بيريس: سألتقي عرفات قريبا وهو يدرك أنه أخطأ عندما رد على مقترحات باراك بالانتفاضة

وزير الخارجية الإسرائيلي: المسار السوري مجمد حاليا * لو كنت مرشحا لفزت برئاسة الحكومة ولكان شارون وزيرا في حكومتي * الحديث عن حرب كلام فارغ

TT

قال وزير الخارجية الإسرائيلي شيمعون بيريس ان المسار السوري سيبقى مجمدا في الوقت الحاضر، حتى يتم استنفاد المسار الفلسطيني. وقال انه يرى ان السلام عموما قريب، لكن اعمال العنف والعداء تؤخره. وقال انه ما زال يؤمن بفكرته عن الشرق الاوسط الجديد. ولا يعتقد ان هناك ما هو افضل لسكان المنطقة. وفي حديث اجري معه قبل الهجوم الاسرائيلي على غزة ورام الله ليلة اول من امس وصف الانباء عن خطط اسرائيلي لشن هجوم على الفلسطينيين بعد القمة العربية بانها «افتراء خطير».

* لو اتيح لك ان تخاطب القادة العرب، الذين اجتمعوا في عمان فما الذي كنت ستقوله لهم؟

ـ اقول ان دولة اسرائيل هي الصديق الحقيقي الوحيد للشعب الفلسطيني. فقد كانت الضفة الغربية وقطاع غزة مع العرب سنين طويلة، ولم يمنحوا الفلسطينيين دولة ولا حتى حكما ذاتيا. بينما نحن منحناهم. فالافعال افضل من الاقوال. نحن معنيون فعلا بان يعيش الفلسطينيون باستقلال. ليس لنا مصلحة في التسبب لهم بالمعاناة. نريد لكل ام ولكل طفل ولكل انسان فلسطيني ان يعيش حياة حرة كريمة.

* أهذه هي رسالتك الى القادة العرب، فعلا؟ هل هم الذين يسببون المعاناة للفلسطينيين؟

ـ لاسفي الشديد هناك مشاكل تحصل بيننا وبينهم من جراء سوء تفاهم، ولكننا نقول لهم ان المطلوب هو بناء الجسور وليس حفر الحفر.

* لنعد الى القادة العرب؟

ـ بلى. اتوجه اليهم بالقول، ساعدوا الفلسطينيين على بناء دولتهم واستقلالهم واقتصادهم. ساهموا في انجاح عملية السلام. فقد اتفقنا جميعا على المبدأ القائل: «ارض مقابل سلام»، ولدينا شعور باننا قدمنا الارض ولم نحصل على السلام.

* اشعر انك لا تتكلم كوزير للخارجية. فهذه اللهجة خالية من اللغة الدبلوماسية. وهي اقرب الى لهجة وزير دفاع. اين شيمعون بيريس السياسي المحنك، الحائز جائزة نوبل للسلام؟

ـ لا شك انني اوجه لهم دعوة السلام. والسلام ليس لنا فقط، بل لنا ولهم. لكن السلام لا يتم الا باتفاق طرفين. والاتفاق يتم بالمفاوضات وليس بالحرب. يتم عند التخاطب بلغة السلام وليس بلغة التحريض. لقد انجز السادات ما انجزه لانه تكلم معنا بلغة السلام. واثر بذلك على الرأي العام الاسرائيلي، وليس فقط على القادة.

* انت تعرف ان العرب قرروا السلام كخيار استراتيجي، وقدموا لاجله تنازلا تاريخيا، عندما طالبوا بدولة فلسطينية في حدود 1967، اي على 22% فقط من اراضي فلسطين. فما الذي عليهم ان يقدموه اكثر؟

ـ انظر. هناك اربع قضايا اساسية يجب تسويتها من اجل فتح الطريق نحو تحقيق السلام الثابت والشامل. هي:

ـ تخفيف معاناة المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

ـ وقف الارهاب وكل اشكال العنف.

