برلماني عراقي يكشف لـ تفاصيل أطول ليلة في الجمعية الوطنية شهدت تأجيل موعد تقديم الدستور

الشيعة أصروا على صياغة دستور إسلامي والسنة عارضوا فيدرالية مطلقة والأكراد تمسكوا بحقوقهم

TT

اتفق ممثلو الاطراف الرئيسية المشاركة في صياغة مسودة الدستور العراقي الدائم، على أهمية تقديم تنازلات من اجل الاتفاق على نقاط الخلاف التي أجلت عرض المسودة على الجمعية الوطنية أول من أمس، مشيرين الى ضرورة العمل من اجل عدم حل الجمعية الوطنية، ومؤكدين على الدور الاميركي الذي سيضغط باتجاه اكمال المسودة خلال فترة اقصاها ثلاثة ايام.

ووصف برلماني عراقي عضو في لجنة كتابة الدستور عن «التحالف الكردستاني» ليلة اول من أمس، بانها كانت «اطول ليلة في الجمعية الوطنية»، مشيرا الى ان «اعضاء لجنة الدستور كانوا في سباق مع الزمن من اجل تجاوز الخلافات التي ظهرت في اليومين الاخيرين حول مسودة الدستور، وواضعين امام اعينهم الانتهاء من المسودة في الوقت المحدد او مواجهة حلين، احلاهما مر، هما أما الطلب من الجمعية تمديد فترة تقديم المسودة او حل الجمعية».

وتحدث البرلماني الذي فضل عدم نشر اسمه لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف أمس عن تفاصيل وأحداث اطول ليلة برلمانية عراقية وقال «كنا في الايام الاخيرة الماضية قد اتفقنا على جملة قضايا كان يدور الخلاف حولها، واقتربنا من انجاز مسودة الدستور العراقي الدائم لتقديمها امس (اول من أمس) الى الجمعية الوطنية، لكننا فوجئنا قبل يومين بتصعب مواقف الائتلاف العراقي الموحد (الشيعي) ازاء نقاط كنا قد تجاوزناها وهي: الدين والدولة، قانون الاحوال الشخصية، المجلس الدستوري وتوزيع الثروات الطبيعية وحصة الاقاليم».

وقال عضو لجنة الدستور ان «خلافنا مع الاخوة العرب السنة تلخص في موضوع الفيدرالية، اذ ان من حضر منهم الاجتماعات عارض بشدة موضوع الفيدرالية وقالوا انهم يعترفون بخصوصية وضع اقليم كردستان، لكنهم لا يوافقون على ان تكون فيدرالية كاملة، بل يريدونها أشبه بالحكم الذاتي كما انهم لا يعترفون باللغة الكردية كلغة ثانية في البلاد ويريدون ان يقتصر استخدامها في اقليم كردستان حصرا، وعارضوا اقامة اقاليم فيدرالية اخرى في العراق»، وأشار الى ان «العرب السنة أبدوا 60 اعتراضا على النصوص التي تمت مناقشتها». وأوضح قائلا «قلنا للعرب السنة اذا كنتم تخشون من اقامة فيدراليات اخرى فليكن العراق اقليمين فيدراليين، واحد لمنطقة كردستان والثاني لباقي العراق، ويسمى اقليم الرافدين مثلا ويطبق فيه الحكم اللا مركزي».

وأضاف عضو لجنة الدستور قائلا «كانت كل جهة متمسكة بآرائها ولم يتنازل أي احد عن طروحاته». وتحدث عن الخلافات بين التحالف الكردستاني والائتلاف الشيعي فقال «برز الخلاف حول قانون الاحوال الشخصية اولا، اذ ان الاخوة في الائتلاف الشيعي يريدون الغاء قانون الاحوال الشخصية الصادر عام 1959، وهو قانون متكامل لا تخالف مواده ونصوصه الدين الاسلامي، بل يستند تماما الى مبادئ الدين الاسلامي ويحمي حقوق المرأة والابناء ويحافظ على بناء العائلة العراقية، وبذلك نراه قانونا متطورا افضل مما يريده الاخوة، وهو تطبيق الشريعة، وهذا يعني ان نشكل محاكم للمذاهب السنية الاربعة وأخرى للمذهب الجعفري وتحليل زواج الرجل من اربع نساء من غير الرجوع الى زوجته، وهذا سيجر العائلة العراقية الى مشاكل كثيرة».

وقال «اما فيما يتعلق بموضوع الدولة والدين فقد كنا قد اتفقنا على ان يكون النص في مسودة الدستور كالتالي: الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر للتشريع ولا يجوز اصدار قانون يخالف الثوابت المجمع عليها. لكن الاخوة في الائتلاف الشيعي غيروا رأيهم وقالوا يجب ان يكون النص: الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع ولا يجوز اصدار قانون يخالف ثوابت الاسلام. وهذا بالنسبة لنا غير مقبول، ونحن عارضنا اقامة دولة اسلامية او العودة الى الشريعة في قوانين الدولة».

