سعد الحريري: لا نريد الثأر... بل العدالة

دعا اللبنانيين إلى الوحدة مطالباً بمحكمة دولية

TT

«نحن لا نريد الثأر، بل العدالة»...

بهذه الكلمات خاطب النائب سعد الحريري، نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري، اللبنانيين في كلمة متلفزة وجهها اليهم امس من مقر اقامته في المملكة العربية السعودية.

وأكد الحريري في كلمته، التي بثتها محطات التلفزة وخلفه صورة اكبر تجمع في تاريخ لبنان الذي حصل في الرابع عشر من مارس (اذار) في ذكرى مرور شهر على الجريمة، ان التقرير «خطوة رئيسية اولى في مسار كشف الجريمة»، مناشداً المجتمع الدولي رفع الجريمة الى محكمة دولية «قادرة على الاقتصاص من المجرمين». مشدداً على ان الجريمة «لن تخرج لبنان من عروبته (...) وان ضلوع حفنة من الاشرار فيها لن يحجب الرؤية عن معرفتنا العميقة بحقائق التاريخ المشترك مع الشعب السوري الذي سيبقى (...) شعباً شقيقاً وعزيزاً.

وقال الحريري في مستهل كلمته ان «المسؤولية السياسية، تقتضي مني في هذه اللحظة التاريخية، ان اترفع عن مشاعر الغضب حيال الكثير من الوقائع والتفاصيل التي وردت في تقرير لجنة التحقيق الدولية في جريمة الاغتيال، فان الواجب يقتضي مني، في المقابل، ان ارفع باسم كل اللبنانيين نتائج هذا التقرير الى روح الشهيد العظيم رفيق الحريري وارواح الشهداء الابرار الذين سقطوا في مذبحة الرابع عشر من فبراير (شباط)». معتبراً ان رفيق الحريري «لم يستشهد بالصدفة. وهو الذي حمل، مع كل اللبنانيين الشرفاء، مشروع انقاذ لبنان، واسترداد سيادته وحريته، على مر السنين الماضية، مدركاً المخاطر الجسيمة التي كانت تتربص به، وتحاول تصفية هذا المشروع بكل الوسائل. فقد سبق جريمة الرابع عشر من فبراير عدة محاولات اغتيال سياسية، استهدفت تعطيل مشروع رفيق الحريري، واستخدمت في سبيل ذلك كل اشكال الضغوط والتهديد، التي ناءت بها كرامته الشخصية، لعشرات المرات، وما كان لها ان تتمكن من صلابته في مواجهة التحديات». وقال: «فعلوا ذلك في العام 1998، وكرروا التجربة في العام 2000، ثم بعد مؤتمر باريس2، ثم قبل التمديد، وبعد التمديد لرئيس الجمهورية، رغماً عن ارادة اللبنانيين، وفي مخالفة دستورية لا شرعية غير مسبوقة في تاريخ لبنان. وبين هذا الموعد وذاك مسلسل طويل جداً جداً، من الحملات والاساءات والافخاخ السياسية. ورفيق الحريري في المقابل، يرفض تسليم البلاد لنظام الوصاية الامنية، ورموزه في الداخل والخارج». وتابع: «فشلوا في اغتياله سياسياً، فاغتالوه جسدياً. ارادوا بالمصطلح الشائع، ازاحته من الساحة الوطنية اللبنانية. اصبح رفيق الحريري خطراً كبيراً على مشروعهم. اصبح خطراً على نظام الوصاية والتسلط. اصبح خطراً على ادوات ابتزاز لبنان والدولة اللبنانية. نظموا الجريمة، واعدوا العدة الكاملة للمجزرة. وكان لهم الرابع عشر من فبراير (شباط). وبعد ذلك التاريخ، ارتفعت رايات الحقيقة في كل لبنان، وباتت مطلباً لكل اللبنانيين. وفي الرابع عشر من مارس (اذار)، وصولاً الى هذه اللحظة، اكتشف القتلة، ان مشروع رفيق الحريري يزداد قوة، وان الشعب الذي وجه اصابع الاتهام، بعيد الساعات الاولى لوقوع الجريمة، لم يخطئ الهدف، وان الالتفاف حول شعار الحقيقة لاجل لبنان، كان اعظم بما لا يقاس، مما توقعه المجرمون».

وشدد الحريري في كلمته على «اننا اليوم امام منعطف جديد في حياتنا الوطنية والسياسية، نحمل الالم والغضب في القلب، ونراهن على الامل والمستقبل، في العقل واللسان» معلناً بشكل قاطع «قبولنا بنتائجه وبتوصياته وبكل المندرجات التي تضمنها، للكشف عن الحقيقة». وقال: «اللبنانيون الشرفاء الذين ترقبوا التقرير على احر من الجمر، سبق ان تعرضوا لحملات منظمة، من التشكيك بدور ومهام لجنة التحقيق الدولية، وهناك مع الاسف الشديد، قلة من جهات معروفة، تطوعت لتنظيم تلك الحملات، واشاعت في الرأي العام اللبناني، موجات متتالية من القلق، عززتها جرائم التفجير المتنقلة في العديد من المناطق».

ورأى ان «التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية، هو الخطوة الرئيسية الاولى، في مسار الكشف عن الحقيقة، التي نتطلع الى استكمال فصولها، وصولاً الى العدالة، التي تشكل وحدها مصدر الاطمئنان الكامل للشعب اللبناني وللدولة اللبنانية واستقرارها. وان الوصول الى العدالة، يرتب على المجتمع العربي والدولة مسؤوليات اضافية، تحملنا على مناشدته، للمضي في متابعة كل جوانب التحقيق في الجريمة، ورفعها الى محكمة دولية قادرة على الاقتصاص من المجرمين الجناة».