ـ استئناف مفاوضات السلام.

ـ استبدال لغة التحريض والحرب بلغة الدم والحوار والتفاهم.

هناك خلاف حول سلم الافضليات، اي البنود يكون في البداية واي البنود يكون في النهاية. وانا اقول انه ينبغي ان نسير في هذه البنود كلها معا.

* وما الذي يمنع ذلك. فالقيادة الفلسطينية مستعدة لاستئناف المفاوضات معكم فورا ومن دون شروط مسبقة.

ـ نحن بادرنا الى تخفيف الحصار ومنح تسهيلات للفلسطينيين وتصاريح عمل من دون مقابل او شروط. وهذا ليس اجراء مؤقتا او مشروطا، بل سياسة ومنهج. قد يحتاج الامر بعض الوقت حتى يشعر الفلسطينيون بآثار هذه السياسة، ولكننا سائرون على الطريق. والحكومة الاسرائيلية اليوم، رغم طابعها اليميني وغالبيتها اليمينية، اتخذت قرارات مبدئية بالامتناع عن بناء مستوطنات جديدة ووقف العقوبات الجماعية. النقاش اليوم هو على وقف العنف.

* وقد قررت حكومتك ان لا تستأنف المفاوضات اذا لم يتوقف العنف تماما؟

ـ ليس هكذا.

* هذا ما يقوله رئيس الحكومة، ارييل شارون، والناطقون باسمه كل الوقت؟

ـ ولكن انت تعرف انه توجد اتصالات بيننا كل الوقت.

* هناك اتصالات امنية فقط، على حد علمنا؟

ـ ليس فقط.

* تقصد لقاء نجل شارون ومدير عام الليكود مع المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات، محمد رشيد؟

ـ مثلا. فابن شارون ليس جنرالا وليس رجل امن.

* ولكن المهم انه لا توجد حاليا مفاوضات؟

ـ هناك نقاش ايضا حول نوعية هذه المفاوضات، وكيف تدور. فالفلسطينيون يطالبون باستئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت اليها مفاوضات كامب ديفيد وما بعدها.

* وما الغضاضة في ذلك؟

ـ الغضاضة هي في النتيجة. فالجمود ليس في مصلحة احد. نحن نقول لهم: تعالوا نتقدم في المفاوضات بالتدريج.

* كيف؟

ـ خطوة خطوة. نحن اليوم نطرح مشروعا لحل مرحلي طويل الامد. ولكن حتى هذا ليس مقدسا. وما نقوله: تعالوا نبدأ المفاوضات ثم نتفاهم على كل شيء. فلا شيء سيتم من دون موافقة الطرفين. المهم ان نختار لغة السلام للتخاطب في ما بيننا. علينا، كل من طرف، ان يلجم المتطرفين في معسكره. نريد العودة الى لغة الحوار التي كانت سائدة في فترة ما بعد اوسلو. نريد من عرفات ان يلتزم بمضمون الرسالة التي كان قد وجهها خطيا الى الرئيس الاميركي، بيل كلينتون، سنة 1993. ويتعهد فيها ليس فقط بقطع دابر الارهاب، بل بفرض هيبته على جنوده ويضمن انضباطهم والتزامهم بالقرارات. فما الذي تغير منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. نحن عندما ذهبنا الى اوسلو كنا صادقين وملتزمين بالسلام.

* انت نفسك قلت اكثر من مرة ان سبب التدهور في العلاقات وفي خرق الاتفاقيات، هي حكومة بنيامين نتنياهو (96 ـ 1999) وليس الفلسطينيين؟

ـ ومن الذي جاء بنتنياهو الى الحكم في اسرائيل؟ هم الفلسطينيون. لقد فاز نتنياهو (على بيريس) بفارق ثلث الواحد بالمائة (0.33%) من الاصوات. هم المسؤولون عن ذلك.