وأشار الى ان «الخلافات شملت موضوع القسم القانوني، فممثلو الائتلاف الشيعي اصروا على ان تكون صيغة القسم (أقسم بالله العلي العظيم) بينما أصر ممثلو العرب السنة على ان يكون نص القسم (أقسم بالله العظيم)، معتبرين ان مفردة العلي تعني ان القسم شيعيا، مع ان غالبية فلاسفة الاسلام يعارضون إلحاق اية صفة بالله، كونه هو الخالق وهو أجل من ان تلصق به صفة كالعظيم او العلي».

وقال «حرص ممثلو الائتلاف الشيعي على حشو مواد الدستور بالمفردات الاسلامية لتظهر المسودة وكأنها دستور اسلامي، مثلا (الدستور يصون الشعب العراقي المسلم)، و :الدستور (يصون الاسلام)، ونحن قلنا نضع كلمة (يحترم) بدلا من يصون، ثم اصروا على وضع (احترام الدستور للشعائر الحسينية)، وان تحترم الدولة «المرجعية العليا وخصوصيتها ولا تتدخل في شؤونها، ونحن اضفنا وان لا تتدخل المرجعية في شؤون الدولة فرفضوا».

وتابع البرلماني العراقي حديثه قائلا «نحن حرصنا على تشكيل المحكمة الاتحادية والمجلس الدستوري، فنحن لا نريد دستورا عائما، والمحكمة الاتحادية هي التي ستنظر في الخلافات والنزاعات الاقليمية، ونريد لها صفة قضائية ودستورية. لهذا يجب ان تتكون من القضاة فقط. بينما اصر الائتلاف الشيعي على ان تضم رجال دين وسياسيين، اضافة الى القضاة».

وعبر عضو لجنة الدستور عن اعتقاده بأن «الجميع حريصون على عدم حل الجمعية، فالخاسر الاكبر في هذه الحالة سيكون الشعب العراقي والسياسة العراقية والسياسة الاميركية التي دعمت وما تزال العملية السياسية في العراق».

وأوضح قائلا «من الممكن ان نقول اننا نحن الاكراد لنا مؤسساتنا الدستورية ووضعنا المستقر في اقليم كردستان ولن نخسر أي شيء، وكذلك قد يقول الائتلاف الشيعي ان الحكومة ستبقى بأيديهم حتى الانتخابات القادمة وسيقللون من خسائرهم، وقد يقول العرب السنة ان آراءنا بعدم نجاح هذه الحكومة او الجمعية الوطنية جاءت في محلها، لكنني اكرر ان حل الجمعية سيكون خسارة وخيبة امل للشعب العراقي».

ونبه البرلماني العراقي الى ان «الادارة الاميركية حتى الآن لم تمارس أي ضغوط على القيادة العراقية، وان حضور السفير الاميركي زلماي خليلزاد بعض جلسات الجمعية الوطنية كان من اجل الاستماع والتقريب بين وجهات لنظر، لا من اجل الضغط، وأنا متأكد من ان الادارة الاميركية ستمارس ضغوطها بشدة من الآن فصاعدا من اجل انجاز مسودة الدستور وخروج الجميع بلا خسائر».

ووصف جلسات ليلة أول من امس بانها «اتصفت بالهدوء ولم يخرج احد عن آداب الحوار»، وقال «لسنا وحدنا نحن الاكراد من كنا ندافع عن هذه الافكار والطروحات، بل كان في ذات الصف ممثلو القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور اياد علاوي (رئيس الحكومة العراقية السابق) وكذلك الحزب الشيوعي العراقي وغازي الياور والدكتور حاجم الحسني».

من جهته، نفى الدكتور حسيب عارف عضو لجنة الدستور من العرب السنة ان يكون لمجموعة الـ 15 السنية التي شاركت في لجنة كتابة الدستور دور في تأجيل تقديم مسودة الدستور، وقال «لسنا نحن اصحاب المشكلة لأنها مشتركة بين القائمة الكردستانية وقائمة الائتلاف العراقي الموحد». وقال عارف لـ«الشرق الاوسط» ان «هنالك الكثير من القضايا انصب حولها الخلاف هي في صلب الدستور، تمثلت في الصلاحيات والسلطات والثروة ودور الدين واللغة والضمانات الدستورية وما يتعلق بقضايا الحقوق والواجبات، ولا بد من التنازل من قبل جميع الاطراف للوصول الى النقطة المشتركة المتمثلة في العراق الديمقراطي التعددي».

