الجعفري: اجتماعات بروكسل تبشر بالخير وتحث الدول المانحة على تنفيذ التزاماتها .. و كركوك تشكل عقدة في طريق العمل السياسي حاليا

قال لـ «الشرق الاوسط» إن خروج القوات الأجنبية الآن يخدم الإرهابيين

TT

أقر رئيس الحكومة العراقية ابراهيم الجعفري برغبته في خروج القوات المتعددة الجنسيات، لكنه ربط هذه العملية مع اكتمال بناء القوات الأمنية والجيش العراقي بصورة تجعلها قادرة على الدفاع عن البلد والعراقيين، مشيرا الى ان الدول التي شاركت في اجتماعات بروكسل وفي مقدمتها الولايات المتحدة أبدت تفهمها لحاجات العراق الاساسية وتعهدت بتقديم الدعم اللازم له.

وأضاف الجعفري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» خلال زيارته القصيرة الى لندن أمس، أنه خلال لقائه الرئيس الاميركي جورج بوش في واشنطن بداية الاسبوع الحالي قال: «نحن نريد خروج القوات الاجنبية من العرق في أقرب وقت ممكن، ذلك لان اية دولة لا ترضى لنفسها بقاء القوات الاجنبية فوق اراضيها، لأن ذلك يحمل دلالات سيئة تعني عجزنا عن الدفاع عن بلدنا واعترافنا بوجود خلل أمني ونحن لا يشرفنا ذلك»، مشيرا الى ان «هناك توقيتين، الاول هو خروج القوات المتعددة الجنسيات في وقت قد يخدم الارهابيين ويجعلهم ينقضون على المواطن العراقي وينهون تجربتنا الديمقراطية، وآخر هو ان نبني قواتنا الأمنية وجيشنا الوطني بما يؤهلهما عن جدارة للدفاع عن العراق. وعند ذاك ستخرج القوات المتعددة الجنسيات مشكورة، وهذا ما اتفقنا عليه».

وتحدث الجعفري عن نتائج اجتماعات بروكسل التي انتهت بداية الاسبوع الحالي قائلا «هو ليس مؤتمرا للدول المانحة، لكنه يمكن ان يدفع الدول المانحة لتدر بالنفع على العراق، وقد وجهنا رسالة الى العالم من خلال وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس باعتبارها راعية لمؤتمر بروكسل وخلال زيارتها الى العراق وكذلك في لقاءاتنا مع وزراء خارجية دول اوروبا، وتحدثنا حول كيفية حصولنا على أكبر قدر من الدعم في مؤتمر عمان المقبل للدول المانحة وتنفيذ قرارات مؤتمر مدريد الذي عقد في أكتوبر (تشرين الاول) عام 2003 حتى نحاول ان نحرك عجلة الاقتصاد، وقد أبدوا تفهمهم بشكل جيد ونأمل ان يفوا بالتزاماتهم»، مشيرا الى ان هذه الامور «كانت في سلم أولويات حديثنا مع الرئيس الاميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني ورامسفيلد خلال لقاءاتي معهم في واشنطن الاسبوع الماضي».

وقال «تحدثنا ايضا في بروكسل عن القروض التي يتحملها العراق نتيجة السياسات الهوجاء للنظام السابق والتعويضات عن حروب مع دول الجوار سببها صدام حسين، ويجب إطفاء كل هذه القروض والتعويضات. وطرحت هذه الافكار حتى خلال وجودي في الكويت كما تحدثت عنها امس مع رئيس الحكومة البريطانية توني بلير».

وقال الجعفري «هناك وضع أمني صعب وسوء في الخدمات والإعمار ونحن نعمل لرأب الصدع، وفي كل سفرة لي الى خارج العراق أضع في حساباتي ماذا ستقدم هذه السفرة من نتائج لتقدم البلد ونجد في كل من نلتقيهم تفهما كاملا للوضع العراقي وخاصة من بعض دول الجوار الجغرافي التي زرتها والتي أنوي زيارتها».