* تقصد العمليات الانتحارية التي نفذت قبل الانتخابات بشهر في تل ابيب والقدس؟

ـ نعم بالطبع. نحن كنا قد تحدينا كل شيء. ورغم اغتيال رئيس الحكومة، المرحوم اسحق رابين، واصلت انا بتطبيق اتفاقات اوسلو. سلمنا الفلسطينيين 6 مدن و460 قرية لتصبح تحت حكمهم. فكيف ردوا علينا؟ بتلك العمليات. لذلك صوت الناخبون الاسرائيليون لصالح مرشح اليمين، نتنياهو.

* وهل تتهم السلطة الفلسطينية بتلك العمليات وتنتقم منها وتحاسبها عليها؟ فهي لم تنفذ تلك العمليات. ووقفت ضدها بشكل صارخ. وقامت بتبنيها حركتا «حماس» و«الجهاد الاسلامي».

ـ نعم. ولكن عرفات لم يحارب «حماس» و«الجهاد». فلو فعل لكان منع تلك العمليات.

* ولكن اسرائيل نفسها، بكل قوتها العسكرية ومخابراتها الكبيرة والمجربة، حكمت الضفة والقطاع لمدة 28 سنة قبل وصول عرفات، ولم تستطع منع العمليات العسكرية والانتحارية؟

ـ أنا قلت يمنع. حسناً أقصد أنه لم يقم بالجهد اللازم لمنع تلك العمليات. أنا لا أطلب منه 100% نجاحاً في منعها، لكنني أطلب منه أن يبذل جهوداً بنسبة 100%.

أين الخطأ؟

* لنعد إلى التسلسل التاريخي، فحكومة حزب العمل التالية برئاسة إيهود باراك أيضاً امتنعت عن تطبيق ما تبقى من اتفاقات أوسلو، وقامت بدفن هذه الاتفاقات تماماً.

ـ ولكن باراك عرض على الفلسطينيين أموراً مذهلة، لم يسبق لرئيس حكومة إسرائيلي أن طرحها. فقدم التنازلات حتى في القدس. وأبدى استعداده لإعادة 96% من الضفة الغربية و100% من قطاع غزة ومنحهم 2 ـ 3% من الأراضي الإسرائيلية. فماذا كان جواب عرفات على هذا العرض: انتفاضة. هل تدرك ذلك؟ أنا لا أدركه ولا أفهمه ولا أقبله. والشعب في إسرائيل كله لا يفهم عرفات في هذه النقطة.

* لقد كانت لك عدة لقاءات مع عرفات منذ ذلك الوقت. فهل حاولت أن تطرح عليه هذا السؤال؟

ـ لا. لم أبحث معه هذا الموضوع. فأنا لا أهتم بالاتهامات. ولا يشغل بالي الماضي. وفي المباحثات التي أشارك فيها، أحاول التركيز على المستقبل.

* أيعقل أنك لم تطرح عليه هذا السؤال؟

ـ هذا ليس مهماً.

* بل إنه بالغ الأهمية. فإذا كان عرفات يخاف من السلام، مثلاً، فإن ذلك يعني أن أي تفاوض معه غير ضروري. بينما أنت تؤيد التفاوض معه؟

ـ ما الذي تريدني أن أقوله. أنا أعرف لماذا رد عرفات على طروحات باراك بالانتفاضة. وأعرف ماذا يفكر عرفات بهذا الشأن أيضاً.

* حسناً، أشركنا في ما تعرفه. فهذا مهم؟

ـ باختصار ومن دون تفاصيل زائدة، لقد أخطأ عرفات في ذلك الموقف. ارتكب خطأ فادحاً.

* هل هذا رأيك أنت، أم أن عرفات يؤمن أيضاً أنه أخطأ، وأبلغك بذلك؟

ـ قلت لك.. من دون تفاصيل.

* هل تشير لنا إلى خطأ إسرائيلي وقع في هذه المرحلة، أم أن عرفات ارتكب الخطأ كله؟

ـ أنا لست مؤرخاً للأخطاء أنا أهتم بالمستقبل فقط.

