شهود يروون تفاصيل اليوم المرعب : الأجساد تتطاير والنوافذ تتحطم والجثث ممزقة ودهشة على الوجوه

كان أقرب إلى «مشهد سينمائي» لكنه حقيقة واقعة

TT

كان الوقت قبل بعد الواحدة ليلا بقليل عندما تحول ذلك النهار الصيفي الى ليلة صحراوية منعشة، عندما انتهى العاملون في منتجع مصر الأول على البحر الأحمر من مهامهم واتجهوا الى المهرجان حيث المقاهي التي تعمل على مدار الساعة.

جمع ناصر علي الوصولات في محله السياحي الذي يحمل اسم «ليالي الحلمية». وعدل محمد عيسى رفوف محل القرطاسية الذي يمتلكه. وكان سيد سيد يتكلم فرحا بانجليزية ركيكة، وهو ينهي قص شعر آخر زبون في صالون الحلاقة.

وفي الدقائق الخمس عشرة في بداية يوم السبت تحولت شرم الشيخ من مكان أكثر استرخاء من الأماكن الأخرى في مصر، الى دمار مروع. وحدث ذلك عبر الشارع من محلات علي وعيسى وسيد. وقال علي «اهتز المبنى. لم أعرف ما الذي جرى؟ توسلت الى الله أن يكون أي شيء باستثناء قنبلة، لكنه كان تفجيرا».

وقال سامح الجندي الذي يعمل في محل نظارات «كان الحطام في كل مكان، في الشمال وفي اليمين». وانفجرت القنبلة في وقت كانت فيه شوارع السوق القديمة في شرم الشيخ مليئة بالناس الصاخبين، ومعظمهم من المصريين. وكان الباعة في المقاهي يحتسون القهوة التركية والشاي المحلي ويدخنون الشيشة. كانت هناك لحظة صمت وجيزة بعد التفجير، ثم كان هروب الناس بعيدا عن النار والدخان. وقال عيسى «كان الجميع يركضون. وما من أحد يرى الآخر. كانوا يركضون باتجاه بعضهم بعضا».

ووصف كيف خرج من محله ليرى شخصا تمزقت بطنه وخرجت أمعاؤه، وقطعت ساقه اليمنى. وكان هاني، 21 عاما، شقيق عيسى، ممددا على الرصيف، وقد أصيب بجرح بليغ في وجهه. وقد سحبه عيسى الى سيارة أجرة نقلتهما الى مستشفى شرم الشيخ الدولي.

غادر علي محله الذي كان يحتوي على أوراق البردي القديم وأواني النحاس وتِذكارات تمثل عهد الفراعنة، وقد سقطت من الرفوف. وخارج باب المحل كان هناك رجل أصيب في ذراعه. وقال علي باكيا «كان أمرا مرعبا. ما الذي كان بوسعي فعله؟».وشهد سيد أيضا بانوراما المذبحة، وقال «هذا حرام!».

في الشارع، وبعد التفجير مباشرة، جلس علي سيد سعيد، وهو يحدق في زجاج واجهة محل البقالة المحطم الذي يمتلكه. وكان ستة من السياح الايطاليين يبحثون عن ملجأ. ركض سعيد الى الشارع وأوقف سيارة نقلت الايطاليين. وقال «كنت أستطيع سماع الصرخات، ولكنني لم أكن قادرا على رؤية الأجساد. هذه ارادة الله. الله وحده يعلم». بينما كان سعيد يبحث عن سيارة، كان محمد شكعة، المهندس المدني، قد غادر بيته وعاد الى مركز تيران، وهو مركز تجاري في السوق القديمة كان قد شارك في تصميمه. كانت وسائل الإضاءة تتدلى من سقف المدخل والدم على الأرصفة الغرانيتية. وقال «كان هنا الجحيم. تحولت السيارات الى صفراء جراء السيارات المحترقة». وكان يجلس في مطعم ميلودي، وهو يراقب قوات الأمن التي كانت تطوق المنطقة وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى، بينما كانت تتناثر على الرصيف أحذية وقناني ماء وقطع مكسرة من أشياء كثيرة.

