خبراء: صعوبات أمام الدفاع في استئناف لوكربي وأمام طرابلس في مسعاها للتطبيع مع واشنطن

TT

كانت محاكمة لوكربي وحكم الادانة الذي صدر عنها بحق المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي والعقوبات على ليبيا ومستقبل علاقات ليبيا مع اوروبا واميركا مواضيع رئيسية لندوة اقيمت مساء اول من امس في كلية الدراسات الافريقية والشرقية بجامعة لندن ترأسها المحامي الجزائري سعد جبار وشارك فيها البروفيسور روبرت بلاك استاذ القانون الاسكوتلندي في جامعة ادنبرة والبروفيسور تيم نبلوك من جامعة اكسيتر وجورج جوفي من مركز دراسات شمال افريقيا التابع لجامعة كمبريدج وبحضور السفير الليبي في لندن محمد بلقاسم الزوي وعدد كبير من المهتمين بالشأن الليبي.

«ثغرات» في حيثيات الحكم وأبرز بلاك، الذي يعتبر «مهندس» فكرة محاكمة المقرحي ومواطنه الامين خليفة فحيمة (الذي برأته المحكمة) في هولندا، في محاضرته التي كان عنوانها «المحاكمة - ما أثبتته وما لم تثبته» هشاشة الادلة التي قدمها الادعاء، وقال ان القضاة الاسكوتلنديين الثلاثة قبلوها على علاتها. واوضح ان الادعاء لم يقدم اي دليل مصدره مالطا يؤيد طرحه بأن الحقيبة غير المصحوبة الحاوية للقنبلة التي دمرت طائرة الـ«بان آم» فوق لوكربي باسكوتلندا في 21 ديسمبر (كانون الاول) 1988 بدأت رحلتها من مالطا على متن طائرة مالطية متوجهة الى مطار فرانكفورت. وبالنسبة لفرانكفورت اشار بلاك الى ان الدليل الوحيد كان سجل كومبيوتر يشير الى ان حقيبة غير مصحوبة مرت بنظام الحقائب في المطار في وقت مقارب لوقت تفريغ حمولة الطائرة المالطية «ولكن مع ذلك اقتنع القضاة بأن الحقيبة جاءت من مالطا». ومن نقاط الضعف الاخرى التي ابرزها بلاك في ادلة الادعاء ما يتعلق بشهادة انتوني غوتشي، صاحب المتجر المالطي الذي زعم الادعاء ان المقرحي اشترى منه ملابس عثر على بقاياها ضمن بقايا الحقيبة الملغومة. وقال بلاك ان غوتشي قدم 17 افادة للمحققين قبل المحاكمة ولم يقل في اي منها ان المقرحي هو الرجل الذي اشترى منه الملابس بل «قال انه يشبه ذلك الرجل». واشار ايضا الى الاوصاف التي قدمها غوتشي لذلك الرجل وقوله «عمره لا يقل عن 50 عاما وطوله ستة اقدام على الاقل»، مذكرا بأن المقرحي كان في ذلك اليوم في السادسة والثلاثين من العمر وطوله كان ولا يزال خمسة اقدام وثماني بوصات. واشار بلاك ايضا الى ان غوتشي تعرف ايضا على شخصين آخرين باعتبارهما يشبهان الرجل الذي اشترى منه الملابس. واثار بلاك تساؤلات حول تأريخ زيارة المقرحي المزعومة للمحل المالطي، موضحا ان ما ورد في سياق المحاكمة وافادات غوتشي لا يثبت اطلاقا بأن المقرحي زار محله في 7 ديسمبر(كانون الاول) 1988 كما يزعم الادعاء.