* ومع ذلك؟

ـ لقد كان هناك خطأ إسرائيلي أيضاً عندما مضت ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة (برئاسة إيهود باراك) من دون أن يتم لقاء واحد مع عرفات. لكن بجد، دعنا نتحدث عن المستقبل.

* لقد عبرنا مرحلة زاخرة بالأحداث وبالصدامات وبالأخطاء. فماذا سيحدث في المستقبل. هل لدى حكومتك الحالية برئاسة شارون ما تعرضه على الفلسطينيين كحل سلمي؟

ـ بالتأكيد. لكن هذا موضوع للمفاوضات.

* بالطبع. ولكن مفاوضات حول ماذا؟ وعلى أي أساس؟ فأنتم تقولون..

ـ عندما نقول مفاوضات، فهذه بداية، ولا تطلب مني أن أقول لك من البداية ما الذي سنتوصل إليه في نهاية المفاوضات. لقد أعلنا أننا ملتزمون بتطبيق كل الاتفاقيات الموقعة. وعرفات يعرف رأينا تماماً بخصوص الدولة الفلسطينية والانسحاب من المناطق.

* يعرف رأيكم أنتم في حزب العمل. لكنه لا يعرف ما هو رأي رئيس حكومتك، أرييل شارون. فمع كل الاحترام لك، شارون هو صاحب القرار؟

ـ بالتأكيد، ولكن كما تعرف ولا بد، فأنا لم أغير مواقفي، بينما شارون خلال المفاوضات بيننا على تشكيل الحكومة، وافق على أمور تدل على أنه تغير وتغير كثيراً. فهو يتحدث عن وقف تام لبناء المستوطنات ويتحدث عن تنازلات مؤلمة وعن إعادة انتشار الجيش، أي انسحابه، من المناطق الفلسطينية ويتعهد بتطبيق الاتفاقيات. ويوافق على أن يكون قرارا مجلس الأمن 242 و338، أساسين لكل اتفاق سلام مع الفلسطينيين. كل هذه مواقف جديدة لم يكن اليمين يوافق عليها أو يسكت عن سماعها، بل كان يقيم الدنيا ولا يقعدها بسببها. وها هو اليوم يتبناها.

* أنت تتوقع فعلاً التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي ـ فلسطيني خلال فترة حكم شارون، في السنتين القادمتين؟

ـ أنا لا أعتقد أن شارون معني بإنهاء فترة حكمه الحالية، وهناك تدهور حربي أو حتى تصعيد للتوتر والصدامات في المناطق الفلسطينية.

* لكن، لهذا الهدف ثمن، هل يدفعه شارون؟ إلى هذه الدرجة تغير الرجل؟

ـ خلال عمري الطويل رأيت الكثير من الناس يتغيرون. فأنا لا أعرف أحداً يضع نفسه في علبة حافظة، كاللحم المجمد أو المخللات. كذلك، فلا يوجد شعب يبقى كما هو متحجر. الناس يتغيرون.

* هل تقول هذا عن شارون، من خلال عملك ومعرفتك، أم من خلال تقديراتك الشخصية؟

ـ من خلال التقديرات.

* وهل يمكن البناء على التقديرات؟

ـ بالطبع ممكن. فما الذي تخسره. لنجرب أولاً. فنحن لا نتحدث عن صفقة تجارية. نتحدث عن سلام وعن مصائر شعوب. فما الخطأ في أن نجرب السلام أيضاً مع شارون؟ يجب إعطاء السلام كل فرصة ممكنة. أعطه حظاً. مشكلة السياسيين أنهم يشكون في كل شيء ويكون شكّهم زائداً عن الحد. وأنا أحاول أن أخفض من منسوب الشك، لذلك يغلب التفاؤل على مواقفي.

