سفر الحوالي.. الفقيه السياسي أم السياسي الفقيه؟!

TT

الفقه والشريعة والسياسة والإعلام.. تلك هي الأركان الأربعة التي جمعها تحت عباءته الداعية السعودي سفر الحوالي، الذي انقسم من حوله الناس ما بين مؤيد ومعارض، وما بين صديق وعدو.

منذ يومين في مستشفى النور بحي الهجرة بمكة المكرمة، الذي يقع على نفس الشارع المؤدي إلى المشاعر المقدسة ومدينة الطائف، تجمع الناس تحت نافذة غرفته في المشفى، يدعون له بدوام الصحة والعافية، وهذا ما يدفع من لا يعرف سفر الحوالي بالسؤال: لماذا؟ ومن هو سفر الحوالي؟!. ولد سفر بن عبد الرحمن الحوالي الغامدي عام (1370 هـ ـ 1950م)، في قرية حوالة، بمنطقة الباحة التي تقع جنوب مدينة الطائف، حيث حصل على شهادات المراحل المدرسية في قريته، وعرف بين أقرانه بالتمييز.

التحق الحوالي بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لدراسة البكالوريوس، وبعد ذلك توجه إلى جامعة أم القرى في مكة المكرمة للحصول على الماجستير، والتي نالها بدرجة امتياز، وكان موضوع الرسالة "العلمانية"، التي طالما دخل معها في نقاش وجدال، وفي العام 1406هـ (الموافق 1986م) نال شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة وبمرتبة الشرف أيضاً، وكانت بعنوان "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي"، وهي الرسالة التي وصف فيها الحوالي "السودان" بالبلد المؤهل بين دول العالم لإقامة الدولة الإسلامية.

مع بداية التسعينات بدأ نجم الحوالي بالسطوع، من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في مسجد الأمير متعب في شارع باخشب المحاذي لجامعة الملك عبدالعزيز (جنوب جدة)، وكذلك عبر أشرطة الكاسيت، التي كانت السلاح الأكثر فاعلية في مسيرته ومسيرة صديقه الداعية الدكتور سلمان العودة، حيث نجحا في استقطاب أكبر عدد ممكن من المؤيدين لهما.

يتبنى سفر الحوالي تيار "الصحوة"، كما يتميز بنشاطه الفكري والحركي، حيث أحاط هذا التيار بالكثيرين من حوله، في ظل وجود منافسه قوية من التيارات السلفية الأخرى، وهو التيار الذي بدأ في الظهور بأواخر الستينات وبداية السبعينات. كما يعتبر تيار "الصحوة" ناشطاً ومتفاعلاً مع الدوائر الاسلامية الواقعة خارج التيار السلفي، بالإضافة إلى تواصله مع تيارات تصنفها المدرسة السلفية في السعودية "بغير إسلامية".

وتمثل كتابات هذا التيار الذي ينضوي تحت شعاره العديد من الناشطين الإسلاميين من داخل وخارج السعودية كسفر الحوالي وسلمان العودة ومحمد الأحمري واليمني عبدالمجيد الريمي، بالأغزر حول قضايا مختلفة، وذلك من خلال صراعهم مع التيارات الليبرالية المختلفة، كما يطلق على تيار "الصحوة" بالتيار "السروري"، نسبة إلى الداعية السوري محمد سرور، الذي أصدر العديد من أعداد مجلة "السنة" التي كان يرأس تحريرها، إلا أن سفر الحوالي كان يرفض فكرة شخصنة التيار تحت عباءة سرور، ويفضل الحديث عن التيار بعيداً عنه.

وبالعودة إلى المحاضرات والأشرطة، التي اشتهر بها سفر الحوالي، والتي حملت أيضاً الكثير من الخلافات والنقاشات بين الحوالي ورموز المدرسة السلفية كالشيخ بن باز وابن عثيمين، كان أولى شراراتها الخلاف بين الطرفين خلال أيام الغزو العراقي للكويت، حين أصدر كتابه الشهير "كشف الغمة عن علماء الأمة".

ولم يتوقف هجوم سفر الحوالي في تلك الفترة إلى ذلك الحد، بل أصدر شريط كاسيت بعنوان "ففروا الى الله"، معتبراً في شريطه أن القوات الأجنبية التي استعانت بها الحكومة السعودية هي أخطر من العدو المواجه لهم في الجبهة، والذي كان يبعد عن مدينة الظهران "شرق السعودية" بضع مئات الكيلومترات. وقد أحدث هذا الشريط بالذات الكثير من الخلافات على الساحة الفكرية السعودية. وتعرض بعد ذلك الحوالي للاعتقال لعدة سنوات، بتهمة إثارة الفتنة والبلبلة، وتمت مناصحات شهيرة من الشيخ ابن باز وابن عثيمين له ولصديقه العودة بصفة خاصة والتابعين لتيار الصحوة بصفة عامة، وبعد أن تم الإفراج عنه قدم الحوالي اعتذاره عن كل ما بدر منه من فتاوى وأشرطة تحرض على معصية ولي الأمر، وكانت حجتهم في ذلك أنهم كانوا يتعاملون مع الأمر في الماضي بحماس زائد.

وبعد أن خلت الساحة السعودية في الآونة الأخيرة من رموز المدارس الدينية كالشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، سنحت الفرصة للحوالي بالعودة مرة أخرى خصوصاً مع بدء المواجهة بين قوات الأمن السعودية وما أطلق عليها "بالفئات الضالة"، وقد كان للحوالي دور في تسليم بعض المطلوبين أنفسهم، وهذا ما أثار حفيظة البعض في أن الحوالي بدأ يظهر مجدداً، كما تمت مناصحات شهيرة منه شخصياً لمن دخلوا في مواجهة مع الحكومة بأن يستعيدوا وعيهم وأن لا يأخذهم الحماس. كما قام بتقديم مبادرة وساطة مثيرة للجدل. وكانت آخر محطات الحوالي التي تتواصل هي الفتوى التي صدرت بموافقته مع 25 داعية وأكاديميا سعوديا (محسوبين على التيار الإسلامي)، والذين حثوا من خلال الفتوى التي أصدرت في البيان بجواز الجهاد في العراق.

كل تلك المراحل التي عاشها الحوالي، تدل على أنه رجل صاحب أدوار مميزة ومثيرة، وسياسي وفقيه، ولكن السؤال الذي ما زال يحير الكثيرين هل الحوالي فقيه سياسي، أم هو سياسي فقيه؟