كان شيئا مرعبا

* على بعد أميال قليلة من خليج نعمة، وهو على ساحل البحر، توجد فنادق ومطاعم وكازينوهات، لم يسمع كثير من الناس الانفجار الأول. وجاءت الأخبار عبر الهواتف الجوالة. جورج ألبرت، الدليل السياحي، 26 عاما، كان جالسا في مقهى عندما رن هاتفه. وأبلغه صديق بما حدث. ومن باب الاحتياط تحرك الى الشارع العام، متجها نحو البيت. وبينما كان في الطريق حدث الانفجار الثاني الذي ضرب فندق «غزالة غاردينز» مما أجبره على الرجوع.

أحمد صالح، 27 عاما، كان قد أوقف سيارته عبر الشارع. وعلى بعد 100 ياردة أمامه شاهد سيارة بنية اللون وعليها لوحة من طابا (منتجع سياحي الى الشمال على الحدود الاسرائيلية ـ المصرية)، قال ان السيارة تجاوزت حاجزا عند الفندق وصدمت حارسين ثم أسرعت نحو المدخل قرب منطقة الاستعلامات قبل أن تنفجر.

وقال «كان شيئا مرعبا. تطاير الزجاج والأثاث في الهواء وتفجرت النوافذ». وكانت الواجهة البيضاء للفندق محطمة وجزء من السقف منهارا على الارض والأبواب مخلوعة. وكانت هناك نخلة محترقة وسط كميات من الخرسانة والطوب ملقاة في موقف للسيارات. الزجاج المحطم كان منتشرا على بعد مئات الامتار. وجرح بعض الزجاج المحطم أذن صلاح اليسرى. وقال إنه بقي في سيارته حيث نقل 6 أشخاص الى المستشفى. وعندما وقع الانفجار كان خالد القمطي، وهو في الـ 39 من عمره وصاحب قصر الملك وهيب للعطور، يسير الى جوار ألبرت الدليل السياحي. وفي مقهى أبلغه الاصدقاء بالانفجار الاول، وقرر هو الآخر العودة. وبعدها بدقيقة دمر فندق «غزالة غاردينز»، وارتفعت ألسنة اللهب 6 طوابق تقريبا. تراجع الى الوراء، ومثل الآخرين، جرى في الاتجاه المعاكس نحو محله وموقف السيارات. وأوضح «كنا نسأل ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ وبعد خمس دقائق شاهدنا الانفجار الآخر».

قتلى في كل مكان

* وقع الانفجار الثالث والأخير في موقف سيارات على مبعدة من فندق «موفنبيك». قال القمطي انه شاهد ألسنة اللهب فوق «سوبر ماركت» الشيخ عبد الله الذي يواجه موقف السيارات. كانت الجثث متناثرة على الأسفلت. وأدى دوي الانفجار الى تحطيم النوافذ. وقد اقتنع البعض بأنها سيارة متفجرة ثالثة، إلا أن معظم الناس يعتقدون ان الانفجارات كانت داخل حقيبة تركت في موقف السيارات.

القمطي الذي كان خائفا قال «كنت أنظر حولي في كل مكان. كنت اشك في كل شخص. من الذي يحمل حقيبة؟ من لديه قنبلة؟ هل أذهب هناك؟ هل هناك قنبلة؟ كنت أقف في مكاني. الجميع كان يتصور وقوع انفجار آخر. كنا نصيح احذروا احذروا».

كان ألبرت يتعثر، ينزف، ساقه اليمنى مصابة. وقال «نظرت الى ساقي وذراعي وحاولت السير. ثم وقعت على الأرض. في البداية لم يساعدني أحد وأنا أنزف».

«كان المصريون خائفين من الاقتراب مني، كانوا يسبون. وفي النهاية تقدم بريطاني نحوي، وكان المصريون يلقون بقطع قماش للمساعدة على تضميدي».

القمطي كان قلقا على شقيقه علي، 29 سنة، وحاول الاتصال به، ولكن شبكة الهاتف مزدحمة جدا. كان علي قد أغلق محل العطور الذي يملكه في فندق قريب عندما سمع الانفجار. وكان يعلم انه بالقرب من محل شقيقه. وعندما وصل إلى هناك، شاهد بوابة المحل مدمرة. وقال «لقد تصورت انه مات. وعندما شاهدت النوافذ محطمة تصورت وقوع الانفجار في محل شقيقي». وبعدها بدقيقتين التقيا في مقهى «تافرن».

