافق مجلس صيانة الدستور على السماح لمصطفى معين ومحسن مهر علي زاده بالمشاركة في الانتخابات، بعدما كان قد رفض ملفاتهما أول من أمس. ونقل عن رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله احمد جنتي قوله في رسالة موجهة إلى خامنئي أمس «نظرا لأنك تعتبر انه من المستحب أن تتاح الفرصة لكافة المواطنين في البلاد من مختلف التيارات بالمشاركة، فقد تم الاعتراف بأهلية السيد معين والسيد مهر علي زاده» بخوض الانتخابات. وقد اختار حزب «جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية» الإصلاحي الرئيسي مصطفى معين وزير التعليم السابق كمرشحه في الانتخابات نظرا لاعتباره الشخصية الإصلاحية الوحيدة القادرة على نيل أصوات الشباب والنساء. وقد اشتكى الحزب من أن مرشحه (معين) حرم من المشاركة في الانتخابات بسبب «دفاعه عن الحقوق المتساوية لكافة الإيرانيين خاصة النساء والشبان والأقليات العرقية والإصرار على حقوق الإنسان» والسعي «للقضاء على الأجهزة المتوازية في مجالات الاستخبارات والثقافة والسياسة الخارجية والاقتصاد». وسيدفع السماح لمعين بخوض انتخابات الرئاسية بوضع رفسنجاني في موقع الدفاع أمام الناخبين، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحريات الشخصية وحرية الرأي والتعبير وحقوق النساء. أما مهر علي زادة فيشغل حاليا منصب نائب الرئيس في حكومة خاتمي ويخوض الانتخابات كمرشح مستقل.

وجاء تراجع مجلس صيانة الدستور استجابة لطلب المرشد الأعلى خامنئي أول من أمس بإعادة النظر في رفض ترشيح معين وعلي زاده. وكان المعسكر الإصلاحي ومحللون قد قالوا إن رفض ترشيح الرجلين، وهما ابرز مرشحين إصلاحيين في الانتخابات، يمكن أن يؤدي إلى مقاطعة الإيرانيين للانتخابات وإدخال النظام الإيراني في أزمة حول شرعيته، خاصة مع سيطرة المحافظين على مجمع تشخيص مصلحة النظام، والقضاء، ومجلس الشورى (البرلمان) والجيش والشرطة. يذكر أن مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوا، مخول الموافقة على كافة القوانين والمرشحين للمناصب الحكومية. وبقرار مجلس صيانة الدستور أمس، يرتفع العدد النهائي للمرشحين المخول لهم خوض انتخابات الرئاسة إلى 8 مرشحين، هم إضافة إلى معين ومهر على زاده، رئيس البرلمان السابق مهدى كروبي وهؤلاء الثلاثة محسوبون على المعسكر الإصلاحي. والرئيس الإيراني السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد باقر قاليباف الذي تنحى عن رئاسة الشرطة الشهر الماضي لخوض انتخابات الرئاسة، وعلي لاريجاني المدير السابق للإذاعة والتلفزيون، ومحمود احمدي نجاد رئيس بلدية طهران، ومحسن رضائي رئيس الحرس الثوري السابق، وهؤلاء الخمسة محسوبون إجمالا على معسكر المحافظين. إلى ذلك، دعا الرئيس الإصلاحي الإيراني محمد خاتمي القوات المسلحة والشرطة وقوات الحرس الثوري، إلى عدم التدخل في الانتخابات الرئاسية. وفي قائمة تتضمن خمسة تعليمات تهدف إلى ضمان انتخابات «سليمة»، حث خاتمي الشرطة والجيش والحرس الجمهوري وميليشيا الباسيج على «الالتزام بقوانين البلاد والامتناع عن القيام بأي نوع من التحركات التي يمكن أن تفسر على أنها تدخل في أي مرحلة من مراحل الانتخابات». ورغم عدم وجود أي مؤشر بعد على أي تدخل عسكري مباشر في الانتخابات، إلا أن مخاوف ظهرت حول عسكرة النظام الحاكم نظرا لان الأربعة المرشحين للرئاسة الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور هم أعضاء سابقون في الحرس الجمهوري.

