لندن: السلطات تبحث عن عضو خامس في «خلية ليدز» وتتحدث عن خطط ترحيل

المنفذون المفترضون: أحدهم زار أفغانستان وآخر معلم وثالث يعشق الكريكت

TT

بدأت تتكشف معلومات أكثر عن عناصر «خلية ليدز» الذين تشتبه الشرطة في وقوفهم وراء تفجيرات الخميس الماضي في لندن. وقد تسربت أسماء ومعلومات عن المنفذين الأربعة المفترضين، في وقت أفادت فيه تقارير ان الشرطة تبحث عن خامس لا يزال قيد الحياة. وفي وقت تزايد الاعتقاد بأن الاعتداءات كانت انتحارية، فان الحكومة قالت انها تعتقد بان المنفذين كانوا جزءاً من «مجموعة أكبر» لها ارتباطات دولية، وانها بصدد البحث عن مدبر هذه الاعتداءات. وأعربت الحكومة عن توقعها بحدوث مزيد من التفجيرات، وتوعدت باتخاذ إجراءات مستقبلية، بينها عمليات ترحيل.

* «خلية ليدز»

* وتبين من معلومات قدمها أقارب وأصدقاء للمشتبه فيهم، الذين يتحدرون من منطقة وست يوركشير (شمال)، وتحديداً من مدينة ليدز، ان أحدهم، كان زار افغانستان، والثاني يعشق رياضة الكريكت والثالث متزوج وله طفل، وعمل مدرسا لتلاميذ المرحلة الابتدائية. وقال قريب لشهزاد تنوير، 22 عاما، الذي ورد اسمه بصفته منفذ الهجوم على محطة أولدغايت إيست: «لا أستطيع أن أصدق هذا. شهزاد لم يتغير، كان دائما يهوى الرياضة وخاصة الكريكت. لم ينخرط في السياسة مطلقا، فما الذي دعاه لأن يفعل هذا. لابد أن الأمر وراءه شيء آخر».

وقال عز محمد، وهو صديق لتنوير واثنين آخرين مشتبه فيهما، وهما محمد صديق خان، 30 عاما، وحسيب مير حسين، 19 عاما، انهم خضعوا لغسيل مخ بكل تأكيد. وأضاف عز محمد لصحافيين: «نحن عاجزون عن فهم المسألة. لقد تعرضوا لغسيل مخ»، مضيفاً ان تنوير «ليس من النوع الذي يفعل شيئا كهذا. الكل يحبه. كان محبوبا جدا». وقد حدد اسم المشتبه فيه الرابع بإلياس فياض، وهو شاب من منطقة بيستون القريبة من مدينة ليدز الشمالية.

وقد ولد الشبان الأربعة في بريطانيا من عائلات ذات أصول باكستانية، ورصدتهم كاميرا محطة «كينغز كروس» لقطارات الأنفاق، وهم يحملون على ظهورهم حقائب كبيرة أشبه بالحقائب العسكرية قبل أن يتفرقوا في اتجاهات مختلفة، وبعد نحو 20 دقيقة من ذلك وقعت الانفجارات.

وقال محمد أنصار رياض، 19 عاما، عن تنوير: «لقد كان شابا ودودا ومندمجا مع الجميع. كان يتمتع بروح دعابة رائعة. لا أستطيع أن أصدق أنه يمكن أن يتوجه الى لندن ليفجر قنبلة. ليس من شيمه أن يفعل شيئا كهذا». وذكر جار آخر، طلب عدم ذكر اسمه، ان الشاب «المبتسم على الدوام» أمضى شهرين في أفغانستان العام الماضي وأربعة أشهر في مدينة لاهور الباكستانية.

وقال أحمد، أحد اقارب تنوير ان «أسرته منهارة. لم يعش حياة قاسية. كان يحظى بأبوين محبين ولم تكن لديهم مشاكل مادية». واضاف: «حياتنا تحطمت. أمضينا وقتا رائعا هنا (في انجلترا) ولا أعتقد أن بإمكاننا العيش هنا بعد الآن». وأوضح ان تنوير زار باكستان نهاية العام الماضي وبدأ هذا العام في دراسة القرآن.

