طريق «الجهاد» في العراق يأتي من الغرب

أحد منظمي التطوع في سورية يتحدث عن تجربته

TT

عندما غزا الأميركيون العراق تجمع رجال عائلة أبو إبراهيم في فناء بيتهم المشترك. طويت عشر قصاصات من الورق ووضعت في كيس بلاستيكي للاختيار بطريقة اليانصيب، فالخمسة الذين فتحوا ورقة مؤشرة بالحبر يتوجهون إلى العراق، أما الخمسة الباقون فيظلون في مدينتهم. ولم يكن أبو إبراهيم بين الذاهبين، غير أن البقاء في سورية لم يكن يعني البقاء بعيدا عن الحرب، فالأب لأربعة أبناء والبالغ 32 عاما، ظل منذ ما يزيد على عامين، يعمل بحماس على إرسال شباب عرب آخرين إلى العراق لتغذية التمرد الذي قتل المئات من الأميركيين والآلاف من العراقيين.

وبالتدفق المستمر، ومعظمه عبر سورية، للمقاتلين الذين بدأ يغلب عليهم في الفترة الأخيرة السعوديون، المفضلون بسبب المال الذي يجلبونه معهم، تعزز التمرد في العراق وزوده بكثير من المفجرين الانتحاريين الآتين من بلدان عربية مختلفة، والذين نشأوا على تفسير متطرف لتعاليم الإسلام ومبادئه، فهم يصرون على أنهم يقاتلون من أجل هذه الرؤية للإسلام.

ويروي أبو ابراهيم قائلا «اخواننا في العراق يعملون في مجموعات صغيرة. وفي كل منطقة يتجمع رجال ينظمهم رجال دين أو شيوخ عشائر ليقوموا بمهاجمة الأميركيين. وفي الغالب نحن الذين نجمعهم عندما نلتقي بهم في سورية أو العراق. ونبلغهم بأن هناك أخا آخر يفعل الشيء ذاته، فلماذا لا تنسقون في ما بينكم؟ لقد باتت سورية المحور».

وشهد دور سورية في تعزيز وتنظيم التمرد تغيرات بمرور الزمن، ففي الأيام الأولى من الحرب دخل المقاتلون إلى العراق في حافلات عبرت الحدود السورية من نقاط مفتوحة وفقا لما رواه شهود. ولكن في أواخر عام 2004 وبعد ضغط مكثف على دمشق من جانب إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، اعتقلت المخابرات السورية العشرات من منظمي المتمردين. ولكن الكثير منهم، وبينهم أبو ابراهيم، أطلق سراحهم بهدوء بعد أيام قليلة.

ومنذ ذلك الحين يعمل المهربون في السر، وكان عملاء أمن الدولة الذين يرتدون ملابس مدنية يتابعون أبو ابراهيم. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي صادروا جواز سفره وهويته الشخصية.

ورددت المقابلات التي أجريت في وقت لاحق في الفلوجة أصداء ما رواه متمردون عراقيون سابقا، بما في ذلك عن دور رجل دين سوري يعرف باسم «أبو القعقاع» في تعزيز ما يسمى بالجهاد ضد الغرب.

كان أبوه صوفيا. لكن أبو ابراهيم قال إنه ولد متمردا. وفي الريف السوري، شمال حلب، حيث نشأ أبو ابراهيم وتزوج، اتخذت دوافعه السلفية صيغتها الحالية عندما التقى «مجموعة من الشباب عبر عائلة زوجتي ممن تحدثوا إلي بلغة الإسلام الحقيقية، وأبلغوني بأن الصوفية محرمة وأن الشيعة كفار».

وبعد عام ذهب إلى المملكة العربية السعودية وعمل سبع سنوات في العاصمة الرياض في تجارة الأنسجة. وهناك درس القرآن والتقى بشباب متطرفين، وتعلم في شركة إنتاج سعودية خاصة متخصصة في الدعاية للإسلام المتطرف، تحرير أشرطة الفيديو والتصوير بالكاميرا الرقمية.

وقال إن هدف هؤلاء هو استعادة الخلافة الإسلامية، مضيفا أنه كان يعتبر أفغانستان خلال فترة حكم طالبان إحدى الحكومات الإسلامية القليلة منذ عهد النبي محمد.

ومثل هذه الأفكار ليست موضع ترحيب في سورية التي يحكمها حزب البعث كبلد علماني. ولكن أبو ابراهيم كان يسمع في عام 1999 في حلب من أبو القعقاع الرسالة المتطرفة ذاتها التي كان يسمعها في الرياض. وقال إنه أصبح اليد اليمنى لأبو القعقاع وساعد في تسجيل مواعظه وتحويلها إلى أقراص مدمجة وتوزيعها سرا. وقد سافرا معاً إلى دمشق والسعودية. وبحلول عام 2001 كان أبو القعقاع قد اجتذب حوالي ألف شاب. وقال أبو ابراهيم «لم يكن أحد يعرف شيئا عنا. ولكن الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 منحنا تغطية إعلامية. كان يوما عظيما فقد هزمت فيه أميركا، وكنا نعرف أنهم سيستهدفون سورية أو العراق، وتعهدنا بالقتال إذا ما حدث شيء ما لأي من البلدين».

