أياد علاوي: العراق يمضي نحو الهاوية ويواجه كارثة.. والتدخل الإيراني واقع فعلا

كشف لـ«الشرق الأوسط» أنه تعرض لثلاث محاولات اغتيال آخرها أرادت تنفيذها «مجموعة من بلد مجاور»

TT

قرع الدكتور اياد علاوي الرئيس السابق للحكومة العراقية ناقوس الخطر بخصوص مستقبل العراق الذي يرى انه يمضي «نحو الهاوية» ويمكن ان يواجه «كارثة ستشمل بآثارها المنطقة والعالم»، مشيرا الى سياسات ومواقف من قوى داخل العراق واخرى اقليمية تعمل على «تمزيق النسيج الاجتماعي» في العراق وابعاد البلاد عن محيطها العربي والاسلامي.

واعتبر علاوي في مقابلة مع «الشرق الاوسط» اجريت اثناء وجوده في العاصمة البريطانية خلال الايام الماضية أن ما ينقذ العراق هو «حكومة وحدة وطنية» تجمع شمل العراقيين وتنبذ المحاصصة الطائفية وتمنع التدخل الاجنبي في الشأن العراقي.

وكشف علاوي عن تعرضه أخيرا لثلاث محاولات اغتيال كان آخرها قبل حوالي الشهر وحاولت تنفيذها «مجموعة من بلد مجاور».

* كيف تقيم لنا الوضع العراقي الراهن؟

ـ الوضع العراقي يثير القلق، ومن المخاطر الاساسية التي يمر بها العراق حاليا تصدع الوحدة الوطنية وغياب مؤسسات الدولة والركود بل الجمود في الوضع الاقتصادي. وهناك غياب في التصور للتوجه الى الامام. لهذا فان القوى المعادية، سواء في الداخل او في الخارج، تحاول ايقاف عجلة التطور. اليوم نجد غيابا حتى للمؤسسات التي بنيناها خلال فترة حكومتنا القصيرة وأعني المؤسسات القضائية ومؤسسات الأمن والشرطة والمخابرات والجيش. هناك فراغ خطير جدا في هذه المجالات.

* لنتحدث عن اكثر الامور أهمية وهي الخدمات العامة.. كيف تقيمون الخدمات المقدمة للعراقيين اليوم؟

ـ في هذا المجال اذكر اننا، خلال حكومتنا، استطعنا مثلا ان نحقق درجة عالية من وصول الطاقة الكهربائية للمواطنين بواقع 3 ساعات وجود للتيار الكهربائي وساعة انقطاع واحدة. الان الانقطاع يزيد عن 12 ساعة والتيار يصل لساعة واحدة فقط. الخدمات الاخرى تتردى. لنأخذ مثلا الخدمات الصحية وهي مهمة للغاية، تصوروا منذ الانتخابات (جرت في نهاية يناير / كانون الثاني الماضي) وحتى اليوم اختفى الف طبيب عراقي إما اغتيالا او اختطافا والاخرون تركوا البلد حفاظا على حياتهم. هذا ينعكس على توفير الخدمات الصحية وحماية المواطن والبلد. الخدمات منعدمة تقريبا وخاصة الجانب الأمني، وكلنا شاهدنا ما حدث من مأساة على جسر الأئمة. كل شيء يتراجع، الامكانيات والاداء ، وهذا الموضوع يصب باتجاه الايغال في تمزيق النسيج الاجتماعي. وما يزيد من خطورة الاوضاع انه بدأ الحديث على المستويات الرسمية والشعبية عن سنة وشيعة ، وخلال مناقشات الدستور كانت قضية المحاصصة الطائفية بارزة. هذا لا يصب في مصلحة العراق او العراقيين ولا يخدم البلد.

ومن المخاطر ايضا اتساع وجود الميليشيات المسلحة واتساع سيطرتها ، وهذا يشكل خطرا مضاعفا على الوحدة الوطنية في العراق. هذا الوضع مرشح للتدهور اكثر، وحتى اذا لم يزدد سوءا سيكون قاتلا للعراق وخطرا على المنطقة كلها.

* وما هو الحل؟

ـ مطلوب عمل جاد وسريع ووعي كامل بما يحصل حتى نستطيع وضع العراق على طريق المعافاة في الانتخابات القادمة. هناك حلول عديدة، الانتخابات بحد ذاتها مهمة، وفي احاديثي مع القادة العراقيين والقادة العرب والغربيين اقول ان الدستور ليس هماً للعراقيين الان. همهم هو الأمن والخبز اليومي والدواء والعمل. لدينا جيوش من العاطلين عن العمل، فالذين سرحوا والغيت دوائرهم بعد سقوط النظام السابق انضموا الى الذين تعطلوا بسبب الحروب والمشاكل والحصار في ظل النظام السابق. العراق بحاجة الى اعادة نظر جذرية من خلال الانتخابات لقيام حكومة وحدة وطنية.. حكومة تعبر عن العراقيين تؤمن وحدتهم وقادرة على اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب. هذا هو الحل الوحيد ويجب ان يحصل من خلال نهوض للقوى الوطنية التي تؤمن بالوحدة الوطنية ووحدة العراق وكرامة المواطن العراقي، وان تكون هذه القوى مدعومة من البعدين العربي والاسلامي.

