عرب أميركا يحاربون الصورة النمطية عنهم بمسرحيات "هادفة"

«الحلق» تناقش التحقيق مع كاتب عربي .. و«ثمانية أجزاء للرغبة» تدور حول النساء العراقيات

TT

عنوان مسرحية يوسف الجندي الجديدة «الحلق»، يشير الى محاولة الشخصية الرئيسية في المسرحية، وهو كاتب اميركي عربي اسمه خالد، اقناع عملاء الحكومة الذين زاروه في بيته نطق حرف الخاء. وهذه المهمة، أي الحاجة للتعريف بذاتك وتوضيح الامر، اصبحت امرا اعتياديا منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، بالنسبة للعرب الاميركيين، الذين وجدوا انفسهم منذ تلك الاعتداءات مجالا لحب الاستطلاع والخوف. وقد تحولت هذه الرغبة المزدوجة، بالنسبة للكتاب المسرحيين، الى فرصة.

قال الجندي، الذي بدأت مسرحيته الجديدة عروضها في مدينة نيويورك امس، على مسرح flea: «لقد ظلت القضايا العربية والإسلامية خارج نطاق الاهتمام لفترة طويلة، اذ كان ينظر الى مثل هذه القضايا بأنها معقدة». وأوضح ان الموضوع كان «حساسا للغاية»، الى ان جاءت احداث 11 سبتمبر «وفجأة ظهرت دعوات لمسرحيات».

والجندي هو واحد من بين مجموعة كتاب مسرحيات، من الاميركيين العرب، الذين اصبحوا يحظون باهتمام كبير منذ الهجمات الارهابية، ويقولون ان اعمالهم تهدف الى مواجهة الصورة النمطية المرتبطة بالعرب والمسلمين.

وساعدت جهودهم هذه في توحيد مجموعة متفرقة ومتنوعة من المهاجرين وأبناء الجيل الثاني والثالث من الاميركيين العرب، من المسلمين والمسيحيين. قالت هيذر رافو، وهي كاتبة مسرحية نصف عراقية ونصف اميركية، تنتمي للمذهب الكاثوليكي: «قبل هجمات 11 سبتمبر شعرت بان الجالية العربية مثل الشرق الاوسط ذاته مكونة من مجتمعات معزولة». وقد كتبت رافو مسرحية بعنوان «ثمانية اجزاء للرغبة»، تدور حول النساء العراقيات، وقد مثلت هي فيها. وقالت رافو: «منذ ذلك الوقت اصبح الامر عاجلا وشاملا وتولدت الرغبة في الابداع معا».

وفي شيكاغو اسس الكاتب المسرحي جميل خوري (والده سوري ووالدته بولندية سلوفاكية) مع شريكه مالك جيلاني «مشروع مسرح طريق الحرير»، بعد هجمات 11 سبتمبر، لعرض مسرحيات حول الدول الواقعة حول هذا الطريق التاريخي من الصين الى اوروبا، وبينها دول من منطقة الشرق الأوسط.

وبعد احداث 11 سبتمبر عرضت مجموعة نبراس، وهو مسرح اميركي عربي في مدينة نيويورك مسرحية «السجل». واعتمد هذا العمل على اجراء مقابلات مع عرب وغير عرب، حول رأيهم عندما يسمعون كلمة «عرب». وتضم هذه المجموعة ناتالي هاندل ونجلاء سعيد، ابنة المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد. وقد حصل العمل على جائزة مهرجان fringe عام 2002.

وفي سان فرانسيسكو تأسس مسرح golden thread productions في عام 1996، لتقديم مسرحيات تدور حول ثقافة منطقة الشرق الاوسط، وقد شارك المسرح في انتاج اول عرض لمسرحية «الحلق» في العام الماضي.

وتدور مسرحية «الحلق»، التي سيستمر عرضها حتى 5 مارس (آذار) المقبل، حول كاتب اميركي عربي يقع فجأة في مواجهة مع عملاء فيدراليين.

ووصف الجندي الهجمات الارهابية بأنها بشعة، لكن في الايام التالية للهجمات بدأ مع مجموعة من اصدقائه من العرب الاميركيين في الشعور بالشكوك والخوف. وقال الجندي ان مدينة سياتل التي يعيش فيها ليبرالية. واضاف ان «التحقيق بدأ مع الاصدقاء وأصدقاء الاصدقاء، ثم بدأ تطبيق قانون الوطنية «باتريتوت آكت»، وفجأة لم تعد تعرف حقوقك. تتعرض للتوقيف بسبب ما تقرأه في المطار مثلا. يذهب رجال مكتب المباحث الفيدرالي الى قاعات عرض الاعمال الفنية ويطرحون اسئلة حول ما اذا كانت للمعرض صبغة سياسية». وتابع قائلاً: «لقد بدأت في النظر حولي في شقتي. ماذا عندي في الشقة اذا جاءني رجال مكتب المباحث الفيدرالي؟ لدي كتب حول الاغتيالات والأسلحة والإسلام ومواد ابحاث والقرآن. انها اشياء تجعل (المباحث) تعتقد باني مهتم بمنطقة الشرق الاوسط، وقد بدأت تخيل ما يمكن ان يحدث لي».