ودعا خاتمي كذلك وزارة الاستخبارات إلى مساعدة وزارة الداخلية المكلفة بتنظيم الانتخابات لضمان «عملية صحية وسليمة». وأكد خاتمي على «أهمية المشاركة الشعبية الكبيرة في الانتخابات من اجل تقوية أسس الديمقراطية الدينية والأمن والتقدم في إيران». كما أشاد «بالخطوة الكريمة» التي أبداها خامنئي وحذر من أن رفض الترشيحات «يمكن أن يتسبب في خسائر لا يمكن التعويض عنها للبلاد والنظام السياسي». وقد أعاد رفض الترشيحات إلى الذاكرة الانتخابات البرلمانية التي سادها التوتر في فبراير (شباط) 2004 عندما تم منع كافة المرشحين المعتدلين من المشاركة في الانتخابات. على صعيد ذي صلة، شهدت جامعة طهران ليل الاثنين/ الثلاثاء أول مظاهرة طلابية احتجاجا على إلغاء طلب مصطفى معين لخوض الانتخابات الرئاسية على ما أفاد شهود عيان. وأوضح الشهود أن الطلاب، وعددهم يبلغ الثلاثمائة بحسب وكالة الأنباء الإيرانية، خرجوا من عنابرهم للقيام بمسيرة احتجاج هاتفين بشعارات ضد إلغاء ترشيح معين، لكن الشرطة أوقفتهم بدون صدامات. وقد انتشر عشرات من عناصر الشرطة بينهم عناصر من قوات مكافحة الشغب حول الجامعة، لكن الهدوء عاد بعد قليل من بدء المظاهرة بحسب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.

ونقلت الوكالة عن وزارة الداخلية أن قوات الأمن تلقت الأمر بعدم استخدام القوة.

وحتى الآن يبدو الشارع الإيراني غير متحمس للانتخابات الرئاسية، وأدت تهديدات الإصلاحيين بالمقاطعة إلى دفع الإيرانيين أكثر إلى التزام الصمت إزاء تطورات اليومين الأخيرين. وقالت محامية حقوق الإنسان الحائزة جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي إنها لن تصوت في الانتخابات بسبب اعتراضها على عملية الموافقة على المرشحين بأكملها. وأفادت في حديث لإذاعة «فاردا» الإيرانية التي تمولها الحكومة الأميركية «أنا لا اعتبر هذه لانتخابات حرة لأنه لم تتم الموافقة على كل المرشحين». ونقلت الإذاعة عن عبادي، التي تقوم بجولة في الولايات المتحدة، قولها «طالما أن هناك إشرافا على اختيار المرشحين، فلن أشارك في الانتخابات». وكان كل من أميركا والاتحاد الأوروبي قد أعربا عن قلقهما لرفض ترشيحات الغالبية العظمى من الإصلاحيين. وما زال رفسنجاني البراغماتى المحافظ أوفر المرشحين حظا في الانتخابات حتى الآن، إلا أن معين قد يشكل تهديدا جديا له بسبب احتمال حصوله على عدد كبير من أصوات الشباب والنساء. وقال محللون إن السماح لمعين بخوض الانتخابات يعزز فرصة الإصلاحيين للاحتفاظ بالرئاسة التي يتولاها خاتمي منذ عام 1997. ولا يحق لخاتمي خوض الانتخابات فترة ولاية ثالثة على التوالي. غير أن الطريقة التي سيدير بها معين حملته الانتخابية ستحدد إلى حد كبير طريقة تصويت الإيرانيين. يذكر أن رفسنجاني سيقدم برنامجا انتخابيا يركز على تحرير الاقتصاد والانفتاح على الغرب، وإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، فيما سيركز معين في حملته الانتخابية على الحقوق الشخصية، وحريات الرأي والتعبير والحقوق الثقافية واللغوية للأقليات العرقية.