وكشف عارف عن تفاصيل النقاط العالقة موضوعة البحث والنقاش قائلا «ان مجموع النقاط الخلافية كانت بحدود 18 نقطة، وقد قلصت في اليوم الذي سبق الاعلان عن مسودة الدستور الى 4 فقط. إلا انه في يوم الاعلان عن المسودة قفزت الى السطح العديد من القضايا الخلافية بلغت 66 نقطة وقد اصبحت الفجوة كبيرة جدا». وفيما يتعلق بالضغوط الاميركية قال «من حق الولايات المتحدة الاميركية ان تضغط على اية جهة لان لها اجندتها الخاصة ولديها قواعد محددة تريد تنفيذها وتواريخ مثبتة في قانون ادارة الدولة تعتبرها مقدسة لتحقيق ما تريده في العراق». وعن النقاط التي اعترض عليها السنة قال عارف «هنالك قضايا رئيسية عديدة منها النظام الاتحادي الذي لدينا تحفظات عليه واقترحنا ترحيله الى الجمعية الوطنية القادمة لتقرير النظام الاداري في العراق، وهو قرار شعبي وليس حزبيا سياسيا، وثانيا موضوع ازدواج الجنسية، وهذا المبدأ نرفضه كليا، كما اننا لسنا مع فكرة ادراج المرجعية الدينية في الدستور لكي لا تحول القضية الروحية للمرجعية الى مسألة قانونية كون المرجعية اسمى من ذلك».

من ناحيته، قال جواد المالكي الرجل الثاني في حزب الدعوة الاسلامية العراقي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري لوكالة الصحافة الفرنسية «ستجري اليوم (امس) جولة جديدة من المناقشات بين الاطراف المختلفة أملا في حل المسائل العالقة في مسودة الدستور».

ورأى «اذا صار هناك توجه لدى الاطراف لتجاوز العقبات فأعتقد ان بالامكان تجاوز هذه الخلافات في يوم واحد فقط».

وأوضح المالكي، وهو عضو لجنة كتابة الدستور عن لائحة الائتلاف الشيعية «اذا اجتمعنا مع وجود النية لحل مبدأين اساسيين هما وحدة العراق وما يتفرع عنها من اقاليم، والاسلام وعلاقة الدين بالدولة، فبامكاننا ان ننتهي هذا الاسبوع».

وحول كيفية حل بعض المسائل العالقة وخصوصا مبدأ الفيدرالية الذي يعارضه العرب السنة، قال المالكي «المهم ان ننتهي وليس بالضرورة ان تقبل المسودة 100% من كل طرف، سواء كان هذا الطرف سنيا او شيعيا او كرديا، فالمهم ان توافق الغالبية العظمى عليها».

وتابع «على كل حال ان الشعب العراقي هو الذي سيقرر في نهاية المطاف من خلال الاستفتاء الشعبي العام مصير مسودة الدستور».

من جانبه، اقر راسم العوادي، عضو لجنة كتابة الدستور عن القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي انه «ليس امام الجميع من خيار آخر سوى الانتهاء في الوقت المحدد وإلا فان الجمعية الوطنية ستحل».

واعتبر العوادي ان «هناك اتفاقا حول الكثير من النقاط العالقة الـ 18 ولم يتبق سوى نحو ثلاث مسائل عالقة تتعلق بالفيدرالية والسلطات الاتحادية والأقاليم وتقاسم الثروات»، مشيرا الى ان «هذه المسائل لا زالت شائكة وعليها تباين في وجهات النظر».

وحول سبب عدم التوصل الى اتفاق قال «نحن نحاول اخراج دستور يلبي طموحات الشعب ويرضي جميع الاطراف، لهذا فان مهمتنا ليست سهلة».

اما محمود عثمان، القيادي الكردي وعضو لجنة كتابة الدستور، فقد اكد ان «الجميع مهتم بإنجاز المهمة في وقتها المحدد على الرغم من الخلافات حول العديد من المسائل». واعرب عن ارتياحه لتمديد المهلة.

وأكد عثمان ان «المناقشات ستتكثف خلال الايام السبعة المتبقية، فالكل وعد بإنجاز المهمة في وقتها المحدد، ويعلم ان لا خيار امامه سوى حل الجمعية الوطنية والعودة الى نقطة الصفر».

من جانبه، اعتبر منذر الفضل عضو لجنة كتابة الدستور ان «المشكلة الاساسية بين القائمتين الرئيسيتين (الشيعية والكردية) هي حول مواضيع حق تقرير المصير للشعب الكردي وتقاسم السلطات والثروات وصلاحيات رئيس الاقليم السيادية ودور الدين في الدولة، بالإضافة الى مواضيع اخرى اقل اهمية».

وأوضح ان «فشل المفاوضين في التوصل الى اتفاق في المهلة لا يشكل ازمة سياسية إلا في حالة عدم التوصل الى اتفاق في المهلة المحددة الجديدة في الثاني والعشرين من الشهر الحالي». وأضاف الفضل، العضو العربي والخبير القانوني في قائمة التحالف الكردستاني «اذا لم تتوصل الاطراف الى اتفاق في المهلة المحددة فان البلاد ستدخل في ازمة سياسية حيث تحل الجمعية الوطنية والحكومة الحالية لتصبح حكومة تسيير اعمال لحين اجراء انتخابات جديدة».