المساعدات الدولية: وصفة للإنقاذ أم للإفقار

في النيجر.. أنقذت حياة الملايين لكنها دمرت المحاصيل الزراعية

TT

الصور القادمة من هذا البلد الفقير في غرب أفريقيا تعبر عن بؤس شديد: أطفال جوعى بأذرع رفيعة مثل العصي وبطون منتفخة، وأمهات يحملن أطفالا لمئات الكيلومترات بحثا عن الطعام بعد محصول زراعي منخفض وأسعار مرتفعة للمواد الغذائية الرئيسية.

قبل عدة اشهر، أدت هذه الصور الى سيل من المساعدات الغذائية من الدول الغربية. لكن الآن، وبعد موسم من الأمطار الجيدة، أنتج المزارعون النيجريون محصولا زراعيا جيدا من الدخن، وهو المحصول الغذائي الرئيسي.

وهذا أمر يفترض أن يؤدي الى الفرحة والابتهاج، لكن في واحدة من المفارقات التي تميز الحياة في أفقر دول العالم، يمكن للمساعدات الغذائية التي تهدف الى إنقاذ حياة الملايين، أن تؤدي الى تدمير المحصول بالنسبة للعديد من المزارعين بسبب انهيار الأسعار.

فالمحصول الجيد من الدخن والمساعدات الغذائية يصلان الى الأسواق في نفس الوقت. وربما يضطر المزارعون الفقراء، مع انهيار الأسعار، الى بيع المحاصيل التي يحتفظون بها لاستخدامهم الشخصي، واستخدام المال في دفع ديونهم. ويمكن لمثل هذا السيناريو أن يؤدي الى دورة جديدة من المجاعة والفقر.

ويوضح الدكتور ادوارد كلاي، من معهد التطوير الدولي وهو مركز أبحاث مستقل في لندن، أن «تأخر وصول المساعدات الغذائية سيؤدي الى عرقلة خروج البلد من الأزمة في النيجر ويشوه التجارة في المحاصيل الغذائية في غرب أفريقيا».

ويزرع جميع المزارعين في النيجر الدخن، لكنه أصبح واحدا من العوامل التي تضر مصالح الناس في النيجر وتتسبب في سوء التغذية والمجاعة. والدخن قريب من الذرة، لكنه لا يقدم أي بروتين أو مواد أساسية يحتاجها الجسم بالنسبة لغذاء الأطفال، ويتطلب ساعات من الطحن ليصبح قابلا للأكل.

وقد بدأ احمد حسن، وهو مزارع في شمال نيامي، عاصمة النيجر، في جمع بعض من محصول الدخن في حقله لتستخدمه أسرته. وأوضح قائلاً: «من المثير إعطاء الدخن الى زوجتي لطحنه. يبدو محصول هذا العام وفيرا». لكنه أضاف انه سيبيع معظم المحصول لدفع الديون التي تراكمت عليه لشراء نبتات الدخن بعد الجفاف الذي عانت منه البلاد العام الماضي وأدى الى نقص المحصول ولم يعد لديه ما يبيعه.

وليتمكن من الاستمرار في الفترة الواقعة بين انتهاء المخزون المخصص لأسرته وجمع المحصول الجديد، يضطر حسن الى الدخول فيما يشبه التكهن الاقتصادي أي الاستدانة مقابل محصول العام المقبل بحيث يمكن شراء النبتات.

من ناحية أخرى، ذكر حسن لاوالي، وهو باحث في برنامج حكومي بالنيجر يقدم معلومات بخصوص الأسواق الزراعية، أن الدخن بدأ في الوصول الى الأسواق بكميات ملحوظة في الأسبوعين الأولين من سبتمبر (ايلول) الحالي وبدأت الأسعار في الانهيار. وأضاف قائلاً: «انخفضت الأسعار بنسبة 14 في المائة بين 7 و14 سبتمبر». وأوضح أن أسعار الدخن في بعض المناطق في شرق البلاد لا تزال بمعدلاتها الطبيعية في السنوات الماضية، إلا ان الأسعار «ستنخفض بسرعة في الاسابيع الستة القادمة».

وكان برنامج الغداء العالمي قد أنهى أول مرحلة من عمليات توزيع المواد الغذائية في النيجر يوم الخميس الماضي، حسبما أفاد ماركوس بريور، المتحدث باسم البرنامج في غرب افريقيا. وتعد المناطق الواقعة في جنوب شرق النيجر حيث ترتفع نسبة الرطوبة، من أكثر المناطق الواعدة بمحصول وفير، ويجري في الوقت الراهن جمع الدخن في مئات الأفدنة هناك. وفي الوقت نفسه ازداد التوتر بين الدول المتبرعة بعدما طالب العديد من المسؤولين والمنظمات بوقف عمليات التوزيع، خوفا من انخفاض الأسعار بالنسبة للمزارعين المحليين.

وهناك في كل من دولتي توغو وبنين ما يصل الى 30 ألف طن من المواد الغذائية المخصصة للنيجر، لكن جيان كارلو سيري ممثل برنامج الغذاء العالمي في النيجر أصر على انه يمكن استكمال توزيع جميع الكميات قبل 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

واذا لم تتمكن شبكة التوزيع من استكمال توزيع المساعدات في ذلك الوقت، فهناك خطة أعدتها حكومة النيجر والأمم المتحدة لضمها الى المخزون القومي من الحبوب الغذائية. وتعارض معظم منظمات المساعدات الدولية قرار برنامج الغذاء العالمي استكمال عملية التوزيع حتى منتصف أكتوبر بسبب تأثير ذلك على الأسواق المحلية، وان كانت منظمة «أطباء بلا حدود» تريد استمرار توزيع الحبوب الغذائية بسبب الحاجة لتغذية أعداد كبيرة من الناس.

وأصر جيرمي ليستر، وهو مسؤول كبير في الاتحاد الاوروبي ويعمل في النيجر، على أن «الأشخاص المكلفين توزيع المواد الغذائية لديهم مسؤولية مراقبة الأسعار والاستعداد للتوقف عن تقديم المساعدات إذا شعروا بأن الأسعار تنخفض أكثر من اللازم». وقال ليستر إن «ذلك رد فعل عاجل لمشكلة مزمنة. وانتهاء هذه التحركات يؤدي الى ظهور مشاكل متعددة مثل تلك التي حلتها: يستمر الفقراء في البيع بأسعار رخيصة والشراء بأسعار مرتفعة».

* خدمة «نيويورك تايمز»