إذاعة وتلفزيون عدي لا يلتزمان الخط الرسمي لبغداد

يقدمان صورا أقل لصدام ونقدا أخف للغرب ويروجان لسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الأميركية

TT

تعالى صوت مقدمة البرنامج بانفعال شديد «هيا ايها الشباب؟ ما بالكم؟ لا تكونوا من الخاسرين، هيا»، وهي تحاول تشجيع المستمعين على المشاركة في اكثر البرامج شعبية في اذاعة صوت العراق اف ام التي تبث باللغة الانجليزية.

وعلى مدى ساعتين لم ينجح اي من المتصلين بهذا البرنامج من الرد بصورة صحيحة للفوز بأي جائزة. وتعالى صوت المذيعة المتحمسة من جديد «ان الجواب سهل للغاية، اي اغاني «المتاليكا» فازت بجائزة «جرامي» عام 1989؟». بعد ذلك ببضع دقائق فشل احد المتصلين بالبرنامج في تسمية «الانواع الموسيقية الاربعة» التي كان يغنيها بوب ديلان. ورد احد المستمعين الذي تفاجأ بأحد الاسئلة قائلا «تمهلي علي قليلا»، وكان يطمع في الحصول على الجائزة التي خصصها البرنامج: وهي بالنسبة للنساء زيارة تسوق لاكثر بوتيكات بغداد اناقة، اما للرجال فعضوية لستة اشهر في احد اندية كمال الاجسام. واللافت للنظر في هذا البرنامج طابعه العصري الخفيف، وهو طابع الشباب الذين يديرونه، خاصة انه يبث في ارض نبوخذنصر والخلفاء المسلمين وصدام حسين. فقد ظلت بغداد معزولة عن العالم بسبب العقوبات التي فرضت عليها طيلة العقد الماضي. كما ان هناك متطلبات الحصول على تأشيرات للعبور الى الدول الغربية واعتراض وتعطيل ما تبثه الاذاعات الاجنبية، فضلا عن القيود الشديدة التي يفرضها صدام على القادرين على السفر الى الخارج، وكل ذلك يصعب على اهل هذه المدينة مواكبة ما يجري في لندن ولوس انجليس او نيويورك.

مع ذلك، فان السير بالسيارة في شوارع بغداد اثناء الإنصات لما تبثه اذاعة «اف ام»، كما باتت تعرف بين الناس، تجربة تقلب الدماغ. فمن جهة، انتج عراق صدام طوال العقد الماضي اضخم قدر من الدعاية المعادية لاميركا من اي مكان آخر. فالرئيس بوش في الصحف والبرامج الاخبارية، بما فيها اذاعة «اف ام»، هو «المجرم الصغير» (بينما ابوه المجرم الكبير لانه شكل التحالف العسكري الذي اخرج العراق من الكويت عام 1991). اما العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة ومجلس الامن فليست سوى الطريقة الاميركية «للنيل من الشعب العراقي».

ومن جهة اخرى، لا يملك المرء الا ان يتساءل كيف تسمح الحكومة لقناة اذاعية على اجتذاب ملايين المستمعين لبرنامج يشجع على الادمان على امور اميركية الطابع مثل موسيقى «الروك» و«الراب» و«موسيقى الريف»، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد بل يتجاوزه الى البث باللغة الانجليزية؟ والمثير للاستغراب ايضا ان مثل هذه البرامج تبثها المحطة الاذاعية التي تملكها الدولة من استوديوهات داخل تلك المحطة التي قصفت بشدة خلال حرب الخليج.

وتتبدد هذه التساؤلات عند معرفة مالك المحطة، وهو عدي صدام حسين سيئ الصيت الابن الاكبر للرئيس العراقي. وكانت جماعات المعارضة العراقية في الخارج، وتقارير وزارة الخارجية الاميركية حول حقوق الانسان، اعلنت طوال الاعوام الماضية ان عدي البالغ 36 عاما يحفل تاريخه بارتكاب اعمال العنف ولا يمكن التنبؤ بما يصدر عنه. وكان احد التقارير الاخبارية قد افاد قبل اعوام بانه سجن افراد فريق كرة القدم العراقي بعد خسارتهم في احدى المباريات وامرهم بلعب مباراة وهمية بكرة اسمنتية.

ولا يمكن الحكم بحقيقة هذه الروايات والقصص في مجتمع مثل المجتمع العراقي الذي يسيطر عليه الخوف وتخيم عليه السرية. وفي كل الاحوال، فان عدي اليوم عضو في البرلمان وهو يرأس لجنة بلاده الاولمبية، وقد ضاعف من سلطته وقوته بتدشين قناة «اف ام» وتلفزيون الشباب وهي احدى القنوات التلفزيونية.

ويشير جواد العلي، الذي يدير المحطتين منذ سحبه عدي من موقعه في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الحكومية عام 1993 بعد ان كان الرقم الثاني فيها، في مقابلة معه الى ان «اف ام» وخلال ساعات البث الرئيسية تجتذب 95 في المائة من المستمعين في ارجاء العراق، كما ان تلفزيون الشباب يجتذب قطاعا كبيرا من مشاهدي القناتين التلفزيونيتين الحكوميتين بنسبة تصل الى 75 في المائة.

واذا صح ذلك، فان هذه النسب تكشف عن نفور العراقيين البالغ عددهم 23 مليوناً عن متابعة المحطة التلفزيونية التي تملكها الدولة. ولا يعد ذلك مفاجأة لمن تابع هذه المحطة، فكل ليلة يطل على المشاهدين احد المذيعين من اصحاب القسمات الصارمة ليقرأ عليهم سلسلة شجب للولايات المتحدة تتلوها لقطات تصور صدام وهو يلتقي بكبار المسؤولين العراقيين. اما تلفزيون الشباب ففيه محطة رياضية وقناة عامة الغرض منها بث افلام هوليوود التي غدت محط انظار الحياة الاجتماعية في بغداد.

ويوضح جواد العلي سرقة عدي لمشاهدي التلفزيون الرسمي، وتخصيص تغطية اقل لنشاطات الرئيس صدام بالقول انه (عدي) هو الذي اقترح تأسيس محطة خاصة على والده الرئيس الذي وافق عليها بحماس.

وتولي المحطة الخاصة النشاطات الحكومية اهتماما هادئا في تغطياتها الاخبارية وبرامجها الوثائقية. غير ان العلي اصابه الانقباض عند سؤاله عما اذا كان احد البرامج التي ظهر فيها وزير الداخلية، المسؤول عن الشرطة والسجون، قد فتح المجال ايضا امام الشكاوى المتعلقة بالتجاوزات الواسعة لحقوق الانسان، بما فيها تعذيب واعدام السجناء. فرد قائلا «ابدا، لم يقل احد مثل هذا الكلام قط». وتدور احاديث خافتة بين العراقيين حيال الدور الذي يمكن ان يلعبه تلفزيون الشباب ومحطة «اف ام» في حال موت صدام الذي يبلغ 64 عاما وتنتشر الاشاعات باصابته بسرطان الغدد اللمفاوية التي نفيت رسميا.

وكان عدي قد اصيب بجراح بالغة في محاولة اغتياله عام 1996 التي نسبت الى جهات ايرانية، غير انه عاد الآن ليلعب دورا رئيسا في الساحة العراقية. وتفيد جماعات المعارضة العراقية في لندن ونيويورك ان الدور الذي يلعبه راهنا في الاعلام هو جزء من محاولات تجري خلف الستار لخلافة والده الى جانب شقيقه قصي البالغ 34 عاما ويمثل شخصية سياسية لها قوتها.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»