* في اعتقادكم هل للولايات المتحدة أي دور في تعقيد الامور في العراق؟

ـ حصلت اخطاء كثيرة من قبل الاميركيين، منها حل الجيش واجتثاث البعث وحل مؤسسات الدولة. هذا ادى الى تعطيل الدولة العراقية وحصول حالة فوضى نعيش اليوم جزءا منها. بعد انتقال السيادة استطعنا خلال فترة قصيرة معالجة بعض الامور وبعضها بقي معلقا. ومنذ الانتخابات صار العراق يسير باتجاه الهاوية.

* هل تقع مسؤولية إنقاذ العراق على العراقيين وحدهم؟

ـ انقاذ العراق اليوم مهمة وطنية وعربية واسلامية ودولية. يجب ان تتظافر كل القوى باتجاه المحافظة على الوحدة الوطنية وتكريسها من خلال برنامج واضح ومحدد وهادف والعمل على بناء موسسات الدولة وتكريسها. انا شخصيا وبكل اعتزاز اذكر ان دولا عربية وقفت معنا في محاولة تأهيل القوى العاملة العراقية حتى تعمل على بناء البلد، منها الاردن والامارات ومصر والسعودية والمغرب. وخلال زيارتي للسعودية بدأنا التنسيق والعمل على الجانب الأمني بما يخدم العراق والسعودية وكانت هناك اجواء ايجابية جدا. المهمة الان هي مهمة العراقيين والقوى الوطنية العراقية ومهمة الدول االعربية والاسلامية ودول العالم كافة. هذا ما هو مطلوب، وبخلافه سيسير العراق نحو الكارثة التي إنْ حدثت فإن آثارها ستشمل المنطقة والعالم اجمع ككل، ذلك ان العراق هو من اهم بلدان المنطقة. لهذا فانني في كل مناسبة اذكر ان سلامة العراق تعني سلامة المنطقة بل وسلامة العالم. لهذا اقول اننا بحاجة الى دعم عربي واسلامي، فقد اصبح من مصلحة الدول العربية والاسلامية ان يتحقق الاستقرار في العراق ودعمه لينهض من هذه الكبوة، وهذا مطلب مهم واساسي واذا لم تفق الدول العربية والاسلامية لهذه الحقيقة فستكون المأساة كبيرة.

* التقيت قادة عرباً خلال جولتك الحالية، كما التقيت توني بلير. ما هي نتائج هذه اللقاءات؟

ـ نتائجها المهمة هي ان هناك تفهما كاملا للدور الذي يجب ان تلعبه الدول العربية والاسلامية ودول العالم. كان لقائي مع رئيس الوزراء البريطاني واضحا وشفافا وكان هناك توافق كامل تقريبا في وجهات النظر، فهناك تشخيص واضح وواقعي، وهذا شيء جيد، وهناك رغبة في العمل المشترك لمساعدة العراق. وعلي هنا ان اشير الى شيء مهم يتعلق بالموقف من الكارثة الاخيرة التي حدثت على جسر الأئمة، فقد كان هناك اسراع عربي في تقديم المساعدات، فالامارات سيرت جسرا جويا لتقديم المساعدات، والسعودية تبرعت، وكذلك الاردن والكويت ودول عربية اخرى. هناك حقيقة تفهم واستعداد للعمل من عدة دول، وأملي ان هذا سيترجم الى امر واقعي على الارض.

* محاولة ابعاد العراق عن حاضنته العربية والاسلامية لصالح من؟

ـ لا ادري لصالح منْ عزْلُ العراق عن محيطيه العربي والاسلامي. هذا سيلحق الضرر الكبير بالعراق وبالمنطقة. نحن يجب الا ننسى ان للعراق بعدين اساسيين هما العربي والاسلامي، والعراق لعب دورا مهما على الصعيد العربي منذ تشكيله مرورا بعصبة الامم المتحدة وبمواقفه من الصراع العربي الاسرائيلي الذي تحول الان من صراع الى محاولات سلام. واذكر ان العراق كان جزءا من حلف بغداد الذي كنا ضده ، وكان ذلك دليلا على اهمية العراق. اتوقع ان الجهات التي تحاول ان تدفع العراق عن محيطيه العربي والاسلامي هي جهات تحاول الاضرار بالعراق اولا وبالمنطقة ثانيا، لان استقرار العراق وسلامته من استقرار المنطقة، وإبعاد العراق لا يقع في خدمة العرب اطلاقا ولا في خدمة الدول الاسلامية.

