الطيارون والأطباء العسكريون العراقيون يقتلون فجأة في بيوتهم

بعضهم قتلوا على أيدي مسلحين وآخرون اختطفتهم أجهزة أمنية

TT

كانت ثقوب اطلاقات النار ما تزال عالقة في الجدار المحاذي للحديقة التي جمعت اللواء الطيار المتقاعد اسماعيل سعيد بصديقه وجاره المحامي المتقاعد محمد علي عاشور ليصبح المكان آخر مكان لهما في الحياة التقيا به حيث اقترب من تلك الحديقة مسلحون في سيارة بيضاء واردوا الصديقين قتيلين امام ابنة المحامي التي كانت تحمل اليهما أقداح الشاي. بصعوبة وحزن عميقين، مع دموع منهمرة من العينين، تروي الابنة لـ«الشرق الاوسط» حادثة مقتل والدها وجارهم باعتبارها الشاهد العيان، قائلة «رأيت الشخص الذي قتل والدي وجارنا، كان ملتحيا، اطلق ابتسامة خبيثة مع صراخي».

فاطمة سعيد، شقيقة اللواء الطيار اسماعيل، التي استقبلتنا في بيته حيث رفضت زوجته الخروج الينا للحزن الشديد الذي ينتابها مع اولادها الثلاثة وابنتها، قالت «لعنة الله على صدام حسين الذي اذاقنا العذاب في وجوده وبعد رحيله، ولعنة الله على كل من جاء بعده». وعندما سألناها عن شقيقها اللواء اسماعيل قالت «كان قائدا في طيران الجيش (الهليكوبترات) خلال الحرب العراقية الايرانية، وقد تركنا البصرة واقمنا في بغداد. في عام 1991 احيل على التقاعد واستقال من حزب البعث ايضا» تصمت ثم تتابع قائلة «كان ينفذ الاوامر العسكرية باعتباره ضابطا في الجيش ولم يقم بأي عمل انطلاقا من ذاته كما انه لم يستطع ان يتمرد ويعصي الاوامر لانه كان سيعدم بل ربما تعدم العائلة باكملها والجميع يعرفون ظلم صدام»، مشيرة الى ان شقيقها اسماعيل قرر اتخاذ جانب الصمت بعد احالته على التقاعد بعد حرب الخليج ولم يدخل في أي تفاصيل عسكرية . وعن الجهة التي تتهمها عائلة اللواء اسماعيل قالت فاطمة «نحن نحمل كل الجهات الموجودة في العراق ، بشكل رسمي او غير رسمي مسؤولية مقتل اسماعيل، ولن نرضى بأي تعويض لأن ذلك لن يعيده لنا»، واضافت «نطالب بفتح تحقيق لمعرفة من قتل شقيقي وجارنا حيث لم تقم الجهات المختصة باي تحقيق حتى الان، واذا لم تتصرف الحكومة سريعا في هذا الامر فسيكون من حقنا الرد على من نعتبره مشاركا في قتل اخينا. وما نريده هو ان يسمع العالم بما يحصل للعراقيين هنا وعلى ارضنا وعلى معرفة كاملة من قبل الحكومة العراقية، فليس من الممكن ان لا تعرف الحكومة ان هناك عددا من الطيارين العراقيين والاطباء العسكريين قد اغتيلوا ولا تحرك ساكنا للتحقيق في الامر». المشهد الآخر يتحمل خيال سينمائي يشبه افلام الاثارة (الأكشن) الاميركية.. هذا ما استنتجناه من حكاية مقتل حيدر كاظم المحمداوي الذي يسكن في حي السيدية بجانب الكرخ من بغداد في دار كان يسكنه طيار برتبة عميد. ولاننا لم نجد احدا في داره سألنا جاره الذي رفض نشر اسمه وقال «كانت الساعة السابعة صباحا عندما كنت اهم بالخروج الى عملي لكنني فوجئت برصاصتين تنطلقان نحوي تحذيرا لي من الخروج فيما كان الحي محاصرا بعدد من السيارات والمسلحين الذين كان بعضهم يرتدي ملابس الشرطة حيث توجه بعضهم الى منزل المحمداوي مدعين انهم جهة امنية رسمية ويريدون الصعود الى سطح الدار لرصد بعض المسلحين».