لقاء قريب مع عرفات

* حسنا، ما الذي تتوقع حدوثه الآن؟

ـ أي شيء تقصد؟

* أقصد حرباً أو استئنافاً للمفاوضات أو عملية عسكرية تهدف إلى «تلقين القيادة الفلسطينية درساً».

ـ لا شيء من هذا. نحن لا نريد أن نلقن أحداً درساً. والحديث عن حرب كلام فارغ. إننا نفحص إمكانية التقدم خطوة جدية باتجاه الهدوء وبعد ذلك سنرى.

* كيف؟

ـ هناك ألف طريقة وطريقة.

* دلنا على واحدة منها؟

ـ لا حاجة للدخول في تفاصيل.

* هناك قرار أعلنه رئيس الحكومة شارون بأن لا يجري أي لقاء سياسي بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين طالما هناك إطلاق رصاص؟

ـ هناك اتصالات سياسية متواصلة.

* أين هي، فعلى حد علمنا أنك حاولت أن تلتقي الرئيس المصري، حسني مبارك، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لكنهما رفضا لقاءك قبل القمة العربية؟

ـ لا. لم أحاول. من دون شك أنني أرغب في لقائهما، فهما قائدان مهمان جداً في المنطقة ولهما دور في مسيرة السلام. لكنني فهمت من ظروفهما أن الوقت غير مناسب للقاء قبل القمة. فلم أطلب لقاءهما، ولم أحاول.

* ولماذا الابتعاد إلى القاهرة وعمان. عرفات هنا، على بعد عشرة كيلومترات، في رام الله.

ـ لا تخف. سألتقيه.

* متى؟

ـ قريبا.

* ولكن شارون يرفض؟

ـ كلا. لا يرفض.

* هكذا قال وبكل وضوح؟

ـ حسنا، سألتقي عرفات لكي اتفق معه على وقف إطلاق النار. هل يتلاءم هذا وكلام شارون؟ إنني وزير للخارجية واستطيع أن التقي من أشاء. فأنا لم أنضم إلى هذه الحكومة لكي أنفذ تعليمات أحد، أنا هنا، في هذا المنصب لكي أؤثر وأغير، أنا هنا لكي أضمن إحداث موازنة داخل الحكومة الإسرائيلية، حتى تؤدي دورها التاريخي في صنع السلام. وكما يبدو، فإن ذلك لن يحدث في حكومة ذات لون واحد.

* تقصد حكومة حزب العمل؟

ـ نعم، فقد دلت التجربة على أن حكومة يسار وحدها لا تستطيع تحقيق شيء.

* لم تكن تقول مثل هذا الكلام في الماضي؟ فقد حاربت لكي تنتخب حكومة يسار؟

ـ وسقطت هذه الحكومة، ودخلنا انتخابات يائسين، لم يستمع فيها أحد لرأيي. فهزمنا أيضاً في الانتخابات.

* تقصد رأيك بأن تكون أنت مرشح اليسار لرئاسة الحكومة؟

ـ أجل، هذا ما أقصده، فلو كنت مرشحاً لكنت فزت برئاسة الحكومة، وكان شارون وزيراً في حكومتي. لكنهم ساروا وراء رأي غيري وحصل ما حصل. فماذا نفعل اليوم؟ نجلس خارج الحكومة لنقدم اعتراضاتنا على سياسة اليمين وممارساته التي قد تكون خطيرة؟ انا فضلت دخول الحكومة والتأثير عليها من الداخل. واعتقد اننا حققنا انجازات كبيرة في هذا المجال، حتى قبل ان تقوم الحكومة. إذ غير اليمين مواقفه بشكل جدي وجذري في الكثير من القضايا، كما أشرت آنفا. والآن مطلوب من العرب ومن الفلسطينيين اعطاؤنا الفرصة للتقدم في عملية السلام، وليس الرد على يدنا الممدودة بواسطة عمليات الارهاب.

* العرب رأوا في قرار الناخب الاسرائيلي بالتصويت الجارف لليمين، رسالة حرب وليس رسالة سلام.

