وسط صخب العنف.. موسيقى السمفونيات تهدئ نفوس العراقيين

TT

بدأ التصفيق الحار في القاعة الكبيرة بعد الانتهاء من عزف المقطوعات الأولى لبيتهوفن موجها الى الجمهور كما الى الموسيقيين، فقد ملأ العراقيون مقاعد قاعة المسرح الوطني الخافتة الأضواء وسط بغداد ليلة الجمعة الماضية، بينما كان رجال مسلحون يقفون في الممرات. واتخذ قناصان موقعا لهما في شرفة بالطابق الثاني. وكان الحراس يفتشون الداخلين الى القاعة.

وبينما كانوا يصغون بمزاج رائق ووجوه هادئة للفرقة السمفونية العراقية وهي تعزف افتتاحية ايغمونت لبيتهوفن، بدا أن الحاضرين كانوا يتحدون، حتى ولو في ذلك المساء فقط، الفوضى والقتل الذي حصد أرواح كثيرين هنا.

وقال كريم وصفي، عازف التشلو البالغ 30 عاما والذي تخرج في كلية الموسيقى بجامعة إنديانا الاميركية انه «في أي مكان آخر لا بد ان يكون هذا حدثا اعتياديا. ان هذا ليس مجرد حفل موسيقي. لقد قررنا ان نتحدى الوضع بأسره. ونحن نقول: ليس كل شيء تفجير سيارات. أردنا ان نبرهن على اننا أحياء».

وقال عازف الكمان ماجد الغزالي «لا بد ان نستمر في الحياة. الناس يحتاجون الطعام وكل الأساسيات. انهم ايضا يحتاجون الموسيقى، وهذه مهمتنا».

وعزف الموسيقيون الذين كانوا يجلسون على كراسي بلاستيكية افتتاحية بيتهوفن وسمفونية شوبرت «الناقصة» وكونشيرتو دفوراك للتشلو والأوركسترا. وكان المصورون يتابعون تصوير الحفل متنقلين على السجادة الحمراء التي لم تخل من الغبار ومعيقين، أحيانا، قدرة الجمهور على الرؤية، لكن أحدا لم يبد منزعجا من ذلك.

وفي فترة الاستراحة خرجت العوائل الى رواق ضيق، وكان الناس يتحدثون ببهجة، وهم يمسكون بأيادي أطفالهم ويبتسمون. ولم يبد ان أميركيا قد حضر لكن القائم بالأعمال السويسري والسفير الألماني حضرا. وكان حارس أمن ألماني ضخم الجثة يقف عند الباب لكنه قال ببساطة انه من رواد الحفل وليس حارسا.

وبالنسبة لكثيرين من الجمهور فان مجرد حضور الحفل الموسيقي هو مسعى لتطبيع تلك الأجزاء التي ارتبكت في حياتهم وسط دورة العنف.

وقال علوان حسين (47 عاما) الطيار في الخطوط الجوية العراقية الذي كان يقف عند الطاولة مع قريبة له وطفلها «اذا لزمنا البيوت لن يكون هناك تحسن».

وبينما تتغير حياتهم سريعا وتتسع دائرة عدم الامان، فان كل العراقيين الذين قابلناهم في تلك الليلة قالوا انهم، مع ذلك، لن يختاروا العودة الى عهد صدام حسين أو حتى مغادرة العراق. وقال محمد الصندوق (54 عاما)، وهو أستاذ للفيزياء في جامعة النهرين، وكان يقف في طابور لشراء علبة دافئة من البيبسي مع ابنه البالغ 11 عاما «انها بداية نمط جديد من الحياة والعمل». واضاف ان خمسة من أصدقائه، وكلهم أساتذة جامعيون، غادروا البلاد في الأشهر الأخيرة لتجنب عمليات الخطف والقتل التي تنفذ ضد المتخصصين العراقيين. وقال «انه من السهل وجود المصاعب هنا. لكننا نتطلع الى المستقبل. أشعر بحرية اكبر».

وعبرت آني ميلكوميان (25 عاما)، وهي عازفة الكمان الوحيدة في الأوركسترا، عن الوضع على نحو بليغ اذ قالت ان «الخطر في كل مكان. لست خائفة. جئت الى هنا لكي أعزف».