ماتت شرم الشيخ

* بعد الانفجار بحوالي 18 ساعة، لم يكن القمطي قد نام، فالقلق أبقاه مستيقظا، وقال «لقد سافرت لمسافة 600 كيلومتر من القاهرة لشرم الشيخ للعمل. لماذا، يا صديقي قل لي لماذا 600 كيلومتر؟ ليس لها أي معنى على الإطلاق! من سيستفيد من كل ذلك؟ قل لي من سيستفيد مما حدث؟». واجاب علي سؤاله «لقد خسرنا! الناس يخسرون!».

وقال شجاع، المهندس المدني، الذي ظل في المكان حتى الفجر «لقد شاهدت كل شيء بنيتُهُ يُدمر في 15 دقيقة. لقد فقدنا عملنا ومحلاتنا واستثماراتنا. انها كارثة». وعبر الشارع كان جندي صاحب محل «رودانا» للنظرات، يتطلع إلى الزجاج المكسر في محله. وكانت الدماء منتشرة على الرصيف «لقد ماتت شرم الشيخ بالنسبة لنا. كان حلما للجميع بأن يأتي هنا، الآن ضاع الحلم. خلاص. انتهى كل شيء».

ذكرى أليمة

* يتذكر محمد منصور، وهو راقد على فراشه في المستشفى، كل ثانية قضاها بالقرب من خطر الموت في فندق «غزالة غاردينز» يوم الحادث.

منصور، 28 سنة، كان قد ترك للتو الفندق عابرا الشارع، حيث يعمل موظف استقبال، ليجمع النقود والوصولات من المكتب الأمامي في الفندق، وهو أحد المواقع الثلاثة التي تعرضت للهجمات في هذه البلدة الواقعة على البحر والتي خلفت وراءها 90 قتيلا. قال منصور «مع تهيئي لتوديع الزملاء اخترقت شاحنة صغيرة عبر المدخل الزجاجي الفندق بسرعة كبيرة جدا لكنها لم تنفجر. السيارة دخلت بقوة، لكنها وصلت إلى حاجز منعها عن الحركة».

وإذا كان بعض زملائه قد تفرقوا بسرعة عبر السلالم، فإنه ظل جامدا تحت وطأة الدهشة والخوف من وجود إطلاق رصاص. وأضاف منصور «أنا كنت تحت وطأة صدمة هائلة. دخلت الشاحنة لتبقى على بعد 10 أقدام بالضبط في مركز البهو ما بين المدخل المحطم والجدار الزجاجي المطل على حوض للسباحة. وبعد لحظة واحدة ركض حارس أمن عبر البهو، صارخا «هذا إرهابي ادع رجال الشرطة».

وهذا ما أنقذ حياة منصور، إذ أنه في تلك اللحظة استدار وخرج راكضا من مطعم الفندق، عابرا المدخل المحطم وحينما «أصبحت على بعد 10 أمتار منه قبل عبوري منطقة وقوف السيارات التفتّ إلى الخلف فسمعت انفجارا مهولا. شعرت بأنني متشرب بالدم; جواربي وسروالي الداخلي والنقود التي ذهبت أولا لجمعها والتي ما زالت في يدي».

وينتظر منصور مع كلتا ذراعيه المشدودتين أن تجري له فحوص أخرى حالما ينتهي الأطباء من معالجة حالات أكثر خطورة. وهو لا يستطيع أن يحرك مرفقيه وأصيب أحد كاحليه بضرر كبير. وقال إنه يعيش في شرم الشيخ لأكثر من أربع سنوات. وأضاف أن «المشكلة الحقيقية الآن هي أنك لن تشعر أبدا بالأمان مرة أخرى». وأضاف متذكرا بعض أصدقائه الذين لا يعتقد أنهم نجوا «لا بد أن أجسادهم قطّعت إلى أجزاء». وقال بخصوص أولئك المسؤولين عن الهجوم «يجب جلبهم إلى ساحة عمومية ثم يتم قتلهم».

* خدمة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»