وقال بلاك ان القضاة بدلا من ان يفترضوا حسن النية لدى المتهم حسب قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت ادانته» فانه احسن الظن بالادعاء وأخذ مواقفه وطروحاته على علاتها. ورأى بلاك ان امام الدفاع مهمة صعبة لنقض حكم الادانة ضد المقرحي، مشيرا الى ان القضاة الخمسة قد يجدون صعوبة «نفسيا» في الاتيان بحكم يثبت خطأ ثلاثة من زملائهم في محاكمة كامب زايست(هولندا). الا انه استدرك انه من الناحية القانونية ينبغي ان يكون النقض اسهل بسبب غياب المحلفين وقال ان المحلفين لا يقدمون اسبابا لحكمهم في حين ان حيثيات الحكم في قضية لوكربي تتضمن ثغرات كثيرة يمكن ان يستغلها الدفاع. وفي هذا السياق وردا على سؤال لـ«الشرق الاوسط» قال بلاك ان الدفاع «ارتكب خطأ تكتيكيا بقراره عدم سوق ادلة وعدم استدعاء شهود بمن فيهم المقرحي». وتابع ان الدفاع حصل على ادلة جديدة سيثيرها في مرحلة الاستئناف بما في ذلك ادلة من عملاء سابقين او حاليين لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) وادلة حول آلية تفجير القنبلة.

العقوبات لم تفرض تسوية للقضية وتحدث البروفيسور تيم نبلوك في محاضرته عن العقوبات التي فرضت على ليبيا بسبب ازمة لوكربي وقال انه يخالف الرأي القائل بأن هذه العقوبات كانت مجدية لانها ارغمت ليبيا على تسليم مواطنيها الى هولندا لمحاكمتهما امام محكمة اسكوتلندية. واشار الى ان التسوية تمت ليس بسبب العقوبات بل بسبب التغير الذي طرأ على الموقف البريطاني والاميركي وقبول لندن وواشنطن بفكرة المحاكمة في هولندا بموجب القانون الاسكوتلندي. واضاف ان بريطانيا واميركا اصرتا منذ عام 1992 وحتى اغسطس (آب) 1998 على ان تجري المحاكمة في اسكوتلندا وهو ما رفضته ليبيا التي طرح وزير خارجيتها السابق ابراهيم البشاري عام 1994 فكرة المحاكمة امام قضاة اسكوتلنديين في محكمة العدل الدولية بلاهاي. وأورد نبلوك اربعة اسباب رئيسية قال انها كانت وراء التغير في موقف لندن وواشنطن. الاول هو ان نظام العقوبات كان في خطر الانهيار بعدما هددت الدول الافريقية خصوصا وكذلك العربية بخرق العقوبات. ثانيا، بدا واضحا ان العقوبات لم تحقق النتائج المرجوة منها اذ لم ترغم الحكومة الليبية على الخضوع للمطالب البريطانية والاميركية. ثالثا، كثف اقارب الضحايا خاصة البريطانيين الذين تبنوا موقفا أقرب الى الموقف الليبي بمطالبتهم بمحاكمة تكشف الحقيقة، ورابعا تجاوب الحكومة العمالية الجديدة بزعامة توني بلير معهم. وعن تأثير العقوبات على ليبيا قال نبلوك ان الاقتصاد الليبي لم يتأثر كثيرا لان العقوبات لم تتضمن حظر مبيعات النفط الليبي. واضاف ان الاقتصاد الليبي واصل نشاطه بنفس المعدلات تقريبا التي كان عليها قبل الحظر وكانت ليبيا تصدر من النفط اقصى ما كان مسموحا لها بموجب حصص الاوبك. لكنه اشار الى ان عائدات ليبيا من مبيعات النفط كانت اقل بسبب تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية. ولكن رغم عدم تأثر الاقتصاد الليبي كثيرا بالحظر لاحظ نبلوك تراجع المستوى المعاشي لليبيين، وعزا ذلك الى تقليص الانفاق على القطاعات الاجتماعية والصحية والتعليمية وتركيزه بدلا من ذلك على القطاع النفطي والنهر الصناعي. ومن الاسباب الاخرى التي اوردها نبلوك ارتفاع معدل التضخم نتيجة الحظر وتحرير الاقتصاد وسوء الادارة. وفي ختام محاضرته دعا نبلوك الى التعامل بحذر مع العقوبات كأداة لفرض ارادة المجتمع الدولي، مشددا على ضرورة تحديد فترة زمنية لها وافساح المجال اكثر للمفاوضات.