بعد أسبوعين من هجمات 11 سبتمبر شعرت الجماعة بالجرأة بما يكفي للاحتفال علنا في حلب وعرضت في الاحتفال شريط فيديو عن التدريب على فنونالقتال. وبعد ذلك اعتقلت السلطات السورية أبو القعقاع، ولكن أطلق سراحه خلال ساعات. وفي عام 2002 كانت المهرجانات الاحتفالية المناهضة لأميركا تقام مرتين أسبوعيا وغالبا في إطار حفلات الزفاف واللقاءات الاجتماعية. وكان المنظمون يسمون أنفسهم «غرباء الشام»، وبدأوا يوزعون الأقراص المدمجة لمواعظ رجل الدين مجانا.

وبات الجهاد علنيا، وقال أبو ابراهيم إن مسؤولين في الأمن السوري ومستشارين في الرئاسة حضروا المهرجانات التي حمل أحدها شعار «أهل الشام سيهزمون الآن اليهود ويقتلونهم جميعا». وكانت الأموال تتدفق من دول عربية عدة. وقال أبو ابراهيم إنهم أنشأوا موقعا على الإنترنت. ووجد الشباب أنفسهم يتمتعون بسلطة وسمح لهم بفرض رؤية متزمتة للشريعة الإسلامية، واقتحام البيوت عند منتصف الليل لمواجهة أشخاص متهمين بسلوك سيئ. وفي دكتاتورية اشتهرت بعدم تسامحها مع الإسلام السياسي، جعلت تلك الحرية بعض أتباع رجل الدين متشككين بالأمر. وقد سألوه فأجاب بأن الأمر يعود إلى «اننا لا نقول شيئا ضد الحكومة، وإنما نركز على العدو المشترك وهو أميركا وإسرائيل».

عارضت سورية، التي تخشى أن تكون هدف واشنطن المقبل، الغزو العسكري للعراق، وحثت وسائل الإعلام فيها على «المقاومة»، وتخلى رجل الدين السني المفتي الكبير أحمد كفتارو عن سمعته كمعتدل، عبر إصدار فتوى تدعم الهجمات الانتحارية. وفي حلب كان أبو ابراهيم ينتقل من باب إلى باب مشجعا الشباب على عبور الحدود. وكانت السيارات تنقل المتطوعين عبر الحدود السورية، حيث كان يحييهم حراس الحدود عند البوابات المفتوحة. واستقبلت حكومة صدام المتطوعين وزودتهم بالسلاح، ولكن الناس العاديين كانوا ينصحونهم بالعودة إلى بلدهم، وقد قتل أو سلم بعض السوريين إلى الأميركيين. وبعد الحرب وبناء على طلب نظرائه العراقيين، أوقف أبو ابراهيم ارسال المقاتلين لفترة بسبب «انتشار الشيعة والأميركيين في كل مكان مما يمنعهم من القيام بشيء».

ولكن بحلول صيف 2003 بدأ التمرد تنظيم نفسه وتوجهت النداءات إلى المتطوعين. أقيمت بيوت آمنة وجهزت أسلحة. وفي الصحراء عند الحدود مع العراق باتت الطرق التي كان يستخدمها المهربون طرقا لنقل المقاتلين. قال أبو ابراهيم «كانت لدينا أماكن لقاء محددة للمهربين العراقيين. ولم يكونوا يقومون بالرحلة إذا كان لدينا ما يقل عن 15 شخصا. كنا نقود السيارات عبر الحدود لنصل إلى القرى على الجانب العراقي. ومن هناك يأخذ المعنيون العراقيون المجاهدين إلى معسكرات التدريب». وبعد ذلك يلتحق المقاتلون بخلايا صغيرة يقودها عراقيون عادة. وقال أبو ابراهيم إنه «عندما قصف الأميركيون حافلة ركاب تعبر إلى سورية، أثرنا ضجة كبيرة وقلنا إنها كان مليئة بالتجار ولكنهم كانوا في الواقع مقاتلين».

وفي صيف 2004 عبر أبو ابراهيم الحدود إلى العراق ومعه 50 متطوعا، وكان يتنقل في العراق بدون إثارة انتباه. وعندما عاد إلى سورية بعد هجوم الفلوجة لم ينج سوى ثلاثة من الخمسين. وقال إنه كان هناك ضباط سوريون وعراقيون، وإن الرجل الذي كان يقود القتال في معظمه هو أبو مصعب الزرقاوي.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي وبعد فترة قصيرة من عودة أبو ابراهيم إلى سورية، استدعي إلى أمن الدولة مع عشرات من قادة خلايا الجهاد. وقال مسؤولو الأمن أنه يجب أن يتوقف تهريب المقاتلين. وقال أبو ابراهيم إن مصادر صلاته في العراق أفادوه أخيرا بأنهم ليسوا بحاجة إلى المقاتلين، وإنما إلى المال. وأضاف ان «اخواننا في العراق يطلبون سعوديين، فهؤلاء عادة يذهبون مع ما يكفي من المال لإعالة أنفسهم واخوانهم العراقيين. وقبل أسبوع أرسلنا سعوديا إلى الجهاد وذهب ومعه 100 ألف ريال (حوالي 27 ألف دولار)، وقد احتفل اخوانه هناك به».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»