الملك عبد الله الثاني في حديث تنشره «الشرق الأوسط» نجحت القمة العربية لأن لا أحد صرخ في وجه الآخر أو انسحب.. والعراقيون ضيعوا فرصة ذهبية

عرفات ما زال الرمز لمستقبل الدولة بالنسبة للشعب الفلسطيني

TT

* أتفهم الموقف الأميركي واتعاطف معه لكن لو تركنا الفلسطينيين والاسرائيليين وحدهم سيتصاعد العنف

* هناك انتقادات لأنني أركز على الاقتصاد أكثر من السياسة ولكن مستوى الحياة الأفضل يسرع الإصلاح واشنطن: روبين رايت * تحدث العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في لقاء معه في واشنطن عن القمة العربية الاخيرة في عمان والعراق وعملية السلام وذلك قبل اجتماعه في واشنطن اليوم مع الرئيس الاميركي جورج بوش

* قبل اقل من ثلاثة اشهر كان السلام بين الفلسطينيين واسرائيل يبدو قريب المنال. ولكن العنف وصل الآن الى اسوأ مستوى له خلال عقد من الزمان، ما هي احتمالات استئناف مفاوضات السلام؟

ـ لا نتحدث في هذه المرحلة عن مفاوضات السلام او عملية السلام. نحن نحاول تبني آلية لخفض العنف، وهذا يعني محادثات على مستوى ادنى كثيرا للأسف. ما نحن بصدده هو جمع الأجهزة الامنية للبلدين لتتمكن من ايجاد آلية لخفض العنف وايقافه.

* جاء القادة المصريون والأتراك أخيرا الى واشنطن لاقناع الادارة الجديدة بلعب دور اكبر، ما هي الرسالة التي تحملها للرئيس بوش؟

ـ الموقف الاميركي في ظل الادارة الحالية هو التراجع قليلا الى الوراء وليس التخلي عن الشرق الأوسط. انها تقول جوهريا، عندما تظهرون قدرا كافيا من الجدية وتأتون بشيء يغرينا بالمشاركة، فاننا سنعود ونتفاوض معكم.

انني اتفهم الموقف الاميركي واتعاطف معه. ولكننا لو تركنا (الاسرائيليين والفلسطينيين) وحدهم فالعنف سيتصاعد. النشاط الارهابي يتصاعد وما نراه الآن في الأراضي المحتلة ليس سوى مقدمات لمزيد من العنف اذا لم تستأنف المفاوضات. ولذلك من الضروري ان نقوم جميعا بحث الفرقاء على الجلوس والتفاوض.

* هناك شعور اميركي بأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إما غير راغب في السلام او غير قادر على تحقيقه، وذلك لأنه رفض اتفاقا يعطيه اكثر من 90 في المائة من الأراضي التي يطالب بها، هل هو راغب فعلا في السلام؟ وما هو مدى النفوذ الذي يتمتع به؟

ـ الدول الأخرى تصدر تصريحات بأنه يفتقر الى السيطرة على الأمور. لا اعتقد ان هذا صحيح. فهو يملك مثل هذا النفوذ في الأراضي الفلسطينية. ولكن وضعه ليس مواتيا. اي انه يحتاج الى فرض سلطته بصورة محددة، كأن يقول «أريدكم ان تفعلوا هذا لأنني أتيتكم بهذا».

واضح ان نفوذه قد تناقص شيئا ما منذ الانتفاضة، ولكنه ما يزال الرمز لمستقبل الدولة الفلسطينية بالنسبة للشعب الفلسطيني.

* ما هي مخاطر تصاعد العنف والنزعات الأصولية الاسلامية اذا استمر العنف الحالي؟

ـ هناك اخطار عظيمة لتصاعد التطرف والراديكالية على الجانبين. فالموضوع ليس هو الانتفاضة وحدها والموت المنتشر ـ من الجانبين ـ بل هناك المشقة الاقتصادية العظيمة التي يعانيها الفلسطينيون. واذا كان هناك جيران، بعضهم يملك كل شيء وبعضهم لا يملك شيئا، فسيكون هناك نزاع. سيشعر الناس بأن حياتهم لا معنى لها ولذلك سيحمل بعضهم القنابل على ظهره ويقتحم المباني او محطات نقل الركاب ويفجرون انفسهم.