العقبات أمام تطبيع العلاقات الليبية ـ الأميركية وتناول جورج جوفي في محاضرته مستقبل العلاقات بين ليبيا والغرب وخاصة علاقاتها مع اميركا وقال ان امام طرابلس مسار طويل وصولا الى التطبيع. واضاف ان من السذاجة الاعتقاد بأن قضية لوكربي نظرت في اطار قانوني مستقل وشفاف. واستدرك «لا اقول ان القضاة كانوا مسيسين لكن الظروف التي احاطت بالمحاكمة كان لها دورها في تحديد نتيجتها». وتناول جوفي ما حققته ليبيا من وراء المحاكمة وما فشلت في تحقيقه. وفي ما يتعلق بـ«الانجازات» قال ان ليبيا فرضت موقفها بشأن نوع المحاكمة، وضمنت تركيز المحاكمة على المتهمين فقط دون المساس بالحكم الليبي وضمنت تعليق العقوبات التي باتت في حكم الملغي لأن من المستحيل اعادة فرضها بدون موافقة الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن. وعلى صعيد «الاخفاقات» اوضح جوفي ان ليبيا قالت ان من حقها محاكمة مواطنيها بموجب معاهدة مونتريال لكن ذلك لم يتم. كما ان العقوبات الدولية لم ترفع كما توقعت بل علقت، والاهم من ذلك كله ان الدولة الوحيدة التي لم تطبع العلاقات معها بعد هي الولايات المتحدة التي قال جوفي ان ليبيا كانت ولاتزال تسعى الى استعادة العلاقات معها لادراكها بأن مكانتها الدولية مستقبلا تعتمد على استعادة هذه العلاقة.

ورأى جوفي ان من الصعب على ليبيا استعادة علاقاتها مع اميركا، وقال ان اميركا تطالب ليبيا بتعويضات عن كارثة لوكربي وبقبول المسؤولية عنها والكشف عما تعرفه عن القضية والتنصل من الارهاب. ووصف جوفي الشروط الاميركية بأنها «تعجيزية». واضاف ان ادارة جورج بوش لا تبدو الآن مستعدة لاستئناف العلاقات مع ليبيا. وقال ان المشكلة الاولى هي التعويضات، مضيفا ان اسر الضحايا الاميركيين ترفض المساومة بخلاف اقارب الضحايا البريطانيين «انهم يريدون الانتقام». واوضح انه بموجب القانون الاميركي بمقدور الحكومة تعويض رعاياها عن اضرار لحقت بهم في الخارج ويمكن في حالة لوكربي ان تعوض اسر الضحايا من نحو 600 مليون دولار هي قيمة ارصدة ليبية مجمدة. واضاف ان الكونجرس الذي يضم عددا كبيرا من المتعاطفين مع اسر الضحايا سيقف ضد اي توجه للتطبيع مع ليبيا بل قد يطالب باعادة فرض العقوبات او ابقائها معلقة.

واشار جوفي الى ان هنالك خلافات داخل الادارة بشأن العقوبات، اذ هناك تيار يضم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الامن القومي كوندوليسا رايس يؤمن بفكرة «الدول المارقة» وبالتالي بفرض العقوبات عليها، في حين يشكك وزير الخارجية كولن باول في جدوى العقوبات. واضاف جوفي الى هؤلاء نائب الرئيس ريتشارد تشيني، مشيرا الى علاقته بشركة لها نشاط في ليبيا. وقال جوفي يبدو ان الغلبة هي لصالح التيار الاول لكنه اشار الى الدور الذي يمكن ان تلعبه جماعة ضغط قوية «لوبي»، تمثل اكثر من 600 شركة اميركية تسعى لاستثمارات في ليبيا بل وفي العراق ايضا، خاصة عندما ينظر الرئيس جورج بوش في اغسطس (آب) المقبل في مسألة تمديد العقوبات الاحادية التي تفرضها اميركا على ليبيا منذ عام 1973 والقانون الخاص بالعقوبات على الشركات التي تستثمر في القطاع النفطي في ليبيا وايران.