أما حسيب مير حسين، المشتبه فيه الثاني، فتردد أنه تحول الى التشدد بعد أن كان «جامحا بعض الشيء». وقال أحد أقاربه إن حسين «حاد عن الطريق وأثار هذا قلق والديه. لا أعرف بالضبط ما حدث، لكن قبل نحو 18 شهرا أو عامين تغير فجأة وأصبح ملتزما دينيا».

أما المشتبه فيه الثالث، محمد صديق خان، فهو متزوج وله طفل، وهو مدرس في المرحلة الابتدائية. وقال شخص تربطه به علاقة نسب ان أسرة زوجته لم توافق في البداية على الزواج لأنه لم يكن ملتزما دينيا بالقدر الذي كانت ترغب في ذلك الأسرة. واضاف المصدر نفسه: «لم يكن (خان) يقبل بإطلاق اللحية أو ارتداء العمامة، لكنه بدا دوما شخصاً لطيفا ولم يدخل في أي مشكلة على حد علمي. لقد سافر الى باكستان عدة مرات، لكن ليس لفترات طويلة».

ونقلت صحيفة «الإيفنينغ ستندارد» المسائية البريطانية امس عن صديق لأحد المنفذين المفترضين، ان خان وتنوير وحسين نشأوا معاً «وكانوا غالباً ما يتحدثون عن انزعاجهم مما يتعرض له إخوانهم وأخواتهم من المسلمين في العراق على ايدي الأميركيين».

وقال هذا الصديق الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته انه شاهد المنفذين الثلاثة قبيل مغادرتهم مدينة ليدز، مضيفاً ان تنوير قد صبغ شعره وحاجبيه باللون الرمادي الفاتح. وعلق على ذلك قائلاً: «لقد عرفته لسنوات، ولم أره ابدا غير ملامحه». واضاف ان الثلاثة كانوا يرتدون على الدوام ملابس غربية. ويعتقد المحققون ان الثلاثة غادروا صباح الخميس الماضي ليدز باتجاه لوتون بشمال لندن، حيث التحق بهم هناك المشتبه فيه الرابع، فياض، وواصلوا جميعهم رحلتهم الى كينغز كروس، ومنها تفرقوا لتنفيذ التفجيرات. وقد عثرت الشرطة اول من امس على كمية كبيرة من المتفجرات في منزل أحد المشتبه فيهم، وايضاً في سيارة تركت في محطة لوتون.

أحد المنفذين ارتبك فلجأ إلى الحافلة وفجرها

* ونقلت «الإيفنينغ ستاندرد» عن مصادر قريبة من التحقيق ان منفذي الاعتداءات ارادوا ان يحاصروا العاصمة البريطانية بالنار من الجهات الأربع عبر تفجير اربع قنابل في شمال المدينة وجنوبها وشرقها وغربها. واوضحت ان الرجال الاربعة بعد ان وصلوا معاً صباح الخميس الى محطة كينغز كروس، تفرقوا، اذ اتجه الاول غربا والثاني شرقا والثالث جنوبا. ويعتقد المحققون ان الرابع، حسيب حسين، استقل خط نورذرن لاين الذي يتجه شمالا، لكن عطلا في المترو جعله يغادر المحطة ويستقل الحافلة رقم 30 كونه لا يعرف على الأرجح كيف يتنقل في لندن، وهذا ما يفسر سبب تأخر تفجير الحافلة ساعة بعد وقوع التفجيرات الاخرى.

ويعتقد المحققون ان الرجال الاربعة حملوا معهم عمداً رخص قيادة السيارة وبطاقات الائتمان حتى يتم التعرف عليهم ويقتدي بهم زملاؤهم من المتشددين. ونقلت «الإيفنينغ ستندارد» عن مصدر امني قوله امس: «لقد ارادوا ان يظهروا للناس من هم. أرادوا ان ينظر اليهم كشهداء».

