موريتانيا: انقلاب أبيض يطيح بنظام الرئيس ولد الطايع.. وإعلان مجلس عسكري يدير البلاد لعامين

أرجع الانقلابيون طائرة ولد الطايع على أعقابها لتحط في نيامي

TT

أعلن بيان بثته وسائل الاعلام الرسمية الموريتانية أمس، الاطاحة بنظام الرئيس معاوية ولد الطايع وإنشاء مجلس عسكري يتولى الحكم في البلاد. وقال البيان ان القوات المسلحة وقوات الامن الوطنية قررت بالإجماع وضع حد نهائي «للممارسات الاستبدادية للحكم البائد التي عانى شعبنا منها خلال السنوات الاخيرة»، على حد تعبير البيان. وأضاف البيان ان هذه الممارسات أدت الى انحراف خطير أصبح «يهدد مستقبل بلدنا وان قوات الجيش والامن قررت بالاجماع انشاء مجلس عسكري للعدالة والديمقراطية».

وتعهد المجلس العسكري في بيانه بخلق الظروف المؤاتية لديمقراطية نزيهة وشفافة يشارك فيها المجتمع المدني وجميع الفاعلين السياسيين في البلاد. وأكد المجلس العسكري انه لن يمارس الحكم أكثر من المرحلة اللازمة، لتهيئة وخلق مؤسسات ديمقراطية حقيقية. وأشار الى ان المرحلة الانتقالية لن تتجاوز سنتين كحد اقصى. ولم يتضمن البيان أسماء أعضاء المجلس العسكري، بيد ان مصادر مطلعة أبلغت «الشرق الأوسط» ان من بين قادة موريتانيا الجدد العقيد علي ولد محمد فال المدير العام للأمن الوطني، والعقيد محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي، والعقيد محمد ولد الغزواني مدير الاستخبارات العسكرية. وفى أول رد فعل دولي حول الانقلاب، دان رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي الفا عمر كوناري في بيان امس «الاستيلاء على الحكم» في موريتانيا. وجاء في البيان ان كوناري «يدين بشدة اي محاولة للاستيلاء على السلطة او اي محاولة لأخذ السلطة بواسطة القوة. وهو يتابع باهتمام المعلومات الواردة من نواكشوط». واضاف البيان «ان رئيس المفوضية الافريقية يؤكد مجددا رفض الاتحاد الافريقي التام للتغيير الحكومي غير الدستوري وتمسكه بالنظام الدستوري».

وتشهد نواكشوط حركة آليات عسكرية، واستولى عسكريون معظمهم من أفراد الحرس الرئاسي صباح امس على مقر هيئة الأركان ومبنى الاذاعة والتلفزيون في غياب الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع، الذي يحكم البلاد منذ 20 عاما، حيث غادر الاثنين الى السعودية لتقديم العزاء بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. وذكرت مصادر ان الجيش منع الطائرة الرئاسية من الهبوط في مطار نواكشوط فجر أمس، وان الرئيس اضطر للتوجه الى نيامي عاصمة النيجر. وانتشرت قوات لم يعرف عددها وآليات مجهزة بأسلحة ثقيلة وبطاريات مضادات للطيران في عدة نقاط استراتيجية في العاصمة واغلقت المداخل المؤدية الى مقر رئاسة الجمهورية والوزارات وقيادات أركان الجيش والدرك والحرس. وسيطرت عناصر من الحرس الرئاسي أيضا على المدخل الجنوبي للمدينة، فيما نشرت عدة سيارات مجهزة برشاشات في محيط مقر الرئاسة واغلقت بعض الشوارع المؤدية الى المبنى الرئاسي.

وتوقف بث الاذاعة والتلفزيون منذ الرابعة صباحا فجر الاربعاء قبل استئنافه بعد الظهر لإعلان الاطاحة بنظام الرئيس ولد الطايع الحاكم في موريتانيا.

وبدت المقرات الحكومية والمباني الادارية شاغرة، فيما الحركة كانت ضعيفة وتم إغلاق مطار نواكشوط أمام الرحلات المدنية ولم تسجل اي مقاومة لسيطرة الحرس الرئاسي على المواقع الحساسة في المدينة باستثناء إطلاق نار غير كثيف بالقرب من قيادة أركان الحرس ونزوح المئات من سكان العاصمة خارج المدينة خوفا من حدوث فوضى أو أعمال عنف واسعة.

وذكرت مصادر متطابقة ان الانقلابيين قاموا في وقت مبكر الاربعاء بتوقيف قادة اركان الجيش والدرك والحرس. وقالت عائلة العقيد العربي ولد جدين قائد اركان الجيش لـ«الشرق الأوسط»، ان عسكريين مسلحين بشكل جيد اقتحموا منزله وقاموا باعتقاله واقتياده الى مكان مجهول. فى حين خرج مئات الموريتانيين بعد ظهر امس الى شوارع نواكشوط للتعبير عن فرحهم بالانقلاب، وجالت مسيرات عدة ابرز شوارع العاصمة الموريتانية مرددة شعارات مؤيدة لقادة موريتانيا الجدد، ومرت مجموعات عدة من المتظاهرين القادمين خصوصا من الاحياء الفقيرة في العاصمة امام مقر الرئاسة الموريتانية وحيت عناصر الحرس الرئاسي المنتشرين امام المبنى. وقال الطالب مصطفى «اننا نتعرض للقمع منذ اكثر من عشرين سنة». وقال امادو ك. من جهته «اصبحت المعيشة غالية. وحدهم الفاسدون والسارقون قادرون على العيش في هذه البلاد».

وقالت عائشة بنت مختار العاطلة عن العمل ان «هدر الاموال العامة واختلاسها والثراء غير الشرعي لمجموعة من الوصوليين هي ابرز ما يطبع حياتنا». وكانت المحال التجارية مقفلة في وسط المدينة، فيما تنتشر آليات مجهزة برشاشات مضادة للطيران في عدد من النقاط الاستراتيجية في العاصمة. ومن المفارقات ان قادة الانقلاب لعبوا دورا كبيرا في إفشال محاولة انقلابية عنيفة جرت في يونيو (حزيران) 2003.

وفي المقابل خرج المئات من أنصار الرئيس ولد الطايع للتظاهر ضد الانقلاب. وناشد بيان للأمين العام للحزب الحاكم كافة القوى السياسية في البلاد التحرك للدفاع عن الدستور والمؤسسات الديمقراطية، وعبر البيان عن رفض الحزب للعنف كوسيلة للوصول الى السلطة، وقال البيان «ان عهد الانقلابات قد ولى، وان المس بالنظام الديمقراطي ومؤسساته المنتخبة مرفوض». وفى مدريد، أعربت الحكومة الاسبانية عن «قلقها» ازاء الوضع في موريتانيا. وجاء في بيان أصدرته الخارجية الاسبانية ان مدريد «تتابع عن كثب التطورات في موريتانيا وتعرب عن قلقها ازاء الوضع في هذا البلد الصديق الذي تربطه باسبانيا علاقات تاريخية وعلاقات للمستقبل ايضا».