لماذا يتجه العلماء لتبديل طريقة الدفع التقليدية لإرسال المركبات الفضائية؟?

البروفسور الأميركي اللبناني الأصل شويري يشرح لـ الشرق الاوسط فوائد صواريخ البلازما

TT

عندما هبط رائد الفضاء الاميركي، نيل آرمسترونغ، أول انسان على سطح القمر في 20 يوليو (تموز) عام 1969، قال عبارته الشهيرة «هذه خطوة صغيرة للانسان وقفزة كبيرة للبشرية». والآن تحاول وكالة الطيران والفضاء الاميركية (ناسا) أن تخطو خطوات أخرى عملاقة لاستكشاف القمر والمريخ وكواكب الفضاء الخارجي الأخرى، اذ كشفت أواخر العام الماضي النقاب عن خطط ومشاريع جديدة بشأن العودة الى القمر وإرسال رواد فضاء اليه بحلول العام 2018 لتأسيس قاعدة عليه، أكثر ديمومة ليصبح بوسع رواد الفضاء البقاء لفترة أطول قد تصل الى ستة أشهر، كما يمكن استخدامها في الوصول الى كوكب المريخ. وسوف تعتمد هذه المشاريع الواعدة على استخدام صواريخ متقدمة تعتمد على تقنية الدفع بالبلازما ذات الطاقة العالية لاطلاق المركبات الفضائية الضخمة والرحلات المأهولة الى الفضاء. وقد استضافت جامعة برينستون الاميركية اخيرا المؤتمر الدولي للدفع الكهربائي، حيث التقى 310 علماء من 16 دولة للتباحث حول التطورات الحديثة في مجال صواريخ الدفع بالبلازما لاستكشاف الفضاء الخارجي، والتي تؤكد أن عدد البعثات الفضائية التي تستخدم الدفع بالبلازما سوف يزداد بشكل واضح في المستقبل.

وترأس هذا المؤتمر عالم الفضاء الأميركي الجنسية اللبناني الأصل ادغار شويري، مدير مختبر الدفع بالبلازما وبرنامج الفيزياء الهندسية في جامعة برينستون الاميركية، والذي يعد واحدا من أبرز العلماء في العالم في مجال تقنية الدفع بالبلازما.

