خصوم أعضاء الكونغرس يحاربونهم عبر «ويكيبيديا»

الموسوعة الإنترنتية تلقت ألفي تعديل «تخريبي متعمد» خلال شهر

TT

هذا ما يعتبر تبديلا متطرفا في واشنطن: متدرب في فريق العضو الديمقراطي بمجلس النواب مارتن ميهان، يغير السيرة الذاتية للنائب في موسوعة «ويكيبيديا» الانترنتية، ليشطب تعهدا سابقا، كان قال فيه انه سيحدد خدمته بأربع مدد فقط. وفي الوقت نفسه، يعدل شخص ما ملف السناتور الديمقراطي روبرت بيرد ليحدد عمره بـ180 سنة (وعمره في الحقيقة 88 سنة). كذلك، كتب في الموقع ان السناتور الجمهوري توم كوبرن «اختير أكثر سناتور ممل في الكونغرس».

ومنع موقع «ويكيبيديا» الاسبوع الماضي، تعديل بعض المعلومات الخاصة باعضاء الكونغرس. ويشار الى ان «ويكيبيديا»، هي قاعدة معلومات هائلة متزايدة باستمرار، تكتبها وتتولي عمليات الصيانة فيها مجموعة من المتطوعين. وفي شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، تلقى الموقع 7.4 مليون تعديل من متصفحي الشبكة، كان من بينها، كما ذكر مؤسسها جيمي ويلز، نحو ألفي تعديل اعتبرت تخريبية بشكل متعمد.

وبعدما اصبح الموقع واحدا من اكثر المواقع زيارة على شبكة الانترنت، فانه صار يختبر حدود المساهمات الجماعية ولكن عندما يتعلق بواشنطن، حيث تنشط المؤامرات، فإن الاحتفاظ بمثل هذا السجل العلني يمثل تحدياً. ولا يتعلق ذلك فقط بمضمون الملفات، لا سيما تلك المتعلقة بالاشخاص، ولكن ايضا بالطبيعة غير الموضوعية للحقيقة السياسية ذاتها.

فعندما اشار الملف المتعلق بزعيم الاقلية في مجلس الشيوخ هاري ريد، الى انتقاده للرئيس جورج بوش، اضاف احد عبارة «بحق». كما غير احدهم السجل التشريعي لعضو مجلس النواب مارلين موسغراف، فبدلا من عبارة «واحد من آخر مشاريع قوانينها الفاشلة، كان يمكن ان يجعل من الصعب على الآباء من نفس الجنس رؤية اطفالهم في المستشفى خلال الطوارئ» اصبحت: «قضت موسغراف معظم وقتها في القضايا الاجتماعية، لا سيما مشاريع القوانين لحماية الاطفال والتعريف التقليدي للزواج وحق ملكية الاسلحة».

ومن اكثر التعديلات التي تمت في الاسابيع الاخيرة، شطب اية اشارة لرئيس الاغلبية السابق في مجلس النواب توم يلاي، من ملفات الاعضاء. وتجدر الاشارة الى ان التعديلات ذات الطبيعة السياسية ليست امرا عاديا في الكابيتول هيل، بل ان البعض يرجعها الى مواقع اخرى في واشنطن، بما فيها وزارة العدل ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) وسلاح البحرية ومشاة البحرية (المارينز).

ويبدو ذلك شبيها بما يمكن ان يحدث دائماً في موقع يمكن لاي موضوع فيه ان يتعرض للتعديل من قبل أي شخص. لكن مثل هذا السلوك هو الاستثناء في «ويكيبيديا». وقال ويلز الذي بدأ المشروع قبل خمس سنوات، ان التجربة اكدت ايمانه بالانسانية. واضاف ان «الهدف هو منح الناس الفرصة لموسوعة مجانية بلغتهم».

وأثبتت مواقع الانترنت الاخرى، المفتوحة للجميع، نجاحها. فقد نجح مطورو برامج الكومبيوتر في تصميم مئات من البرامج على الانترنت، مثل نظام تشغيل «لينوكس» المتوفر مجانا. كما تعتمد بعض برامج التسويق مثل «إي باي» الخاص بالمزادات، علي تقييم الزبائن لمساعدة المشترين على تنظيم تجمعاتهم.