البحث عن عضو خامس في الخلية

* افاد تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) امس، نقلا عن مصادر في الشرطة، أن الشرطة تبحث عن رجل خامس في إطار التحقيق في الاعتداءات التي يُشتبه ان منفذيها كانوا اربعة انتحاريين. وقال خبراء أمنيون ان فرضية التفجيرات الانتحارية زادت من احتمال أن يكون العقل المدبر للتفجيرات لا يزال حرا طليقا. وقالت «بي.بي. سي» امس ان الرجل الذي تطارده الشرطة له صلة بالمهاجمين، لكنه لم يكن أحد المفجرين، وبالتالي فقد نجا من التفجيرات. وامتنعت متحدثة باسم الشرطة عن تأكيد هذا الأمر.

العثور على رخص قيادة تخص المنفذين

* وتبين من التحقيقات ان الشخص الذي اعتقلته الشرطة في ليدز اول من امس قريب لأحد المنفذين الأربعة المفترضين. وافادت تقارير ان الاشياء التي عثر عليها في مواقع التفجيرات وتخص المنفذين المفترضين هي رخص لقيادة السيارة وبطاقات اعتماد. ويبدو ان جهاز الأمن البريطاني بدأ يدرك ان «عمليات لتجنيد انتحاريين» جرت ولا تزال تجري في بريطانيا، حسبما افادت تقارير امس. وقالت «التايمز» امس ان «عناصر الأمن بدأت تدرك ان هناك شبانا بريطانيين مستعدون للموت في سبيل قضيتهم».

وفي بولندا، افادت الشرطة امس انها تحقق مع بريطاني من اصل باكستاني يقيم في بولندا للاشتباه في علاقته بتفجيرات لندن. وقالت متحدثة باسم أجهزة الأمن البولندية «ان الأدلة التي جُمعت لا تستبعد وجود علاقة بين هذا الرجل وجماعة متطرفة» و«نحن نتحقق من عدة امور، بينها محتويات جهاز الكومبيوتر» الذي صودر من شقته في مدينة لوبلين بجنوب شرقي بولندا. واكدت المتحدثة ان الرجل لم يعتقل، الا ان شقته تعرضت للتفتيش بعد تلقي معلومة من أحد السكان المحليين.

التحقيق يركز على «المجموعة الأكبر»

* أعلن وزير الداخلية البريطاني، تشارلز كلارك، امس ان التحقيق حول اعتداءات الخميس يتركز على «الأشخاص الذين يوجهون وينظمون ويحركون» الذين «يفجرون انفسهم». واضاف لهيئة لهيئة الاذاعة البريطانية: «علينا ان ندافع عن قيم مجتمعنا ضد الذين يحاولون تدميره. وهذا يعني الوقوف بقوة ضد كل من يروج للأصولية التي تدفع اربعة شبان الى تفجير انفسهم مع غيرهم في مترو صباح يوم خميس». وبهذا التصريح، عزز كلارك الاعتقاد بأن الاعتداءات كانت انتحارية، بعد ان كانت الشرطة البريطانية قد قالت اول من امس ان المحققين يسعون للتأكد مما اذا كان منفذو الاعتداءات «قتلوا جميعهم في الانفجارات». وقال كلارك امس: «علينا ان نفهم ان العناصر الذين نفذوا ذلك ليسوا إلا اداة في منظمة تزرع الفوضى في مجتمعنا. علينا ان نهاجم الاشخاص الذين يوجهون وينظمون ويحركون هؤلاء الاشخاص. وبالطبع التحقيق يركز على ذلك في الوقت الحالي». واوضح كلارك انه صدم لعلمه بأن منفذي التفجيرات نشأوا في بريطانيا، ثم أقسم بأنه «سيستأصل» الشر بجميع الوسائل الممكنة، ومن بين ذلك القيام بعمليات ترحيل. ودعا كلارك البريطانيين الى توقع تفجيرات اخرى. وقال: «أعتقد انه يجب علينا ان ننظم أنفسنا على أساس ان هناك اشخاصا آخرين مستعدون للتصرف بنفس الطريقة» التي اعتمدت في التفجيرات الأخيرة.