وانتقد رئيس الحكومة العراقية محطات التلفزيون الفضائية العربية كونها غير محايدة ولا تظهر الحقيقة كاملة، وقال «انتم على اطلاع دائم عما يجري في العراق من صراع بين الانسان العراقي بكامل حجمه وبين عدو الانسان العراقي بكل سيئاته وبشدة سوئه ووحشيته، وللأسف الشديد ان الكثير من القنوات التلفزيونية الفضائية تغض النظر عن عرض المآسي التي تحدث في العراق من قتل النساء بعد اغتصابهن والاعتداء على الحرمات وكأنها شيء لم يكن»، مشيرا الى ان «هناك جرائم ترتكب في العراق ولا تسمى ارهابا، يُقتل الشرطي والجندي العراقي البطل والمحطات التلفزيونية لا تسمي ذلك ارهابا، تُقتل المرأة العراقية الطاهرة الشريفة باعتراف الارهابيين ولا يسمى ذلك ارهابا، يُقتل الطفل العراقي البريء ولا يسمى في الاعلام العربي ذلك ارهابا، ما يزال الإعلام العربي إعلاما معاديا وغير محايد وأنا أوجه هذا العتب بصراحة لكل القنوات التلفزيونية الفضائية التي يجب ان ترتقي بمسؤوليتها وان تعرض الحقيقة وتسمي الامور بمسمياتها».

وتحدث الجعفري عن الاوضاع الداخلية في العراق قائلا «ان العراق خسر الكثير من الضحايا حتى انه يحق لنا ان نطلق عليه لقب بلد الشهداء، إذ ليس هناك بيت عراقي لم يقدم شهيدا الا ان ذلك لا يحبط من قوتنا، بل يجعلنا اكثر اصرارا على العمل لنصنع مستقبلا زاهرا للعراق».

ورأى رئيس الحكومة العراقية ان «اقتصاد العراق يجب ان يكون الافضل وموقعه في المنظومة السياسية على الصعيد الدولي والاسلامي والعربي، يجب ان يحتل موقعا متقدما، ولكن هذه النظرة لكافة اهدافنا وواقعنا لا تنسينا أين كنا وأين نحن الآن، كنا في ظرف لا يمكن ان نعبر فيه عن أبسط حقوقنا والبوح بآرائنا، كنا في زمن الاحادية التي اختزلت العراق في حالة الشخصنة التي تمثلت بشخص صدام وحول العراق الى أحادية في السياسة والحزب والجيش والدولة»، مشيرا الى ان «سقوط كابوس صدام حسين كان بسبب الارادة القوية للشعب العراقي وبدون هذه الارادة ما كان النظام السابق قد سقط بسلاح القوات الاميركية، حيث ان ارادات الشعوب هي التي تغير، ومنذ الآن فان عجلة الزمن لن ترجع الى الخلف. عصر الأحادية وعصر المآسي قد انتهى. ومثلما انتهى فصل الديكتاتورية وبدأ فصل الديمقراطية، علينا ان نحسن الحفاظ على الحالة الجديدة، حالة التنوع التي فرزتها انتخابات 30 يناير(كانون الثاني) والتي افرزت الجمعية الوطنية وأظهرت للعالم كله ان العراق اقوى من كل محاولات عرقلة العملية الديمقراطية. ونحن جميعا دفعنا ضريبة الديكتاتورية وغياب الديمقراطية لفترة طويلة من الزمن. لذلك شتتنا صدام في كل انحاء العالم، وها هو العراق; بيت يعود الى أهله بعد ان سرق، ولكن يجب ان نقرأ الامور بوعي وكما هي لا كما نحب».

