الصين تتجه لتصبح أكبر بلد مصدر للشاي في العالم

صادرات الصين من الشاي تبلغ 437 مليون دولار سنوياً.. وازدهار الحياة في مناطق إنتاجه

TT

لا يزال هناك ملايين من محبي الشاي في الصين. ويباع أجود انواع الشاي الاخضر، الذي يصنع بقطف أوراق نبات الشاي قبل نضجها ثم تحميصها باليد على المقلاة، بمئات الدولارات للرطل الواحد في شنغهاي وبكين. إلا ان شركات كوكا كولا وبيبسي وماكدونالدز و«كي اف سي» والأعمال التجارية الغربية جاءت بالعديد من السبل والطرق لإرواء ظمأ الصينيين. المقاهي التقليدية في الصين حلت محلها المقاهي الحديثة مثل ستارباكس، الذي فتح 140 مقهى في مختلف أنحاء الصين وحذا حذوه كثيرون. وتشجع وفرة انتاج الشاي الصين على تصدير كميات منه عن طريق مزارعي الشاي من الجيل الثالث مثل بان جينتو، الذي يعتزم تزويد مقاهي ستارباكس في الولايات المتحدة بالشاي الأخضر. وقال بان جينتو، الذي كان يتحدث وهو يقف وسط شجيرات الشاي فيما كان عدد من النساء يقطف أوراق الشاي على سفح الجبل، «ان المزيد من الناس باتوا يحبون شرب الشاي». إلا ان توسيع المبيعات من جانب مزارعي الشاي الصينيين، مثل بان، اثار مخاوف في دول اخرى نامية منتجة للشاي مثل الهند وسري لانكا واندونيسيا وبنغلاديش وكينيا ومالاوي وزيمبابوي. ومثلما شكلت صناعة المنسوجات الصينية قلقا وخطرا على الدول النامية بسبب إلغاء نظام الحصص، فان انتاج الشاي الصيني بات تحديا يواجه بعض افقر الدول في العالم، ومن المتوقع ان تصبح الصين اكبر دول مصدرة للشاي وتتفوق بذلك على كل من سري لانكا هذا العام وكينيا العام المقبل. وتعتمد أعداد هائلة من السكان في مختلف الدول الآسيوية على قطاع انتاج الشاي كمصدر رئيسي للدخل، لكن الدول الاكثر عرضة للتأثر سلباً هي تلك التي تأثرت بكارثة تسونامي في ديسمبر (كانون الاول) الماضي مثل اندونيسيا والهند وسري لانكا. وتقول احصائيات بنك التنمية الآسيوي ان 10 بالمائة من السكان في هذه الدول يعتمدون على العمل في مجال زراعة ومعالجة ونقل الشاي كمصدر دخل اساسي. وتذكر عودة ظهور الصين مجددا كأول دولة في تصدير الشاي بشركة الهند الشرقية البريطانية التي كانت تشتري الشاي من الصين وتحتكر تزويد بريطانيا به حتى عام 1834، ولم تصبح الدول الاخرى من كبار البلدان المصدرة إلا بعد إنهاء احتكار شركة الهند الشرقية البريطانية. ويعود تاريخ الشاي الى قرون خلت في الصين القديمة، اذ وردت اول اشارة له قبل حوالي 5000 سنة عندما اكتشف الامبراطور شين نونغ الشاي عن طريق الصدفة لدى سقوط ورقة شاي داخل إناء به ماء حار. وثمة اعتقاد واسع في ان للشاي الأخضر والشاي العادي فوائد طبية. وينتج النوعان من الشاي من نفس النبات إلا ان عملية المعالجة مختلفة. وتشير احصائيات منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة الى ان استهلاك الشاي في الصين يزداد بنسبة 2 في المائة سنوياً، فيما زاد انتاج الصين منه بنسة 7.8 في المائة العام الماضي. كما الغت بكين ايضا ضريبة قيمتها 8 في المائة على انتاج الشاي كوسيلة لزيادة الدخل في الارياف. ويبدو ان سياسة الترويج للشاي، ومنها الدعم المالي وزيادة الانفاق على معاهد الابحاث لتطوير افضل الانواع، ادت الى ازدهار في المناطق المتخصصة في زراعة الشاي. وعلى الطريق الممتد لمسافة 100 ميل من جينهاو وفي مدينة هانغزو في اقصى شمال اقليم جيجيانغ، توجد عشرات القرى التي تنتشر فيها مساكن من ثلاثة طوابق مبنية من الطوب الاسمنت. وبين كل عدة اميال تنتشر المصانع الجديدة للطوب.

