قرار المجموعة الأوروبية يؤجل إحالة إيران إلى مجلس الأمن ولا يلغيها .. وموسكو تعارض

وزراء الترويكا: طموحات طهران النووية ليست سلمية

TT

علق مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية جلساته للمرة الثانية أمس لاتاحة الفرصة للحصول على إجماع حول قرار يصدره بشأن الملف النووي الايراني. وفاجأت مسودة القرار المطلعين إذ لم تطالب برفع الشأن الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثلما كان متوقعاً، مكتفياً بإحالة المسألة الى اجتماع مجلس امناء الوكالة القادم. ورفضت روسيا تعديل القرار أمس، اذ يبقى احتمال احالة ايران الى مجلس الأمن مفتوحاً، الا ان التعديل يؤجله بعض الشي. ولم تتوقف الضغوط الاوروبية على ايران، اذ كررت بريطانيا وفرنسا والمانيا انتقاداتها تجاه طهران أمس في رسالة مفتوحة شككت بنوايا برنامجها النووي. ورد الرئيس الايراني بالتأكيد على استعداد قواته المسلحة للدفاع عن البلاد، محذراًً: «جام غضب الامة الايرانية سيكون مدمراً ولاهباً».

وكانت المجموعة الاوروبية قد رفعت لمجلس امناء الوكالة في فيينا صباح امس مشروع قرار جديد أكد كسابقه على تجاوزات ايران النووية وضرورة التزامها باتفاقية الحد من التسلح. الا ان القرار كان مفاجئاً، اذ لم يستخدم لغة حادة ضد ايران، كما لم يطالب برفع ملفها النووي الى مجلس الأمن. واكتفى الاوروبيون بمطالبة مدير عام الوكالة محمد البرادعي برفع تقرير لمجلس الأمناء القادم، والذي ينعقد نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وعلى ضوء ذلك يقرر المجلس اذا كان سيخطر مجلس الامن لاحقاً. يذكر ان مشروع القرار هذا لم يسمِّ مجلس الأمن، مكتفياً بالاشارة الى البندين «12 c و 3 b.4. » من ميثاق الوكالة، اللذين يجيزان لمجلس الأمناء إعلام مجلس الأمن بأي حالة تجاوز.  واعتبر مطلعون مشروع القرار بأنه انتصار لايران، اذ يمنحها فسحة من الوقت للحوار الدبلوماسي. كما في القرار نصر للوكالة بابقاء الامر تحت سيطرتها وتأكيدا لوحدتها. ورأت بعض المصادر القرار بأنه نجاح لروسيا التي تعارض احالة الملف الايراني لمجلس الأمن. الا ان السفير الروسي غريغوري بردنيكوف اعلن رفضه لنص المشروع أمس. وانتقد السفير المشروع بأنه لم يحسم الموضوع، معلقاً لوكالة الصحافة الفرنسية بأن المشروع «مثل طائرة لا يمكنها التحليق».

وحاول الاوروبيون تبرير ما اعترى موقفهم من تغيير وإظهاره كمحاولة للحفاظ على وحدة مجلس الأمناء واهتمامهم ان تصدر قراراته بالاجماع. واكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الاوسط» ان الاصرار الروسي بضرورة تهدئة القضية لعب دوراً اساسياً في تغيير الموقف. وكان رئيس الوفد الروسي قد اكد في كلمة امام مجلس أمناء الوكالة صباح أمس ان بلاده متمسكة بقوة اصدار المجلس قراره بالاجماع. وتابع معارضة روسيا تجزئة القرار، ولذلك فإنها ترفض تصعيد الامر برفعه لمجلس الأمن. وأكد ان «ايران تستحق ان تعامل بعدل» منادياً بمزيد من الصبر والدبلوماسية. ومن جانبه، حاول رئيس الوفد الايراني محمد زاخندة عدم تصوير الامر كنصر لايران، مكتفياً عند حديثه للصحافيين بالتشديد على اهمية ما يعكسه اجماع المجلس على القرار. واعتبر مسؤول ايراني رفيع المستوى موقف ايران الثابت دفع الاتحاد الاوروبي الى التراجع عن طلب احالة الجمهورية الاسلامية الى مجلس الامن. وقال الناطق جواد وعيدي المسؤول المساعد للشؤون الدولية في المجلس الايراني الاعلى للأمن الوطني المكلف الملف النووي ان معارضة روسيا والصين كانت سبباً آخر حال دون احالة الاتحاد الاوروبي طهران الى مجلس الامن لفرض عقوبات محتملة.