ـ غير صحيح ان تبني على حدث كهذا. فهناك فارق كبير ما بين الحدث والتطور التاريخي. التصويت في الانتخابات الاخيرة كان حدثا في مسيرة طويلة، له اسبابه وظروفه. إذ ان الاسرائيليين صدموا من قيام الفلسطينيين بالرد بانتفاضة على العرض السخي الذي قدمه لهم باراك واليمين في اسرائيل استفاد مرتين من هذا الرد. فهو اولا ربح الانتخابات. وثانيا حصل على مساعدة سياسية من الفلسطينيين لمواقفه وهو يشكر باراك، اليوم، على انه كشف نوايا الفلسطينيين الحقيقية ـ حسب وجهة نظره ـ بأنهم ليسوا معنيين بالسلام. وما افعله اليوم هو مجابهة هذا التطور والعمل على تغييره.

* لكن اليسار الاسرائيلي لا يثق بك اليوم. وهو يتهمك باننك تبحث عن الكرسي في اية حكومة كانت. وان ادعاءك حول التغير ما هو الا ذريعة لتبرير التصاقك بالكرسي.

ـ اليسار الذي تتحدث عنه، يتحمل المسؤولية عن خسارتنا الحكم. فقد بدأ انهيار حكومة باراك منذ انسحاب حزب شاس من الحكومة. نحن كنا سعينا لضم شاس لكي نخلق قاعدة برلمانية واسعة للحكومة في مسعاها لتحقيق السلام، ولكن حزب «ميرتس» بزعامة يوسي سريد، الذي يوجه الاتهامات لي، عمل كل ما في وسعه لاخراج شاس من الحكومة. وعندما توجهنا للانتخابات، اقدم حزب ميرتس على الخطأ الثاني، إذ انه منع ترشيحي لرئاسة الحكومة وساهم في انتخاب شارون. لذلك، لا اعتقد ان لهم الحق في اصدار احكام على أحد. وعليهم ان يراجعوا حساباتهم.

واود ان اقول لك شيئا آخر ايضا. هناك توجه لدى الكثير من السياسيين، في اسرائيل وفي العالم العربي، يندرج في العقلية القديمة للتفكير في كل شيء وليس فقط في قضية السلام، من دون ان يفهموا كيف يتطور عالمنا. وهم بذلك يدخلون في مسار بعيد للغاية، ليس فقط عن واقع التطور العالمي، بل عن واقع شعوبهم. فأنا الاحظ ان الناس يفكرون بطريقة اخرى افضل من قادتهم. فالشعوب ليست متجمدة، بينما هناك سياسيون كثيرون مجمدون. أي اجيال الشباب الجديدة، في اسرائيل وفي العالم العربي وفي كل مكان، تدرك اليوم انه من اجل الحياة ومن اجل التطور السليم، لم تعد بحاجة الى حروب عسكرية. انما الحاجة هي الى التقدم العلمي والتكنولوجي.

* وهل توجد في المنطقة دولة تصرف على ماكينة الحرب، اكثر من اسرائيل؟

ـ نعم. إذا اخذت في الحساب نسبة الصرف العسكري مقابل الناتج القومي، تجد ان هناك دولا عربية واسلامية تصرف اكثر من اسرائيل. ولكن، حتى عندنا، هناك نقاش دائم حول هذا الموضوع بهدف زيادة الصرف على امور اخرى. والشباب عندنا ايضا يتعايش مع العصر بروح اخرى ويرى ان عالمنا لم يعد يرتبط بالتاريخ والجغرافيا، بل بالجو وعبر الانترنت والأثير. وحب الحياة يدفع الجميع الى الارتباط بمفاهيم السلام.

