اليازغي يثمن إيجابيات حكومة التناوب ويحث على الإصلاح الدستوري والسياسي

TT

أعرب محمد اليازغي أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن اقتناع المغاربة قاطبة، بشكل كامل بأن الحل السياسي الذي يحترم سيادة المغرب على كافة ترابه بما فيه محافظاته الصحراوية، هو السبيل الوحيد لوضع حد لما وصفه «المشكل المفتعل لنزاع الصحراء».

ودعا اليازغي، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع للحزب بالرباط، جارة المغرب الشرقية إلى الترفع عما سماه «الضغائن القديمة»، والحسابات الصغيرة التي أثبت الزمن، ليس خطأها الفادح فحسب، بل مسؤوليتها عن وقوع عدد من الكوارث، مثل إجهاض التجربة الديمقراطية وبناء المغرب العربي. وحث بإلحاح القادة الجزائريين، «على الانتباه الذكي والتخلص من كل عناد، ومراعاة المصالح المشتركة والمجال الحيوي الهائل الذي سنتمكن معا من بنائه ليصبح ذلك المجال شريكا قويا وفاعلا للفضاء الأورو ـ متوسطي». ورد الحاضرون على دعوته تلك بتصفيق ضجت به القاعة التي امتلأت عن آخرها بما يربو على 5000 شخص، منهم 2650 مؤتمرا، هتافات وشعارات تردد «فلسطين عربية والصحراء مغربية». وكلما كان يوجه خطابه إلى القادة الجزائريين، الذين يعرفهم بحكم العلاقة التي كانت تربط حزب الاتحاد الاشتراكي أيام كان يقود المعارضة بالمغرب في الستينات والسبعينات، كلما تعالت أصوات الحاضرين مدوية لعبارات الدفاع عن وحدة تراب المغرب.

وذكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، أن المغاربة ينبذون فكرة الانفصال والتجزئة كأسلوب لتدبير المجال الجهوي، معتبرا أن مثل تلك المحاولات البائسة لن تزيد المغرب إلا تماسكا وقوة انسجاما مع تاريخه العريق. ودعا بلاده إلى فتح صدرها لحوار حقيقي صادق مع الإخوة الجزائريين، كما دعا الأمم المتحدة إلى التدخل العاجل لإطلاق سراح الأسرى المغاربة المحتجزين في تندوف (جنوب غرب الجزائر).

وفي سياق آخر، اعتبر اليازغي أن تجربة التناوب التوافقي لعام 1998، التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام السابق للاتحاد، وضعت المغرب على سكة مشروع «الانتقال الديمقراطي»، وفتحت أمامه إمكانية حقيقية لإعادة الثقة بين الفاعلين السياسيين، وإعادة الروح للعمل السياسي والمشاركة في الحياة العامة، وأداءعمل غير مسبوق في معالجة الملفات الحقوقية والاجتماعية، وفتح ورشات الإصلاح، وتدشين عهد جديد في تدبير الشأن العام. وقال بهذا الخصوص «لقد بدأ الكثيرون في الخارج ينتبهون إلى هذا الاستثناء المغربي ويقدمونه كنموذج». ويرى أن تجربة حكومة التناوب التوافقي ساهمت بشكل كبير في تحقيق المغرب لقفزة نوعية في مساره السياسي والديمقراطي، مثمنا الدور البارز للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وللقائد الحزبي عبد الرحمن اليوسفي في إنجاح عملية التحول التاريخي بالمغرب، الذي أكمله عاهله الحالي. كما أثنى على حلفاء حزبه الذين ساهموا في تحمل المسؤولية الحكومية.

ودعا إلى إجراء تعديل دستوري وسياسي وتنظيمي واقتصادي، يتم بتوافق مع الملك، ويتعلق أساسا بمؤسسة رئيس الوزارء وتشكيل الحكومة والتعيين في الوظائف العليا المدنية وتدقيق اختصاصات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي). وربط اليازغي، بين الرفع من وتيرة العمل الحكومي وتعزيز مؤسسة رئيس الوزراء بما يمكنها من توجيه وتنسيق العمل الحكومي وتأمين تنفيذ القوانين وممارسة السلطة التنظيمية وحق التعيين في الوظائف العليا المدنية، بما يحقق التوازن في اختصاصات السلطة التنفيذية. معتبرا أن مؤسسة رئيس الوزراء سياسية وليست تقنية، وبالتالي فهي تنبثق من غالبية برلمانية تفوز في الانتخابات التشريعية وتطبق برنامجها العام، لتكون موضوع محاسبة أمام الملك والشعب في الانتخابات الموالية. مشيرا إلى أن ذلك يدخل في صلب ما يسميه حزبه «المنهجية الديمقراطية».