وتوقفت المزارعة جين يورمي، 54 سنة، في قرية قريبة من هانغزو قبل ان تتوجه للحقل حاملة رشاشة للمبيدات الحشرية، وقالت انها تملك في منزلها الآن جهاز تلفزيون وثلاجة بل وجهازين للتكييف. وقد ادت سياسة الدعم الحكومي الى زيادة الانتاج بنسبة 18.9 في المائة في مجال صادرات الشاي في العام الماضي، ليصل الى 437 مليون دولار اميركي.

وقد فوجئ العالم بزيادة انتاج الصين من محصول الشاي. وكانت دول الهند وسري لانكا واندونيسيا قد استثمرت في معدات جديدة لإنتاج الشاي الاخضر بدلا من الشاي الاسود فقط، الا ان هذه الدول اكتشفت بان الصين اصبحت منافسة قوية.

وقد بدأت هذه الدول في ملاحظـة الخطوات العملاقة التي اتخذتها الصين في بعض المجالات مثل الاستثمار في البنية الاساسية لتحسين قدرتها على انتاج الشاي.

ومثل هذا التقدم الذي تحقق في البنية الاساسية لإنتاج الشاي في الصين يتفوق على كل التقدم الذي حدث في كل من الهند وسري لانكا وفيتنام واندونيسيا وغيرها من البلاد المنتجة للشاي، التي تعاني من طرق غير معبدة وانقطاع مستمر في التيار الكهربائي. فالطرق الواسعة في مناطق انتاج الشاي بالصين تؤدي الى تخفيض كلفة وقود الديزل المطلوب لتشغيل محطات الطاقة، وشحن الشاي. كما ان انقطاع التيار الكهربائي الذي كان مشكلة العام الماضي تلاشى هذا العام مع بناء مزيد من محطات توليد الكهرباء.

ويشار الى ان انتاج الشاي يتطلب استخدام عدد كبير من العمال في الدول المطلة على المحيط الهندي، بما في ذلك دول شرق افريقيا وبنغلاديش إضافة الى الهند وسري لانكا واندونيسيا. الا ان نحو 50 مزرعة لإنتاج الشاي الاسود قد اغلقت في العامين الماضيين، مما ادى الى انتشار البطالة بين عشرات الالاف من العمال في جنوب الهند. ويعتبر الشاي واحدا من المحاصيل ذات الكثافة العملية، حيث يجب جمع اوراق نبات الشاي اسبوعيا لمدة تتراوح بين 7 الى 12 اسبوعا.

وقد ادى هذا التوسع في انتاج الشاي بالصين الى بعض المشاكل البيئية. فمع ازالة التلال لزراعة الشاي، بدأت تظهر مشكلة تعرية التربة. وادى الازدهار ايضا الى ارتفاع الاجور، مما دفع المزارع الى احضار عمال من اقاليم اخرى، الى درجة انهم يستخدمون السجناء احياناً. ومن المخاوف الاخرى التي تشغل بال المسؤولين هو تقلب اسعار العملة الصينية.

وبالنسبة لسوق الشاي في العالم، فإن السؤال الذي يطرح ذاته هو كمية الشاي الصيني التي ستصل الى أسواق العالم. وستزداد صادرات الشاي الصيني فقط اذا استمر الصينيون في احتساء مشروبات اخرى بدل الشاي. وتبيع مقاهي ستارباكس الشاي بالإضافة الى القهوة في فروعها في الصين، الا انها اكتشفت بان الصينيين يفضلون القهوة على الشاي.

* خدمة «نيويورك تايمز»