بلير يجدد إدانته استهداف المسلمين

* من جانبه، دعا رئيس الوزراء توني بلير البريطانيين امس الى التصرف «بهدوء» في ردهم على التفجيرات. وقال أمام البرلمان: «سأطلب رد الفعل المتوازن والهادئ نفسه من البلد الذي كان مثالا لذلك منذ الخميس الماضي». واضاف مشيراً الى منفذي التفجيرات: «هذه مجموعة صغيرة من المتطرفين. صحيح انه لا نستطيع تجاهلها، لكنها لا تمثل المسلمين في بريطانيا الذين يلتزمون بشكل كبير بالقانون كما أنهم اعضاء محترمون في مجتمعنا». وجدد التأكيد ان حكومته تدين اي هجوم يستهدف المسلمين.

المتفجرات مصدرها جمهوريات سوفياتية

* قال خبير، نقلت تصريحاته صحيفة «الفايننشال تايمز» امس، ان المتفجرات التي استخدمت في اعتداءات لندن صنعت على الأرجح في جمهوريات سوفياتية سابقة. واضاف البروفسور هانس مايكلز من معهد لندن الملكي ان المتفجرات كانت تحتوي بالتأكيد على مواد «تي.ان.تي» التي كانت تصنع بكميات كبرى في المصانع السابقة لـجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والدول المجاورة لها والتي زودت السوق السوداء في اوروبا. واضاف «ان الانفجار في محطة ادجوار رود أحدث فجوة في جدار النفق، مما يعطي مؤشرا على قوة المتفجرة». ولم يستبعد ان تكون المتفجرات المُستخدمة من نوع «سيمتكس» البلاستيكية الذي كان يستخدمه الجيش الجمهوري الآيرلندي في التسعينات. إلى ذلك، أعلنت الشرطة امس انه تم التعرف على هويات 11 من قتلى اعتداءات الخميس. وحسب متحدث باسم الشرطة، فان ثمانية تحقيقات جنائية حول مقتل اشخاص تم التعرف على هوياتهم فتحت امس. ووفق الحصيلة التي لا تزال مؤقتة، فان الاعتداءات اسفرت عن 52 قتيلاً على الاقل ونحو 700 جريح.

دول تعرض مساعدة بريطانيا

* عرضت عدة دول المساعدة في التحقيق حول اعتداءات لندن. وعبرت الشرطة في جنوب افريقيا عن استعدادها لتقديم المساعدة للمحققين البريطانيين، إثر معلومات نشرتها صحيفة في جوهانسبرغ تؤكد حصول عملية تفتيش لمنزل مواطنة جنوب أفريقية في ليدز بشمال انجلترا. وكانت الشرطة البريطانية تبحث عن معلومات حول «ابن او حفيدة» المرأة الجنوب أفريقية التي تعرض منزلها للتفتيش في ليدز، بحسب الصحيفة. كما قال مسؤولون في سنغافورة امس ان السلطات أرسلت ضباط شرطة إلى لندن للاستفادة من الوكالات البريطانية في كيفية الادارة والتنسيق والتحقيق في التفجيرات الاخيرة. وقال نائب رئيس وزراء سنغافورة توني تان: «أصبنا بالذهول لسرعة الرد الذي اتخذته السلطات في لندن كما ذهلنا من تصميم رئيس الوزراء توني بلير والحكومة البريطانية والشعب البريطاني في الرد على هذه المأساة». وكانت سنغافورة قد أرسلت بعثة مشابهة، العام الماضي، إلى مدريد اثر اعتداءات 11 مارس (آذار) الماضي.