إلا ان التجربة لا تنجح دائما بسبب الطبيعة البشرية. فقد أوقفت كل من «لوس انجليس تايمز» و«وواشنطن بوست»، مثلاً، مقترحات دعت لإجراء دراسة نقدية مفتوحة لمحتوى مواضيعها، إثر تدفق سيل من التعليقات القاسية. وتشكل واشنطن مشكلة لموسوعة «ويكيبيديا» التي يتابعها عدد يتراوح بين 800 و1000 من المحررين المتطوعين، الذين يعملون بنشاط. وخلال التطورات الاخيرة قرأ عدد من محرري موسوعة «ويكيبيديا» تقريرا في صحيفة «لويل صن» اعترف فيه موظفون، يعملون لدى عضو مجلس النواب ميهان، بانهم كتبوا محل المعلومات المدونة حوله مسبقا معلومات أخرى تتسم بالتملق والمداهنة، مما أدى الى عدم تمكن اجهزة الكومبيوتر الموجودة في مجلس النواب من الدخول الى الموقع. وفي حالة ميهان اجريت التعديلات من قبل متدرب يعمل في تحديث المعلومات في الملفات التعريفية الخاصة بعضو مجلس النواب في الموقع الخاص به، وعدل هذا الجزء من المعلومات في الموسوعة لتوضيح ذلك، حسبما قالت المتحدثة باسم ميهان، ساندرا سالستورم. وشطب المتدرب وعدا كان قد قطعه عضو المجلس في حملة انتخابية سابقة بالتقاعد بعد اربع فترات في الكونغرس. وتعتبر «ويكيبيديا» هذا التصرف تعديلا غير ضار مقارنة بالتعديلات التي تنم عن سوء نية وتخريب متعمد. وبصورة عامة، ترصد الانتهاكات والمخالفات خلال دقائق فقط، مثلما حدث في التعليق الأخير حول الرئيس بوش. (بسبب محاولات التخريب المتعمدة التي تستهدف موقع الرئيس بوش، لم يعد هذا الموقع مفتوحا للتعديل والإضافة من قبل مستخدمي ويكيبيديا).

وفي واحدة من الحالات لم يلحظ أحد المعلومات المغلوطة التي ورد فيها ان جون سيغنثولر، المساعد الخاص السابق للنائب العام روبرت كينيدي، ضالع في اغتيال كينيدي، إذ ظلت هذه المعلومات في الموقع من دون ان يلحظها المراقبون على مدى اربعة أشهر تقريبا. وتغيير المعلومات بهدف عكس صورة محددة يحدث في بعض الأحيان، ولا يقتصر ذلك على السياسية فقط، فبعض الشركات تحاول ان تعكس صورة زاهية لأعمالها ونشاطاتها التجارية في الجزء الخاص بها في الموسوعة، بل تنشئ في بعض الأحيان بيانات صحافية. واعترف ويلز، مؤسس الموسوعة، انه كثيرا ما أجرى تعديلات على المعلومات الخاصة به، لكنه فعل ذلك بصورة واضحة وصريحة، الا انه يؤكد انه يشعر بالندم الآن. وطبقا للقواعد والإجراءات المعمول بها، يشطب التعديل ويعاد النص الأصلي ويرسل خطاب تحذير الى المستخدم الذي أجرى التعديل. ويقول واحد من التحذيرات التي ارسلت الى موظفي مجلس الشيوخ: «نرحب بالمساهمات من كل الذين يرغبون في التعديل او الإضافة، بمن فيهم موظفو الكونغرس الاميركي، ولكن نرجو الالتزام بسياساتنا، وخصوصا تلك المتعلقة بالهجوم الشخصي والحياد» و«ربما يكون مفهوم الحياد مخادعا من الناحية السياسية، لذا فإن بعض الخلافات ينظر فيها من قبل لجان تحكيم مكونة من متطوعين أيضا». وأشار ويلز في سياق هذه التوجيهات الى ان الاشخاص الذين يتعاملون بمعقولية هم الذين يمكنهم أن يعملوا ويتعاملوا مع «ويكيبيديا» أما «الذين يتصرفون خلافا لسياستنا ومعاييرنا فلن يسمح لهم بالدخول».

* خدمة «نيويورك تايمز»