* بعد عشر سنوات من غزوه للكويت، أما يزال الرئيس العراقي يمثل تهديدا للاقليم؟

ـ في القمة العربية (التي عقدت الشهر الماضي بالأردن) ساد مناخ المصالحة وجرت محاولات من الدول العربية لانهاء 10 سنوات من العداء. جلس 15 وفدا يمثلون رؤساء بلدانهم، وبمباركة السعودية والكويت، مع العراقيين وقالوا لهم «دعونا نترك الماضي وراء ظهورنا، ونحن نملك الآن مشروعا شاملا للمصالحة». العراقيون لم يوافقوا على المشروع وضيعوا بذلك فرصة ذهبية. ومع ذلك كانت القمة ناجحة لأن أحدا لم يصرخ في وجه الآخر او ينسحب. ولكن هناك مسافة يجب ان نقطعها. ونحن للأسف لم نتوصل الى قرار ولذلك علينا ان نعود مرة اخرى الى الطاولة.

نحن نتفهم جميعا ضرورة رفع المعاناة عن الشعب العراقي. ولكن هناك قلقاً عظيم اًفي كثير من البلدان يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. العراقيون قالوا داخل القمة ان هذا ليس برنامجهم. ولكن يطالبون بأن يكون هناك تعامل مقبول ومعقول مع اسلحة الدمار الشامل، وانهم عند ذاك مستعدون لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.

* يمكن ان يقال أن صدام ـ بعد عشر سنوات ـ قد انتصر، وان الطرف الآخر هو الذي تنازل وتخلى عن العقوبات الاقتصادية، هل هو انتصر بالفعل؟ هل اصبح أقوى حاليا؟

ـ لا اعتقد ان المواجهة انتهت، ولكنه فعلا في وضع قوي جدا. ليس ثمة ادنى شك في ذلك. ولذلك هناك شعور قوي في الاقليم وفي العالم بأن العقوبات صاحبها كثير من الاضطراب والتشويش، وان الدول لم تقم بمجهود جدي في تنفيذها، مما سمح لدول اخرى بخرقها وهي تشعر بغياب الموقف الدولي الصلب من اجل فرضها.

* هل تعتقد ان صدام سيكون موجودا لأجل غير مسمى؟

ـ نعم اعتقد ذلك.

* الى اي مدى يعتمد الأردن على العراق؟

ـ هذا هو الوضع غير العادي الذي نجد فيه انفسنا. فصناعاتنا اتجهت الى دعم العراق في الثمانينات في حربه ضد ايران. ولذلك تأثرت صناعاتنا منذ 1990 نتيجة للعقوبات. حاولنا منذ 1994 تحرير التجارة مع الضفة الغربية. في المتوسط كانت التجارة الاسرائيلية مع الضفة الغربية حول 2.4 بليون دولار، بينما كانت صناعاتنا في طاقتها القصوى لا تتعدى 8% او 10% من ذلك السوق. ولكن التجارة مع اسرائيل تدهورت منذ توقيعنا اتفاقية السلام مع اسرائيل، فحجم تجارتنا الآن مع اسرائيل حوالي الثلث مما كانت عليه قبل توقيع الاتفاقية عام 1994. وسيكون من مصلحة اسرائيل ان تسعى لفك الارتباط بين الصناعات الأردنية والعراق، وان تربطها باسرائيل حتى لا تضطر الى الاعتماد على السوق العراقي. ولكن للأسف هناك مجموعات داخل اسرائيل لها مصالح تجارية تجعلها غير راغبة في الاتجار معنا، وهذا ينطوي على مفارقة، لأننا نتحدث عن اقتصادات مفتوحة وحرة وخاصة مع شرق الأردن. ولكن هناك عقبات في هذا الطريق. ولذلك عندما يطالب الناس بالسلام مع اسرائيل، فاننا لا نرى مقابلا. ونحن نتحدث الى شركائنا الاسرائيليين عن هذه المشاكل. ويحيرني اننا لم نستطع حلها بعد!

* كان والدك الملك حسين قد لعب دورا رئيسيا في اقامة الديمقراطية بالأردن، واجراء الانتخابات البرلمانية منذ اوائل الثمانينات، ما هي خططك للمزيد من الديمقراطية؟

ـ في السنوات العشر المقبلة سنشهد تغييرات درامية في نظامنا الديمقراطي. هناك انتقادات بأنني اركز على الاقتصاد وان السياسة تأتي في الدرجة الثانية. والواقع انك اذا ركزت على الاقتصاد، وحسنت حياة الناس وجعلت مستوى الحياة افضل، فانك على المدى الطويل تكون قد سرعت بعملية الاصلاح السياسي.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»