* هناك احاديث عن تدخل ايراني في العراق ترى ما هو حجم هذا التدخل؟

ـ نعم هناك تدخلات ايرانية حقيقية. دعني اذكر لك هذه القصة لتتصور مدى هذا التدخل: في الانتخابات السابقة زار العراق مسؤولون ايرانيون ضمن وفد رسمي رفيع المستوى وقد قال هؤلاء لقادة احزاب عراقية بصراحة ان لايران خطوطا حمراء على اياد علاوي، وانها لا ترغب في بقائه رئيسا للوزراء. كما تدخلت ايران بكل ثقلها في الانتخابات لصالح جهات معينة. كنت وما ازال ادعم سياسة الاحترام المتبادل بين العراق وجيرانه، سياسة تقوم على شبكة من المصالح بين العراق وبين دول الجوار بما فيها ايران، والابتعاد عن التدخل في الخصوصيات. عندما كنت رئيسا للحكومة استقبلت السفير الايراني وقلت له ان تدخلهم لن يخدم احدا واننا في العراق نحترم جيراننا ونحترم عدم التدخل في شؤون الجار، ولهذا اوقفنا نشاطات «مجاهدين خلق» واعتبرناهم لاجئين سياسيين ونأمل من ايران ان تتعامل مع العراق بالمثل. اعتقد ان التدخلات الايرانية لن تجدي نفعا في النهاية وسوف تكون محصورة ولن تخدم الاستقرار، وبالتأكيد لن تخدم وضع العراق. ان قيام مسؤول ايراني بابلاغ قادة سياسيين عراقيين ان لايران خطوطا حمراء على اياد علاوي، ولن تسمح له بان يكون رئيسا للوزراء مرة اخرى، هو تدخل سافر. ليس المهم موقع رئاسة الوزارة لكن المهم التدخل ذاته. لن يبيح اي سياسي عراقي لنفسه التدخل في الشأن الايراني والقول ان للعراق خطا احمر على أي سياسي ايراني. لم نتدخل في الانتخابات الايرانية الاخيرة ولم نقل عندنا خط احمر على هذا او ذاك.

* كيف تنظرون الى دور الاعلام الاقليمي والعربي والمحلي في القضية العراقية؟

ـ هناك للاسف مواقف معادية للعراق من بعض القنوات الاعلامية . اكثر من 12 قناة فضائية تبث من دولة مجاورة او من داخل العراق مدعومة خارجيا وتبث سمومها بين العراقيين وبالتالي بين العرب. وهناك جهات لها اعلامها الخاص والممول للأسف خارجيا، وهذا لا يخدم القضية العراقية ولا العراقيين، نحن بحاجة الى الدعم الاعلامي لنوضح للعرب وللمسلمين وللعالم الاخطار التي تهدد العراق وبالتالي تهدد العالمين العربي والاسلامي. لا اتحدث عن جميع وسائل الاعلام فهناك وسائل اعلامية مواقفها شريفة وواضحة ونقدر لها هذه الوقفة، وهناك وسائل اعلام تتعمد المساهمة بتدمير العراق.

* ما حقيقة ما سمعناه عن محاولات لاغتيالك؟

ـ في الفترة الاخيرة حدثت ثلاث محاولات لاغتيالي ، آخرها قبل اقل من شهر، وتم القبض على افراد المجموعة المسؤولة عنها، ويتم التحقيق معهم وهم من دولة مجاورة، واتمنى الا تكون لاجهزة هذه الدولة الرسمية يد فيها. ابلغتنا بها اجهزة استخبارات صديقة والقوات متعددة الجنسيات قبضت على افراد المجموعة.لا اريد التعليق الان حتى تظهر نتائج التحقيقات واتمنى الا تكون اجهزة الدولة المجاورة التي جاءت هذه المجموعة منها لها اصابع في هذه المحاولة او غيرها.

* ماذا تهيئون للانتخابات المقبلة؟

ـ نحن نهيئ ما يمكن تهيئته للانتخابات القادمة ونأمل ان نخرج بكيان وطني ليبرالي عراقي يؤمن بالعراق وبكرامة العراق وبوحدة العراق وسنخوضها بشكل مشترك مع قوى اخرى.

* المؤتمر الذي ستعقدونه نهاية الشهر الحالي في بغداد هل هو لتكوين جبهة انتخابية؟

ـ ليس لتكوين جبهة انتخابية بقدر ما هو مؤتمر مصمم لاستقطاب القوى الوطنية الليبرالية العراقية للعمل بصورة مشتركة. والقوى الوطنية هي ليست بالضرورة القوى الديمقراطية وحدها وانما هناك قوى اسلامية تقع ضمن هذا التعريف وستشارك في هذا المؤتمر. اتوقع ان يكون النجاح حليف هذا المؤتمر وان تكون هذه مبادرة خير. وبالتأكيد فان نجاح هذا المؤتمر سيحقق نوعا من الترابط الذي يهيئ للوصول الى قائمة انتخابية مشتركة للقوى الوطنية في العراق.