واشنطن تنفتح على المعارضة الشيعية العراقية

TT

بينما يشرف الرئس صدام حسين على تنظيم اكبر احتفالات تشهدها بلاد الرافدين بمناسبة عيد ميلاده الرابع والستين في نهاية هذا الشهر، يقترب معارضوه من اقامة تحالف مناهض له. وتقول المصادر الدبلوماسية ان واشنطن وطهران تؤيدان هذه الخطوة «بهدوء ولكن بحزم».

وبادرت ايران بالسماح للمؤتمر الوطني العراقي، المدعوم من الولايات المتحدة، باقامة مكتب له في طهران، وهذا ما جعل زعيم المؤتمر، احمد الجلبي، يمضي وقتا طويلا بطهران لاقناع القادة الايرانيين بان تغييرا في بغداد، حتى اذا كان مدعوما من قبل اميركا، لن يضر بالمصالح الايرانية. وفي المقابل اعطت ادارة بوش الضوء الاخضر لبدء الاتصالات بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية بالعراق بقيادة اية الله محمد باقر الحكيم الطباطبائي. وتقول مصادر واشنطن ان الادارة الجديدة قررت مراجعة موقفها من المجلس الاعلى باعتباره المجموعة الوحيدة التي «تقوم بنشاطات حقيقية» ضد صدام حسين في المناطق الجنوبية من العراق ذات الاغلبية الشيعية.

وقال احد كبار مستشاري الادارة الاميركية «ربما لا نكون متحمسين كثيرا لايديولوجية المجلس، ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل وزنه في المعارضة العراقية. ونحن جادون في عزمنا على رؤية تغيير الوضع العراقي، وهذا يقتضي منهجا جديدا في اقامة التحالفات ضد صدام حسين».

ومن المتوقع مناقشة الاستراتيجية المستقبلية حول العراق في اجتماع يضم جميع الاطراف المعنية، وسيعقد بالولايات المتحدة بداية الشهر المقبل، وثمة احتمال قوي بان يكون المجلس الاعلى ممثلا في ذلك الاجتماع. وكان الناطق الرسمي باسم المجلس محمد هادي قد صرع لوكالات الانباء بان مفاوضات مباشرة ستجري مع واشنطن. وقال ان المجلس اصبح «اكثر واقعية» في ما يتعلق بالدور الذي يمكن «ان تلعبه الولايات المتحدة في احداث التغيير بالعراق»، واضاف «نحن مستعدون للتفاوض مع اية جهة في محاولاتنا للتخلص من صدام، بما في ذلك الولايات المتحدة. ويعتبر الضغط الاميركي على صدام حتى لا يستخدم الاسلحة الثقيلة ضد شعبنا سببا كافيا لبدء حوار مباشر مع اميركا».

سلسلة المشاورات التي جرت مؤخرا بين مجموعات المعارضة العراقية، سواء داخل المناطق الكردية ذات الحكم الذاتي او في المنفى، اشاعت مناخا من التفاؤل بان المحاولات الجديدة لاسقاط صدام تملك قدرا اكبر من احتمالات النجاح.

وليس خافيا ان خيبة الامل اعترت الكثيرين في واشنطن من جراء فشل ادارة كلينتون في تحقيق اية خطوات هامة لتنفيذ «قانون تحرير العراق»، ويأمل هؤلاء الان ان تتمكن ادارة الرئيس جورج بوش من بعث حياة جديدة في ذلك المشروع. يقول احد مستشاري ادارة بوش «لم تكن الادارة السابقة تؤمن بان العراق يمكن ان يتحرر. ولذلك استمروا في الاعمال الروتينية ليظهروا وكأنما هم ينفذون القانون ولكن الواقع يقول انهم كانوا سعداء ببقاء الاوضاع في العراق على ما هي عليه».