ونلقت الوكالة الايرانية الرسمية عن وعيدي قوله للصحافيين في فيينا: «يريد الاوروبيون والاميركيون تضمين القرار النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية مهلة زمنية او آلية تسمح باحالة الملف الايراني الى مجلس الامن في غضون بضعة اشهر». واضاف:«اذا حصل ذلك، سترد ايران وستوقف تطبيقها للبروتوكول الاضافي» الذي يسمح باجراء عمليات مراقبة معمقة ومفاجئة للمنشآت النووية الايرانية.

وفي طهران، وجه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد أمس تحذيراً شديد اللهجة الى اي دولة قد تفكر في مهاجمة ايران في كلمة القاها خلال استعراض عسكري في طهران تضمن ستة صواريخ بعيدة المدى من طراز «شهاب 3».

وقال الرئيس الايراني في كلمة القاها في ذكرى اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية (1980 ـ 1988): «لقد ادرك اعداؤنا اننا جادون للغاية في الدفاع عن امننا»، في اشارة الى الولايات المتحدة واسرائيل. وحذر من اي هجوم على الجمهورية الاسلامية، مؤكداً «ان كان البعض يريد معاودة تجربة الماضي، فان جام غضب الامة الايرانية سيكون مدمراً ولاهباً وسنعتمد على الشعب وعلى قواتنا المسلحة لجعله (العدو) يندم عن عمله».

وشمل الاستعراض الذي جرى امام ضريح الامام الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية ستة صواريخ بعيدة المدى من طراز «شهاب 3» كتب عليها «الموت لامريكا» و«سندوس على الولايات المتحدة» و«يجب محو اسرائيل عن وجه الارض».

واكد أحمدي نجاد ان القوات المسلحة الايرانية «مهيأة للدفاع عن البلاد»، داعياً الى تطوير «الصناعات العسكرية واستخدام التكنولوجيات المتطورة».

وفيما تستمر المداولات في فيينا، عمد وزراء خارجية الدول الثلاث (بريطانيا وفرنسا والمانيا) والممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية الى نشر رسالة مفتوحة أمس، موجهة الى إيران والى الرأي العام العالمي. وكانت الرسالة أشبه بمذكرة اتهام تتضمن ثبتاً بمخالفات طهران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية باريس الموقعة بينها وبين الترويكا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. ولمَّح الوزراء الثلاثة وخافيير سولانا الى سعي ايران الى الحصول على أسلحة نووية. وشككت الرسالة، المنشورة في صحيفة «لوموند» الفرنسية امس، بكل ما صدر عن طهران من أنها تريد الحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية. وبحسب الرسالة، فإنه كان يتعين على مجلس حكام الوكالة نقل الملف الإيراني الى مجلس الأمن عندما اكتشفت، قبل ثلاثة أعوام، تفاصيل البرنامج النووي الإيراني. وتسرد الرسالة بالتفصيل نفي إيران امتلاكها لأجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، ونفيها الحصول على مساعدة خارجية (باكستانية)، لكنها عادت واعترفت بذلك بعد توافر الدلائل التي تؤكد عكس تلك الادعاءات.

وتدحض الرسالة حجج طهران حول حاجتها للبرنامج النووي السلمي، فمن جهة «ليس ثمة منطقاً اقتصادياً» يبرر حاجة طهران للطاقة النووية. وتتابع الرسالة ان إيران لا تملك حتى الآن أية مفاعلات نووية تحتاج للوقود النووي. وخلصت الرسالة الى أن إصرار إيران على امتلاك دورة الوقود النووي «لا يتلاءم مع أي منطق عقلاني أو اقتصادي»، ما يعني أن غرضها الحقيقي مختلف تماماً، في اشارة الى انتاج الوقود للسلاح النووي.

ووجه وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا وخافيير سولانا أصابع الاتهام الى طهران قائلين: «إذا استمرت طهران على هذا الطريق الذي تسلكه حاليا، فإن مخاطر انتشار السلاح النووي كبيرة جداً». وخلصوا الى ان «ثمة أسباباً وجيهة تجعلنا نتخوف من أن الطموحات النووية لإيران ليست فقط سلمية».