مسؤولو المتحف المصري يقررون الاعتناء به بعد اكتشاف كنوز أثرية في مخزنه إثر عملية سرقة

الغبار والعناكب تغطي مئات التوابيت والمومياءات

TT

اكتشف علماء الآثار المصريون الذين يجوبون الصحارى بحثا عن كنوز الماضي، ان واحدة من اعظم اكتشافات الاثار تقع في مخزن المتحف المصري الواقع بميدان التحرير في القاهرة. فطوال القرن الماضي جرى تخزين الاعمال الفنية والآثار في صناديق نسيها المسؤولون، ولا تزال منسية حتى الآن.

وقد دفعت عملية سرقة لثلاثة تماثيل من المخازن الواقعة في بدروم المتحف، المسؤولين الى مضاعفة الجهود الجارية الآن لاستكمال اول قائمة جرد لمحتويات المتحف. وقال زاهي حواس الامين العام للمجلس الاعلى للآثار: «لقد كان أمناء المتحف، طوال المائة عام الماضية، يجلسون يحتسون اكواب الشاي ولا يؤدون عملهم. كم عدد القطع الاثرية الموجودة في المخزن؟ امر في غاية السوء».

ويمكن الدخول عبر باب صغير ومنه الى سلالم شديدة الانحدار ثم تمر عبر ممر مغلق. والبدروم عبارة عن مجموعة من الممرات ومصابيح اضاءة عارية واسلاك كهربائية متهالكة، وهو مزدحم بمئات الصناديق الخشبية مكدسة فوق بعضها حتى السقف.

وتغطي بيوت العنكبوت الفخار الاثري واللوحات الاثرية. وتم العثور حتى الآن في المخازن على 600 تابوت و170 مومياء، ولا احد يعرف ما الذي سرق عبر السنوات. وفي العام الماضي، اشار المسؤولون الى اختفاء 38 اسوارة ذهبية تعود للعصر الروماني من المخازن، ربما قبل 6 سنوات.

ويقول الدكتور علي راضون، استاذ المصريات في جامعة القاهرة، الذي قام بجولة في المخازن قبل فترة: «من غير المناسب لبلد مثل مصر وجود مخازن تخص تاريخها وهي في مثل هذا البؤس».

يشار الى ان المتحف المصري يرجع تاريخه الى 104 سنوات ويحتفظ بمجموعات من اشهر الآثار في العالم. ويوجد بداخل المتحف عدد من المومياءات مثل رمسيس الثاني الذي مات في 1212 قبل الميلاد، كما يضم المتحف كنوز توت عنخ امون، الفرعون الشاب، والعربة الحربية الذهبية والقناع الذهبي.

والمتحف الذي صممه وشيده الفرنسيون في ميدان التحرير بالقاهرة، لم يتغير كثيرا على مدى السنين، فهو مزدحم دائما بنحو 120 الف قطعة اثرية معظمها لم يتم جردها بطريقة مناسبة، طبقا لما ذكره المسؤولون في المتحف. وحتى منطقة المعروضات مرتبة بعض الاحيان بطريقة غير منتظمة. وبعض الشروحات على القطع الاثرية ترجع للعصر الاستعماري، بينما لا تحمل بعض المعروضات الاخرى اية شروحات.

ومن المؤكد ان المتحف المصري ليس الوحيد الذي يعاني من مثل هذه المشاكل، الا ان حجم المشكلة ليس له مثيل. وقبل عامين تقريبا تعاقد المتحف مع شركة خاصة للبدء بتنظيف المخزن وتحويل بعض المساحات الى قاعات عرض. وفي العام الماضي قرر حواس اجراء محاسبة اكثر دقة، ولذا بعث بفريق من الامناء لإعداد قائمة كاملة.

وكانت عملية بطيئة في ظروف عمل في غاية الصعوبة. فلا توجد تهوية والاضاءة ضعيفة والغبار ينتشر في كل مكان. وقد تم تسجيل 22 الف قطعة حتى الآن، أي حوالي 20 في المائة مما هو موجود في المخزن، كما اوضحت صباح عبد الرازق الأمينة بالمتحف والمشرفة على تلك المهمة.

ولا يعرف الفريق ما الذي سيعثر عليه عندما يتم فتح اي صندوق. واوضحت صباح عبد الرازق انه في واحدة من الصناديق عثر الفريق على اجزاء من قصر الفرعون مرنبتاح، الذي يرجع الى الاسرة التاسعة عشرة، واكتشف القصرَ فريقٌ من عملاء الآثار من جامعة بنسلفانيا في عام 1915 وهو لا يزال معروضا في متحف الجامعة، غير ان المتحف لم تكن لديه أي فكرة عن وجود قطع اخرى من القصر موجودة في صناديق في المخازن. وقالت صباح عبد الرازق «يبدو الامر وكأنه اكتشافات اثرية جديدة».

وكان العمل يسير بهدوء حتى اوائل الشهر الماضي عندما اكتشف المتحف اختفاء ثلاثة تماثيل ترجع الى عهد المملكة القديمة (2649 قبل الميلاد الى 2152 قبل الميلاد). وفي البداية اصر الدكتور زاهي حواس على انه لا يمكن سرقة مثل هذه القطع. لكن بعدما ما فتش امناء المتحف المخزن لاكثر من اسبوع القت شرطة السياحة والاثار القبض على رجلين من فريق التنظيف قالا للشرطة إن التماثيل كانت متروكة في احد اركان المتحف لمدة ثلاثة ايام، ولذا اعتقدا ان لا احد يريدها، فهرَّباها من المتحف ضمن ركام مبانٍ.

وبعد كل الحرج العلني، قرر الدكتور حواس اتخاذ اجراءات لتنظيم المخزن. وفي احد ايام الشهر الماضي اخذ مجموعة صغيرة من الصحافيين الاكاديميين والمسؤولين في المتحف ليعرض عليهم احد مشروعاته، وتعهد باستكمال قائمة الجرد خلال عام وتحويل المنطقة الى منطقة تخزين حقيقية ووضع ارفف وتكييف هواء.

واشارت صباح عبد الرازق الى 6 نعوش عليها رسومات دقيقة. وعندما دخلت تلك المنطقة لاول مرة، كانت ملقاة على الارض ومغطاة بطبقة كبيرة من القاذورات بحيث كان يصعب معرفة ما هي بالضبط. لكن بعد عملية تنظيف سريعة تبين انه نعش كهنة امون، كبير الآلهة الذي كان يعبد قبل 3 آلاف سنة. وتم العثور على مومياءات الكهنة في صناديق قريبة منها. واعرب الدكتور رضوان عن امله في انقاذ مثل هذه الآثار وعدم تعرضها للاهمال بعد ذلك.. فربما كانت السرقة الاخيرة انذارا ودعوة لحل المشكلة.