* وهل تتلاءم هذه المفاهيم مع ما يجري على الارض الفلسطينية من ممارسات؟

ـ هذا هو ما نسعى لتغييره. وكما قلت لك نحن بادرنا الى التغيير، ولم نلق التجاوب اللازم. لكنني واثق من اننا سنعبر هذه المرحلة بأمان. ولن يطول الوقت حتى نرى منطقتنا جزءا من العالم الحضاري الذي يجيد التعايش السلمي. فاوروبا، التي تعتبر اليوم نموذجا للتعايش السلمي والحضاري والانساني، امضت النصف الاول من القرن الماضي في حربين بشعتين كلفتا شعوبها اكثر من 25 مليون قتيل. وحتى اليوم يوجد معوقون من تلك الحروب، لكنهم يتعايشون معا بسلام نموذجي. ولا يوجد ما يمنع ان نعيش نحن هنا، العرب واليهود معا، بهذا الشكل.

* انت تتصور مثل هذا الحلم يتحقق في زمنك؟

ـ اتمنى ذلك واسعى اليه، لكن الاهم ان هذا هو مسار التطور التاريخي الذي يعيشه عالمنا، ولا توجد قوة في العالم او حاكم او مجموعة او تنظيم تستطيع بناء سد يمنع هذا التطور. وانا اؤكد ان هذا التطور لا يقتصر على الغرب، انه يجتاح العالم اجمع. الصين تتغير اليوم، وتنفتح على العالم. الهند تشهد تطورا هائلا في كل مجالات الحياة. المكسيك تتحول من دولة نامية الى دولة متطورة. فلا شعب اقدر من شعب آخر على ذلك. ان اهم حدث في عصرنا هو ذلك الاكتشاف العلمي الخارق حول تحليل الجينات البشرية. فقد تبين ان هناك تشابها بنسبة 99.8% في الجينات بين كل البشر، في الغرب والشرق، الابيض والاسود، الاصفر والاحمر. والفارق هو بنسبة 0.2% فقط. اذن لا يجوز لأحد ان يمنع تكافؤ الفرص في التطور.

* اسمح لي مرة اخرى ان اعيدك الى الواقع. فالحلم جميل. لكن الاحداث على الارض بعيدة عنه جدا.

ـ اولا حلمي مبني على الواقع، وأراه يترجم على الارض اليوم ايضا في الكثير من الاماكن. ولا سبب مقنعا، بأن لا يتحول الحلم قريبا جدا الى واقع في منطقتنا. فإذا نجحنا في العودة الى طاولة المفاوضات، وانا واثق بأننا سننجح، يبدأ التغيير على الارض وفي الاجواء.

* سؤال اخير، حول المسار السوري. هل تقرر تجميده تماما، ام هناك اتصالات لاستئنافه؟

ـ هناك جمود تام، وذلك ليس بينا. فالقيادة السورية الجديدة اعلنت انها تنتظر انتهاء المفاوضات مع الفلسطينيين. وهذا خيارها. وفي الوقت نفسه تتخذ مواقف عدائية منا غير مبررة نحن من جهتنا اقترحنا النزول عن الجولان. فراحوا يفاوضوننا على بضع مئات من الامتار. ثم اوحى الرئيس الاسد الاب، بأنه يعدل موقفه، فالتقاه الرئيس الاميركي بيل كلينتون خصيصا للتباحث في الموضوع، فاكتشف انه لم يغير شيئا وانه زرع الاوهام فقط. ونحن انسحبنا من لبنان، وفق القرار 425، لكي نثبت نوايا ايجابية ايضا تجاه السوريين. ولم ننسحب هربا كما يزعم حزب الله. بل كان دخولنا الى هناك بسببهم.

* في العام 1982 عند احتلال لبنان لم يكن حزب الله قائما؟

ـ اقصد حزب الله وامثاله وسابقيه المهم اننا ابدينا وما زلنا نبدي كل استعداد لتحقيق السلام والانسحاب. فنحن اخترنا السلام نهجا استراتيجيا ومستعدون لدفع ثمنه. وعرضنا وما زلنا نعرض على سورية التفاوض على اساس قراري مجلس الامن 242 و338. والكرة في ملعبها هي.