أزمة الموانئ تثبت أن دبي لا تستطيع الهروب من مشاكل العالم العربي

الإمارة تستقبل الأزمة بعقلانية وبدون مظاهرات وافتتاحيات حادة وأحاديث عن مؤامرة يهودية

TT

بينما حول أعضاء مجلس الشيوخ الاميركي دبي الى اسم مشهور في الولايات المتحدة في الاسبوع الماضي، لم تتغير الحياة في هذه المدينة الصحروية: المتزلجون يمارسون هوايتهم بالتزلج على الجليد في حديقة ثلجية صناعية في اكبر مركز تسوق في المنطقة، والعمال يضعون اللمسات الاخيرة على جزيرة من صنع الانسان تحت التعمير، ورجال مثل رشاد بخش مستمرون في التخطيط لليوم الذي يتحول فيه عدد السكان من مليون الى ثلاثة ملايين نسمة.

الا انه لا احد يتحدث عن القضية التي شغلت واشنطن، وهي ادارة شركة موانئ دبي العالمية المملوكة للحكومة لستة موانئ اميركية.

والحقيقة ان الأمر الاكثر اثارة لقضية الموانئ هنا في دبي هو الافتقار الي رد الفعل: لا افتتاحيات حادة ولا مظاهرات، ومن المؤكد لا حديث عن مؤامرة يهودية. العديد هنا يعتبر العاصفة السياسية المتعلقة بالموانئ كمثال على كيفية تفوق هذه الدولة الطموحة اقتصاديا في التغلب على جيرانها العرب.

وقال بخش الذي يرأس هيئة التخطيط في دبي «الناس في دبي يمارسون التجارة. ونعلم انه عندما تسعى وراء عقد ما، يمكنك تحقيق الربح او الخسارة. واذا ما خسرت، تمضى في طريقك. ولكن على الاقل الآن، عندما اقول انني من دبي، اعرف ان الناس يعرفون اين هي».

وبالرغم من ذلك، وبغض النظر عن مشاريع البناء الصارخة وخطط النمو المتسارعة والهوس بالمبالغات، فإن الضجة حول الموانئ تؤكد بالنسبة للمسؤولين في المدينة وغيرهم العقبات التي ستواجهها هذه المدينة في سعيها من اجل التحديث. ورغم ان دبي تبذل جهودها لحماية نفسها من مشاكل العالم العربي، الا ان الضجة اثبتت ان المدينة ستتحمل هذا العبء لفترة طويلة.

وقال غسان طهبوب، مدير الاعلام في المكتب التنفيذي لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «كانت تجربة يتعين عليك العيش معها والفوز بها والتعلم منها بالتالي. هذه هي اميركا وهذه هي جماعات الضغط والمصالح والسياسة، وقد وجدت دبي نفسها وسط غابة. وفي النهاية يتعين علي ان اشكر كل شخص هناك على هذا الدرس». ويعترف كثيرون هنا بأنه ما دامت دبي تبرز كقوة على المسرح العالمي فان امامها الكثير مما يتعين أن تتعلمه حول «الجوانب الشفافة» للأعمال ابتداء من السياسة وانتهاء بالعلاقات العامة.

وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات، متحدثا عن الحكومة «ليس لدينا اشخاص اكفاء للحديث. وليس لديهم خبراء ومعلقون. ليس هناك خطاب سياسي في هذه المدينة، وقد وضح هذا».

وقال خبير بارز في العلاقات العامة يقوم بتقديم المشورة للحكومة إن المدينة بحاجة الى تمييز نفسها عن المدن والدول العربية الأخرى. وقال الخبير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية انتقاد دول عربية اخرى ان «دبي ما تزال تمتلك دورا كبيرا في توضيح من نكون بالنسبة للعالم. ان كل امرئ يعلم من هي دبي في المنطقة. ولكن في أميركا تعتبر عربية وكفى».

ومع سكان دبي الأصليين الذين لا يتجاوز عددهم 15% من العدد الكلي لسكانها، تبدو كلمة «عربية» آخر ما يمكن استخدامها لوصف هذه المدينة. فاحتمال التكلم بالانجليزية، بل حتى اللغات الآسيوية، هو أكبر من استخدام العربية. والكثير من الهنود يشيرون إلى دبي باعتبارها «أفضل مدينة يديرها الهنود».

وتعتبر دبي العاصمة المالية للإمارات العربية المتحدة، وهي مقر أكثر من 800 شركة أميركية تعمل في الشرق الأوسط. ومثل سنغافورة التي ظلت نموذجا لهذه المدينة، فإن دبي أصبحت نقطة استقطاب تجارية للمنطقة ومغناطيسا للمستثمرين العرب والإيرانيين والآسيويين.

وقال عبد الله «دبي تحاول أن تثبت لنفسها ولبقية العالم العربي أن هناك حياة بعد البترول وأنها في الواقع حياة أفضل. والأخبار السعيدة هي أن هناك مجالا لدبي ثانية وثالثة مثلما أن هناك مجالا لسنغافورة ثانية في آسيا».

وأضاف عبد الله «هذه مدينة عربية تعيش لحظة تاريخية استثنائية». وقارن بينها وبين بيروت في فترة الستينات من القرن الماضي والقاهرة في فترة الخمسينات.

وتحب دول أخرى أن تقلد دبي مثل البحرين وقطر والكويت، لكن ليس واضحا ما إذا كانت ستنجح في جهودها. فقد لا تمتلك تلك الدول ميلا قويا مثل دبي من حيث العثور على الفرص من المستحيل، ولا من حيث انفتاحها على العالم الخارجي او انفتاحها التام أمام التعاملات التجارية غير المحدودة.

* خدمة «نيويورك تايمز»