وفي حوار مع «الشرق الأوسط» شرح البروفسور شويري تقنية الدفع بالبلازما وأهميتها في دفع المركبات الفضائية. ويقول ان مختبر الدفع بالبلازما مهتم بتطوير صواريخ جديدة ذات كفاءة عالية لدفع مركبات الفضاء، عن طريق تطبيق فيزياء البلازما. ولتوضيح ماهية البلازما، يقول إن للمادة ثلاث حالات، صلبة وغازية وسائلة، فاذا قمنا بتسخين المادة الصلبة، ستتحول الى حالة سائلة، واذا تم تسخينها وهي سائلة، ستتحول الى حالة غازية، وعادة ما يتكون الغاز من ذرات أحادية الشحنة أو جزيئات متطايرة ثم تتصادم ببعضها بعضا. واذا قمنا باكساب الغاز طاقة (عن طريق تسخينه أو تمرير تيار كهربائي مرتفع أو ضوء ليزر كثيف من خلاله)، فان بعض الذرات تكتسب طاقة كافية لتحرير الكترون سالب الشحنة ليصبح ذا شحنة كهربية موجبة. هذا الغاز ذو الطاقة العالية جدا يسمى البلازما، وهي الحالة الرابعة للمادة. اذ البلازما عبارة عن تجمع من جسيمات سالبة (الكترونات) وأخرى موجبة (أيونات)، وهي بذلك تمتلك خواص تختلف اساسا عن التي يمتلكها الغاز المحايد (ليس له شحنة كهربية)، ويمكن التحكم في البلازما عن طريق المجال المغناطيسي. كما أنها موصل جيد للكهرباء، فعند تمرير تيار كهربائي خلال البلازما واستخدام المجال المغناطيسي، يمكن بذلك اخضاع البلازما لقوة كهرومغناطيسية مشابهة لتلك التي يعمل بها المحرك الكهربي، وهذه القوة يمكن استخدامها بشكل فعال لزيادة سرعة البلازما ودفعها بسرعة عالية جدا قد تصل الى 60 كيلومترا في الثانية، وبهذه الطريقة يتم انتاج قوة دفع يمكنها دفع أي مركبة فضائية في الفضاء. ويطلق على هذا الجهاز الذي يقوم بتوليد وتسريع البلازما اسم صاروخ البلازما أو محرك البلازما أو «جهاز الدفع بالبلازما» Plasma Thruster، وهو عبارة عن صاروخ كهربائي لاعتماده على الطاقة الكهربية بدلا من احتراق الوقود. ويركز مختبر الدفع بالبلازما على دراسة الفيزياء المعقدة للبلازما وتطوير أنواع مختلفة من صواريخ البلازما. وعن اهمية تقنية الدفع بالبلازما في المركبات الفضائية، يشير البروفسور شويري الى أن معظم الصواريخ المستخدمة حاليا في الفضاء هي صواريخ كيميائية (بوقود كيميائي) تعتمد على عملية الاحتراق، أي تحرق الوقود السائل داخل حجرة الاحتراق لإنتاج غاز كهربي محايد، يخرج كعادم من الصاروخ بسرعة لا تتجاوز 3 كيلومترات في الثانية. وكلما كانت سرعة الغاز الخارج من الصاروخ عالية، قلت نسبة الوقود المستخدم لدفع مركبة فضائية من مكان لآخر في الفضاء، ولذا نحتاج الى عدة أطنان من الوقود لإرسال مركبة فضائية كبيرة مأهولة أو على متنها معدات ثقيلة. أما اذا استخدمنا صاروخ البلازما الذي تصل سرعة العادم فيه الى 60 كيلومتراً في الثانية، فان وزن المادة الدافعة يمثل جزءا صغيرا بالمقارنة بتلك التي يستخدمها الصاروخ الكيميائي. ولابد من الاشارة الى أن صواريخ البلازما تستخدم فقط في محيط الفضاء الخارجي، أي عند وصول المركبة الى المدار المخصص لها، لأننا ما زلنا نعتمد على عملية الدفع الكيميائي لإطلاق المركبات الفضائية من على سطح الأرض.

وقد ساعد استخدام الدفع بالبلازما في المدارات على توفير قدر هائل في كمية المادة المستخدمة في عملية الدفع والتي يجب اطلاقها، وهذا يعني توفيرا كبيرا في تكلفة عملية الاطلاق، اذ تصل تكلفة اطلاق كيلوغرام واحد من هذه المادة ما بين 20 الى 200 ألف دولار.

وعن توجهات دول العالم لتوظيف تقنية البلازما في رحلات الفضاء المقبلة يقول البروفسور شويري انه توجد اليوم أكثر من 170 مركبة فضائية تستخدم الدفع الكهربائي، وجزء متزايد منها يستخدم أجهزة الدفع بالبلازما، حيث يوجد الآن في الفضاء 20 قمرا صناعيا للأغراض العلمية والتجارية تستخدم صواريخ البلازما للحركة في الفضاء أو لتعديل مواقعها. وتعتبر المركبة الفضائية Deep Space-1 التابعة لـ«ناسا» التي أطلقت عام 1998 أول مركبة تستخدم صواريخ البلازما، وقد حققت مهمتها بنجاح باهر، حيث مكن المحرك الأيوني المركبة من السفر لمسافة 320 مليون كيلومتر، ومن اعتراض أحد الكويكبات السيارة وأحد المذنبات، وقد استهلكت 80 كيلوغراما فقط من الوقود. كما حققت السفينة الفضائية SMART-1 ـ التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية في سبتمبر (ايلول) 2003، نجاحا آخر ووصلت لأحد المدارات حول القمر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، وقد استخدمت المركبة نوعا من صاروخ البلازما يطلق عليه Hall thruster، والذي استهلك 10 كيلوغرامات فقط من غاز الزينون xenon. كذلك استخدمت مركبة الفضاء اليابانية HAYABUSA Asteroid Explorer نوعا آخر من المحركات الأيونية للوصول الى أحد الكويكبات السيارة مستهلكة 22 كيلوغراما فقط من وقود غاز الزينون. وتعكس كل هذه المهمات الناجحة المزايا الواضحة لتقنية الدفع بالبلازما.

* كاتبة وباحثة مصرية مقيمة في ولاية جورجيا الأميركية