ومما يدل على ان ادارة الرئيس كلينتون لم تكن راغبة في التورط في شؤون العراق انها صرفت 3 ملايين دولار فقط من جملة 97 مليونا خصصها الكونغرس الاميركي لدعم المعارضة العراقية. وكان مقررا صرف هذه المبالغ على تدريب المقاتلين والنشطاء السياسيين الذين من المفترض ان يعملوا داخل العراق. ولكن المؤتمر الوطني العراقي الذي تسلم بعض هذه المعونات لم يتمكن حتى الان من تجنيد اعداد كافية من المتطوعين للتدريب. ومع ان ادارة بوش لم تحدد بعد تفاصيل سياستها نحو العراق، الا ان الخطوط العامة لهذه السياسة اصبحت واضحة. واحد المعالم البارزة لهذه السياسة هو تجميع اكبر عدد من المجموعات المعارضة. وعكفت الادارة على عقد عدد من الاجتماعات غير الرسمية مع بعض الشخصيات العراقية في الاسابيع الاخيرة الماضية، ويتوقع المراقبون ان تقدم واشنطن نظاما جديدا للعقوبات يقضي بحرمان صدام حسين من كثير من ركائز برنامجه الدعائي. وفي نفس الوقت سيزيد الضغط على بغداد، بعدة طرق اخرى، بما في ذلك العمليات العسكرية التي ستقوم بها قوات معارضة بالداخل افضل تدريبا وتسليحا.

المعلم الثاني من معالم السياسة الاميركية نحو العراق، يشمل عدة تحركات دبلوماسية وقانونية، بما في ذلك اتهام عدد من كبار المسؤولين العراقيين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

وتعتبر الشكوك المتبادلة بين واشنطن وطهران خلال السنوات الماضية هي المسؤولة عن عدم تطوير استراتيجية متكاملة لاسقاط صدام حسين. اما الآن فيوجد على الجانبين من يعتقد ان التعاون ضد صدام يمكن ان يقود في النهاية الى تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن.

ومن العوامل المهمة في هذا الاطار تغيير ايران لموقفها من امكانية حدوث تطبيع نهائي للعلاقات مع صدام.

حامد زمردي، محلل الشؤون الدفاعية الايرانية، عبر عن هذا بقوله: «حتى قبل سنة واحدة كان البعض في ايران يعتقد ان ايران يمكنها اقامة علاقات عمل مع العراق تحت حكم صدام حسين، ولكن الاوهام حول هذا الامر انقشعت تماما حاليا، فخبراء الاستراتيجية الايرانيون افاقوا الآن على حقيقة ان صدام يمثل خطرا على الجمهورية الاسلامية على المدى البعيد. لنتخيل ان العقوبات رفعت عن العراق وان صدام صار يملك 20 او 30 مليار دولار في العام، الا يغريه هذا باعادة بناء ترسانة حربية وتهديد ايران؟».

وما يقلق القيادة الايرانية اكثر هو الدعم الذي توفره بغداد للعديد من المجموعات المسلحة التي تعمل ضد ايران من الاراضي العراقية. ففي خلال الشهور الاثني عشر الماضية، استطاع المتمردون المدعومون عراقيا، ان ينفذوا 107 عمليات ضد اهداف داخل ايران، بما في ذلك تفجيرات داخل طهران نفسها. وكان على رأس هذه المجموعات منظمة «مجاهدين خلق». كما ان بغداد تدعم منظمات اخرى منها الحزب الشيوعي الكردي الايراني (كوملة) ومنظمات انفصالية عديدة تعمل من الاقاليم الايرانية مثل خوزستان وسستان وبلوشستان.

وفي الوقت نفسه صعدت بغداد من حربها الدعائية ضد ايران، آملة في اثارة القلاقل اثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبدأ التلفزيون العراقي باذاعة مسلسل جديد حول الحرب العراقية ـ الايرانية يصور الايرانيين كـ«وثنيين من عبدة النار».

وتجيء مجهودات ادارة بوش لضمان تأييد ايران لخطط محاربة صدام في اطار سعي واشنطن لعزله. وقد نوقش هذا الامر بين الرئيس السوري بشار الاسد ووزير الخارجية الاميركي كولن باول خلال زيارة الاخير لدمشق في الشهر الماضي. كما سلطت عليها كثير من الاضواء في المحادثات مع تركيا وعدد من الدول العربية.