لبنان ينجز المرحلة الثالثة للانتخابات لاختيار 58 نائبا عن الجبل والبقاع

تنافس حاد رفع نسبة الإقبال المسيحي تحت أعين المراقبين الدوليين وتدابير الجيش

TT

ودع اللبنانيون، امس، الجولة الثالثة من الانتخابات النيابية التي جرت في دوائر البقاع وجبل لبنان، في اجواء سياسية هادئة سادها التنافس الديمقراطي وحماسة في الاقبال على صناديق الاقتراع لم تشهده مناطق الجبل في الدورات الانتخابية السابقة ولا سيما في المناطق المسيحية التي راوحت نسبة المقترعين في بعضها بين 30 و35% قبل اربع ساعات من موعد اقفال صناديق الاقتراع عند السادسة مساء.

ولم تخل الانتخابات في دوائر الجبل الاربع التي ينظر اليها على انها «حرب سياسية بامتياز» بين القوى المتنازعة سياسيا، من سجال اعلامي حاد واتهامات متبادلة بين الاطراف المتنافسة وتراشق بالاتهامات حول شراء الاصوات ودور «المال السياسي». كما لم تخل من اشكالات أمنية متفرقة في عاليه والبقاع الغربي. لكن قوى الجيش التي اتخذت تدابير واسعة وفاعلة لحفظ أمن الانتخابات حصرت هذه الاشكالات في اضيق نطاق. ولم يبلغ عن اي اصابات بشرية، الامر الذي شهدت له فرق المراقبين الدوليين التي جالت على الكثير من اقلام الاقتراع في الجبل والبقاع يتقدمها رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي خوسيه اينياسيو سالافرانكا يساعده احد عشر خبيراً و26 مراقباً بينهم اربعة نواب في البرلمان الاوروبي.

وباقفال صناديق الاقتراع السادسة مساء امس يكون المقترعون من اصل 738341 ناخباً مسجلاً في لوائح الشطب وموزعين على 1551 قلم اقتراع في دوائر الجبل الاربع قد انتخبوا 35 نائباً. فيما يكون المقترعون من اصل 489246 ناخباً في دوائر البقاع الثلاث قد انتخبوا 23 نائباً في 947 قلم اقتراع. وبذلك ينضم 58 نائباً منتخباً الى 19 نائباً عن بيروت (انتخبوا في الدورة الاولى) و23 نائباً عن الجنوب (انتخبوا في الدورة الثانية). وليبقى 28 نائباً سيختارهم الناخبون في دوائر شمال لبنان الاحد المقبل ليكتمل عقد المجلس النيابي اللبناني الجديد المحدد بـ 128 نائباً.

ويتفق المراقبون السياسيون والاعلاميون على ان هذه الانتخابات، ولا سيما في دوائر الجبل، كانت لها «نكهة مميزة» عن سابقاتها، نظرا لتوزع القوى السياسية المتنافسة وتداخل التحالفات والائتلافات وغياب سيطرة الاحادية الطائفية. فمعركة الجبل التي وصفها الخبراء بانها «ام المعارك» من بعبدا ـ عاليه الى كسروان ـ جبيل، مرورا بالمتن الشمالي، استقطبت تحالفاً عريضاً ضم «لقاء قرنة شهوان» و«الحركة الاصلاحية الكتائبية» بزعامة الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل وتيار «القوات اللبنانية» بقيادة ستريدا جعجع وتيار الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط و«تيار المستقبل»، بزعامة النائب المنتخب سعد الحريري، لمواجهة «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون متحالفا مع حزب الطاشناق الارمني والنائب ميشال المر في المتن، ومع النائب طلال ارسلان في بعبدا ـ عاليه ومع النائب ايلي سكاف في زحلة، علما ان التحالف المضاد لعون يلقى مساندة فاعلة من «حزب الله» وحركة «امل» وخاصة في دائرة بعبدا ـ عاليه حيث يتمتع «حزب الله» بتأييد كتلة شيعية ناخبة يرى المراقبون انه سيكون لها دور مرجح اذا ما تساوت الاصوات بفعل الأرجحية الدرزية لجنبلاط والأرجحية المسيحية للعماد عون.

وفي البقاع، فإن «حزب الله» و«امل» يقدمان دعماً محدوداً للائحة «تيار المستقبل» في دائرة البقاع الغربي، نظراً لمحدودية الكتلة الشيعية الناخبة. والامر يكاد يكون مماثلاً في دائرة زحلة والبقاع الاوسط حيث يدعم «تيار المستقبل» النائب محسن دلول بمواجهة تحالف سكاف مع تيار العماد عون. فيما الكفة في البقاع الشمالي (بعلبك ـ الهرمل) تميل لمصلحة لائحة «حزب الله» المدعومة من «تيار المستقبل». وهنا يفترق جنبلاط عن التحالف لكون نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي يترشح على لائحة منافسة للائحة «حزب الله».

في اي حال، فإن اقطاب اللوائح المتنافسة عكسوا في التراشق الاعلامي الذي تبادلوه، عبر محطات التلفزة على مدى النهار الانتخابي الطويل، مخاوفهم النابعة من عدم ارتياحهم المسبق للنتائج، على عكس ما كانت الحال في بيروت والجنوب. وهم لذلك بكروا في النزول الى الساحة الانتخابية والاعلامية كل في معقله.

فالعماد عون صوَّت باكراً في غير الدائرة المرشح عنها (كسروان ـ جبيل). وادلى بصوته في مسقط رأسه بلدة حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت) لمصلحة لائحة «التغيير والإصلاح» في دائرة بعبدا ـ عاليه، ثم انصرف الى متابعة المعركة في بقية الدوائر.

والنائب جنبلاط ادلى بصوته في بلدته المختارة ثم قام بجولة على مناطق الشوف. واعلن، في تصريح من دير القمر، ان هذه الانتخابات هي استفتاء على «لبنان المستقبل لبنان الشراكة والمصالحة وحماية المقاومة».

وصوَّت رئيس لائحة «وحدة المعارضة» النائب نسيب لحود في بلدته بعبدات مؤكداً على وحدة موقف المعارضة بوجه تحالف عون ـ المر ـ الطاشناق. ومثله اكدت ستريدا جعجع على التزام انصار «القوات اللبنانية» التصويت للوائح المعارضة. وقالت في تصريح ادلت به: «ان هذه الانتخابات هي معركة سياسية بامتياز من اجل لبنان معتدل متصالح«. ودعت انصارها الى «الالتزام بالتصويت للوائح المعارضة».

والى القوى السياسية المتنافسة، نزل رئيس الجمهورية العماد اميل لحود الى الساحة الانتخابية وتوجه باكراً الى بلدته بعبدات حيث ادلى بصوته. وقال انه لم يضع ورقة بيضاء، بل صوَّت للذين يعتقد «انهم قادرون على انقاذ لبنان».