وأضاف قائلا «هذا البيت الذي عاد للعراقيين عاد مخربا، ميزانية تشكو من العجز، تركة ثقيلة من الفساد الاداري والمالي»، مشيرا الى ان «الكثير من خيرات البلد مبددة والكثير من الجروح لم تندمل بعد، والكثير من المآسي، وهناك قيم من المحبة والتآلف بين العراقيين حاول النظام المقبور ان يعبث بها ويقدم لنا ثقافة التلاعن والشك والاقتتال والتحارب وثقافة هدر الدم; هذه الثقافة التي عاشها ومارسها الحزب الممقوت (البعث) في العراق يحاول انصاره الآن اعادتها الى الحياة العراقية عبر ممارساتهم. فهم يقولون اليوم إما ان نحكم العراق أو نحرقه».

وتحدث رئيس الحكومة العراقية عن الارهاب قائلا ان «لا بد للعالم ان يقف مع العراقيين ضد الارهاب، فالإرهاب ليس بدلة أعدت على مقاس العراقيين وحدهم، بل ان الارهاب في العراق هو نموذج للارهاب في العالم ويستثمر الحالة الامنية في العراق، وما يدور في بلدنا هو اختبار للعالم كله ليواجه الارهاب، وهي مواجهة تستوجب ان يقف العالم كله الى جانبنا كون المواطن العراقي يدفع الثمن بحياته لمواجهة الارهابيين»، مشيرا الى ان «لا جغرافية محددة للارهاب، وجغرافيته الحقيقية هي الانسان في كل مكان، ويجب ان يكون الرد بحجم جرائم الارهابيين في العراق».

وحول مباحثاته مع بلير قال الجعفري «لقد أبدى رئيس الحكومة البريطانية تعاونه واستعداده للتعاون مع الحكومة العراقية لإرساء الأمن، كما أبدى استعداده لمساعدة العراقيين الموجودين في بريطانيا»، مشيرا الى انه لم تعد هناك حالات تستوجب قبول لجوء العراقيين في بريطانيا ونحن بحاجة الى المعارضة في الداخل، فليس في العراق حكومة تتعامل مع مواطنيها مثلما كان يحدث في زمن صدام حسين».

وفيما يتعلق بعائدية مدينة كركوك قال الجعفري «تشكل هذه المسألة (كركوك) احدى العقد في طريقنا السياسي بسبب تنوعها السكاني من تركمان واكراد وعرب وكلدوآشوريين وكلهم قلقون حول اوضاعهم حتى تركيا قلقة على التركمان، يعني أن المسألة أخذت بعدا إقليميا، اتصور ان قانون ادارة الدولة عالج مسألة كركوك، وبتصوري يجب ان نعطي الوقت الكافي ونؤخر مسألة كركوك حاليا حتى معالجة أوضاع سكانها»، مشيرا الى ان كركوك «مدينة تمثل خارطة العراق ونحن نتفهم ان هناك مظالم لحقت بالأكراد في مدينة كركوك في زمن النظام السابق وتم اخراج بعضهم وجيء بالعرب عنوة الى المدينة، وستتم معالجة كل هذه القضايا وبطريقة لا تظلم حق أحد».

وحدد الجعفري موعد زيارته الى ايران وقال «بعد ان اتصل بي الرئيس السابق ووزير الخارجية الايرانيان حول موعد زيارتي لإيران وعدتهم ان تكون في الاسبوع الاول من الشهر المقبل»، مشيرا الى انه يحترم ارادة الشعب الايراني في اختياره لرئيسه في الانتخابات الاخيرة، «بغض النظر ان كنت اتفق مع هذه النتائج ام لا، أنا احترم ارادة الشعوب، أنا لا اعرف الرئيس الجديد شخصيا، لكننا نتوسم أن ينعكس اختياره على بلدنا بصورة ايجابية وتخفيف شدة التوتر والارهاب في المنطقة».

وكان السفير العراقي في بريطانيا صلاح الشيخلي قد دعا عددا من ابناء الجالية العراقية في حفل استقبال رئيس الحكومة العراقية في مبنى السفارة في لندن اول من أمس، ودارت بين الجعفري ومواطنيه عدد من الاحاديث التي تهم العراق.

=