يضيف الجار قائلا «استقبلهم المحمداوي بروحه الطيبة وصعد معهم الى سطح المنزل، بعد ذلك سمعنا صراخ زوجته التي قالت ان المسلحين تركوا البيت وزوجها بقي فوق السطح وعندما صعدت اليه وجدته مقتولا هناك بينما اختفى المسلحون». لم يكن المحمداوي قد ارتكب ذنبا ليواجه الموت بهذه الصورة، بل هو شخص وطني كان يعمل على حماية الطائرات المدنية للخطوط الجوية العراقية، وخلال الحرب العراقية الايرانية احبط المحمداوي محاولة اختطاف طائرة «العراقية» وكانت مزدحمة بالركاب الى ايران ردا على قيام ايرانيين بخطف طائرة ايرانية وقيادتها الى العراق، وكتبت عنه الصحافة وقتذاك مشيدة ببطولته مما حدا بصدام حسين الى تكريمه بانواط الشجاعة وترقيته من مفوض في الشرطة الى ضابط في الجيش العراقي. نضال البياتي، معلمة وام لبنت واحدة عمرها 17 عاما، روت لنا جريمة قتل زوجها الطبيب الجراح العميد المتقاعد منذر البياتي قائلة ان «سيارة بيضاء توقفت صباحا امام بيتنا وقرعوا الباب وعندما خرج زوجي الدكتور منذر اليهم كان هناك مسدس في انتظاره حيث وجهت نحوه رصاصتان واحدة استقرت في راسه والاخرى في رقبته ليموت في الحال»، مشيرة الى ان المسلح استقل السيارة البيضاء وهرب وكانت تتبعها سيارة (لاند كروز) فيها بعض المسلحين .

تضيف البياتي قائلة «كان زوجي يعمل في مستشفى الرشيد العسكري ومهمته انسانية بحتة وهي انقاذ الاخرين من الموت حيث اجرى خلال الحرب العراقية الايرانية عمليات جراحية لضباط وجنود جرحى من غير تمييز بين هذا وذاك، بل انه كان يتحدث عن عمليات اجراها لاسرى ايرانيين تعامل معهم وكأنهم عراقيون منطلقا من روحه الانسانية ومن مبادئ مهنته النبيلة»، مشيرة الى ان زوجها كان قد احيل على التقاعد بعد حرب الخليج الثانية وكان مسالما يهتم بعمله وعلمه وقد ترك لهم ارثا من الكتب الادبية والفلسفية . حكاية اخرى عن قيام 30 سيارة عسكرية عراقية تحمل اسم «قوات الحسين» بمهاجمة بيت عميد ملاح سابق في القوة الجوية العراقية السابقة، متقاعد منذ عام 1995 ، والقبض عليه والتوجه به نحو جهة مجهولة. يقول ابنه، وهو ضابط في الجيش العراقي الحالي، انه قام بالبحث عن والده والسؤال عنه منذ اختفائه منذ ما يقرب من شهر، لكن الردود كانت تأتي بان لا يرهق نفسه بالبحث وربما يعود لهم والده عندما تستقر الاوضاع الامنية، ولا يعرف اهله اين يبحثون عنه ويقول ابنه يعرب، خريج كلية اللغات في بغداد، ان ما حدث لوالده ليس غريبا اذ لاقى العميد الطيار ابراهيم الصايل ذات المصير، تم اختطافه من داره من قبل جهة امنية رسمية ولم يعد الى عائلته وتهمته هي مشاركته في الحرب العراقية الايرانية.