وقال: «ان حماية نتائج التحقيق الدولي مسؤولية وطنية لبنانية، بقدر ما هي مسؤولية عربية ودولية، لا يجوز التفريط بها، او التلاعب بموجباتها، تحت اي ظرف من الظروف. ونحن نتطلع في هذا السبيل الى كل القيادات السياسية والروحية والنقابية والى سائر الهيئات الاهلية والثقافية والانسانية، كي تعبر عن مشاركتها في التفاف جميع اللبنانيين حول ارادة تحقيق العدالة، بعد ان اخذ المجتمع العربي والدولي بيد لبنان، واصدر قراره التاريخي، بتشكيل لجنة التحقيق الدولية في جريمة الاغتيال. ان لبنان امام فرصة ذهبية، لتأكيد وحدته الوطنية وصون عروبته وتحصين استقلاله وترسيخ أمنه واصلاح مؤسساته وبناء دولته الحديثة. وهي فرصة يجب الا تضيع، وانا على ثقة بان اللبنانيين الشرفاء لن يسمحوا لاي جهة داخلية او خارجية ان تعمل على تبديدها»، مشدداً على «ان النتائج التي توصلت اليها لجنة التحقيق الدولية، لن تكون محل مساومة داخلية او خارجية، لان دماء اللبنانيين، دماء رفيق الحريري ورفاقه، باتت ومنذ اليوم، غير قابلة للمساومة وهي ليست معروضة لأي شكل من اشكال المقايضات السياسية ولن نقبل ان تكون وسيلة للاقتصاص السياسي او غير السياسي، في ساحات اخرى». ورأى ان «من بين اهم النتائج التي نقرأها في تقرير لجنة التحقيق الدولية، سقوط المنظومة الامنية، في ادارة شؤون الدولة وسوق العديد من رموز هذه المنظومة الى السجن»، قائلاً ان «لبنان الذي دفع ثمناً باهظاً جداً جداً لمثل هذا السقوط، تشهد عليه دماء الشهيد رفيق الحريري وسائر الشهداء الابرار، لا بد من ان يحقق الانتقال الكامل والنهائي من مخلفات الدولة الامنية، وفي كل موقع من مواقع السلطة الى واقع الدولة الديمقراطية الحديثة الكفيلة بحماية الوفاق الوطني واحترام القانون والدستور».

وحرص على التأكيد ان «ضلوع حفنة من الاشرار في الجريمة الارهابية، لن يحجب الرؤية عن معرفتنا العميقة بحقائق التاريخ المشترك مع الشعب السوري، الذي سيبقى بالنسبة لنا كما كان على الدوام بالنسبة للرئيس الشهيد رفيق الحريري شعباً شقيقاً وعزيزاً، نتطلع معه الى خدمة قضايانا القومية وارساء علاقات الاخوة القائمة على الصدق والاحترام المتبادل». وقال: «ان الجريمة الارهابية النكراء لن تخرج لبنان من عروبته، ولن تتمكن الايدي الآثمة وبعض الابواق الاعلامية اليائسة من تأليب اللبنانيين على ولائهم الوطني والقومي. ان هويتنا العربية لا تحتاج الى شهادات سلوك من احد. ولن نرضى بعد اليوم، من اي جهة كانت، ان تخضع اللبنانيين الى فحوص ولاء وانتماء ووفاء لقضايا العرب ومصالحهم». واضاف: «كونوا على ثقة مما نعلنه اليوم. نحن لا نطلب الثأر. نحن نطلب العدالة، وستأخذ هذه العدالة مجراها الكامل، بإذن الله. نحن نريد لاستشهاد رفيق الحريري ان ينير الطريق نحو لبنان جديد، تخرج منه فلول السلطة الامنية ليستعيد قواعد النظام الديمقراطي السليم، ويعيد الاعتبار لكل المبادئ والقيم التي تحول دون الاستمرار في انتهاك الدستور. نريد لروح رفيق الحريري وارواح الشهداء اللبنانيين ان تبقى عنواناً لالتزام لبنان بانتمائه العربي، ونريد لخط رفيق الحريري ان ينتصر، كي تنتصر الوحدة الوطنية في لبنان».

ورأى الحريري ان المجتمع الدولي لا يثأر لرفيق الحريري فحسب (عبر المحكمة الدولية) بل يؤدي دوره الانساني ويحقق العدالة، ويعلن كما لم يتم الاعلان من قبل، ان الحقيقة في قضية رفيق الحريري لن تموت وان الجناة سيلاحقون وسيعاقبون للمرة الاولى. ونوه بانها «المرة الاولى، التي تكشف فيها الحقيقة، في جريمة كبرى من سلسلة الجرائم الارهابية التي روعت اللبنانيين وغيرهم في قضايا اخرى، وتحكمت بمصيرهم لعشرات السنين» ووجه الشكر الى الجهات القضائية والامنية اللبنانية التي تعاونت مع لجنة التحقيق الدولية، والى اللجنة ورئيسها القاضي ديتليف ميليس كما الى الامم المتحدة وامينها العام كوفي انان والى الدول الاعضاء في مجلس الامن والى المجتمع العربي والدولي، خاصاً بالذكر «المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة بشخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومصر بشخص رئيسها محمد حسني مبارك، وفرنسا بشخص رئيسها جاك شيراك، الذين وقفوا مع لبنان وشعبه، وقفة الشقيق والصديق، وقفة المنتصر للحق والعدالة».