وأكد اليازغي أهمية مراجعة اختصاصات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، لترشيد الحكم السياسي، كي تلعب السلطة التشريعية دورها الكامل، وإعادة النظر في دور الجهة (المنطقة) في التنظيم الترابي للمغرب، ومراجعة مدونة (قانون) الانتخابات، لتجاوز تشرذم الخريطة السياسية، مما يعيق إلى حد ما تشكيل حكومة منسجمة ذات غالبية تستند إليها. كما طالب بإجراء إصلاحات اقتصادية بهدف وضع أسس تطوير المقاولة المواطنة ذات العمق الاجتماعي، وتحسين تدبير المالية العمومية وأسلوب إعداد الموازنة العامة وغيرها من الإصلاحات ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية. ودافع بقوة عن دور الأحزاب السياسية في المغرب منتقدا جهات، من دون أن يسميها، تعتبر الأحزاب هشة وغير قادرة على القيام بمهامها الدستورية. واتهم هذه الجهات بأنها تسعى إلى تكريس الفراغ السياسي، لكي تحتل جماعات الضغط والمصالح البيروقراطية مواقع تدبيرية من دون شرعية ديمقراطية.

واعتبر اليازغي أن الدين الإسلامي في البلاد هو أهم ثوابت الأمة المغربية وركيزة يقوم عليها عمقه الحضاري الأمازيغي ـ العربي ـ الأفريقي ـ الأندلسي، ولذلك فإن المغرب يتوفر على تعدد ثقافي ثري، يجب تدبيره بطريقة تؤهل البلاد للاستفادة منه، ولا يمكن قبول استعمال ذلك التعدد لدوافع ديماغوجية، أو لإشاعة التطرف، أو الدعوة إلى الانغلاق والكراهية. ورفع الحاضرون في جلسة الافتتاح شعارات تدين الإرهاب، وتصف قتلة الزعيم الاشتراكي عمر بن جلون، بالمجرمين، وهي إشارة إلى الذين اغتالوه عام 1975، وكانوا نشطاء في منظمة الشبيبة الإسلامية.

ووصف اليازغي: «إمارة المؤمنين في المغرب بالمرجعية الدينية، إذ أنها تضمن للبلاد استقلالها وفرادتها، وتوحد بين الدين والدولة في الوقت الذي تفصل بين الدين والسياسة، ومن هنا تبرز أهمية إصلاح الشأن الديني». فالديمقراطية هي اختيار جوهري لا رجعة فيه.

وأشاد بدور تجمع «الكتلة الديمقراطية» في تعبيد الطريق نحو الإصلاحات المنشودة، مشيرا إلى أنها قامت بمهمة تاريخية كبيرة، ويحتاج ميثاقها إلى إعادة صياغة جديدة، بتعاقد جديد، وفق متطلبات المرحلة المقبلة حتى لا يضيع الرصيد النضالي الذي اقيمت من أجله الكتلة. ونفى أن تكون قد دفنت بشكل نهائي نظرا لراهنية عملها الخلاق في تدبير الشأن السياسي المغربي.

وحيا المؤتمرون بحرارة قادة أحزاب الكتلة الديمقراطية وباقي قوى اليسار. وكان حضور قادة الأحزاب السياسية المغربية والبرلمانيين من جميع الأطياف السياسية من اليمين والوسط إلى الإسلاميين، لدرجة أن مراقبين قالوا إنه لولا الخرجة الإعلامية السلبية الأخيرة لنادية ياسين، كريمة مؤسس جماعة العدل والإحسان الإسلامية شبه المحظورة، لكان حضور بعض أعضائها ممكنا. فقد تمكن الاتحاد الاشتراكي من جمع أغلب الأطياف السياسية، بمن فيهم من كان يعتبر في حكم الخصم العنيد له، وسجل فقط غياب بعض ممثلي الأحزاب المحسوبة على تيار اليسار الراديكالي، الذين خرج بعضهم من رحم الاتحاد الاشتراكي، وشكلوا أحزاباً خاصة بهم بعدما تفرقت بهم السبل الآيديولوجية، مثل الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي وجمعية الوفاء للديمقراطية، ينضاف إليهم حزب النهج الديمقراطي، ذو التوجه الماركسي. إلى ذلك، لم يكل اليازغي من الدعوة إلى قيام جبهة ديمقراطية حداثية، وتوحيد العائلة الاشتراكية، وهو ما استجاب له الحزب الاشتراكي الديمقراطي (غالبية حكومية)، إذ أعلن أمينه العام عن قرار حزبه بالاندماج الوحدي مع الاتحاد الاشتراكي. وقال عيسى الورديغي، الذي أعطيت له الكلمة: «عقدنا العزم بدون تردد على تفعيل عملي ملموس لواحد من أهم منطلقاتنا، والذي لازم تاريخنا النضالي لعقود، ألا وهو المنطلق الوحدوي، فكان لنا من كل هذا حوافز قوية للتوجه بحماس واعتزاز نحو الوحدة الاندماجية معكم». وأشار إلى أن مكونات حزبه تضم صوتها إلى صوت المؤتمر لتردد نفس شعاره «معا لبناء مغرب حديث»، لتحصين وحدة تراب المغرب. مضيفا «ليس فينا لا متفرج ولا شامت ولا يائس، وليصدح صوت الوطن عاليا، كما كان دوما، وما زال وسيبقى، فلن تنال من صلابة صمودنا، لا مؤامرة الانفصاليين، ولا مناورات محركيهم، ولا مكائد المتواطئين معهم، فالوطن، والوطن أولا وأخيرا دوما، ومن عاداه إلى زوال».