وفي المسرحية، فإن العملاء الذين يزورون البطل خالد في شقته، يكونون في غاية الادب، ويقول له احدهم يدعى بارتليت «اننا نقدر ذلك»، لكن الامور تبدأ في التدهور شيئاً فشيئاً. ومع تبلور التلميحات، يتحول لقاء بالصدفة بين البطل خالد، الذي يؤدي دوره عديل اختار، مع ارهابي، يؤدي دوره بندر البلوي، الى مؤامرة.

اعطى بارتليت خالد استمارة للتقييم، وقال انهم يحاولون الحصول على رأي الجمهور في الأداء، وعلى وجه الخصوص من الجمهور الذي يوجهون اليه اعمالهم. ويقول الجندي انه لا يشعر بالرغبة في الكتابة عن السياسة. ويضيف انه يرغب في رؤية المزيد من المسرحيات السياسية، ويرى ايضا ان مشكلة المسرح الاميركي انه لا يعالج الظواهر والتطورات التي تحدث في الوقت الراهن.

السياسة غالبا ما تمثل نصا فرعيا في مسرحيات الاميركيين العرب. ومن أبرز الأعمال Between Our Lips للكاتبة المسرحية ناتالي هاندال، وهو عمل مسرحي حول امرأة فلسطينية، اوشك ان ينفذ فيها الحكم بالإعدام بسبب قتلها لزوجها. اما مسرحية Roar من تأليف بيتي شامية، فتتناول الاميركيين من اصل عربي في منطقة ديترويت خلال فترة حرب الخليج. إلا ان ثمة قضايا محددة يمكن ان تثير جدلا في اوساط الجالية العربية الاميركية. فقد كلف مسرح «كورنرستون» في لوس انجليس الجندي عام 2002 بكتابة مسرحية، كجزء من برنامج يتضمن مجموعة من الأعمال المسرحية، حول المجموعات والأقليات الدينية. وكتب الجندي مسرحية Ten Acrobats in an Amazing Leap of Faith، حول اسرة اميركية من اصل عربي تبدي الأجيال الشابة فيها تساؤلات حول تقاليد الوالدين. يتحدر الجندي من اسرة مسلمة، لكنه يقول انه ليس من النوع المتدين بشدة. عاش الجندي في الولايات المتحدة منذ عام 1983 وحصل على الجنسية الاميركية عام 1996. ويلاحظ على الجندي اللهجة البريطانية في تحدث اللغة الانجليزية، إذ عاش في انجلترا جزءا من طفولته، اثر فرار اسرته من مصر عام 1963، عندما بدأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم الأعمال التجارية للاسرة. اما لغته العربية، فلا تزال محدودة.

تخرج الجندي من الجامعة الاميركية بالقاهرة عام 1982، ذلك ان والده رأى انه يجب عليه ان يعرف بلده. وفي وقت لاحق سافر الى الولايات المتحدة، حيث حصل على ماجستير الفنون الجميلة من جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبيرغ. وتقول دينا امين، المخرجة والأستاذة بجامعة ديلاوير، ان واحدا من الأسباب التي جعلت الجندي كاتبا مسرحيا مهما، يكمن في انه على الرغم من حقيقة ان الجندي نفسه من الجيل الأول، فانه يحاول النظر الى محنة الاميركيين العرب من وجهة نظر الجيل الثاني.

اما خوري، فيعلق قائلا ان النزعة المحافظة داخل الثقافة العربية، ربما تكون واحدة من اسباب ندرة وجود الكتاب المسرحيين وسط الجالية العربية الاميركية، ويقول على سبيل المثال ان الرقص بالنسبة للنساء أو الأداء أمام الرجال تعتبر من الأمور التي تجلب التوبيخ والانتقادات. ويقول خوري ان ثمة إحساسا حتى الآن، على الأقل، وسط الكتاب الاميركيين العرب بأنه لا يوجد مجال لعرض اعمالهم. وتذكر نجلاء سعيد، التي تقول انها نشأت في نيويورك وسط علاقات صداقة مع اليهود، ان العرب لا يختلفون عن أية مجموعة اثنية اخرى. وكانت نجلاء قد كتبت قطعة مسرحية مستوحاة من زيارتها الى فلسطين مع والدها الراحل.

* خدمة «نيويورك تايمز»