ظاهرة جديدة في اليابان.. قرى تشيخ وتختفي من الوجود

سكان أوغاما المسنون قرروا الرحيل وبيعها لشركة نفايات.. لتوقف النمو فيها

TT

تقلص عدد سكان هذه القرية الجبلية القريبة من «بحر اليابان» إلى ثمانية مسنين رأوا أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم الحالية، ولذلك اتفقوا، بعد أشهر من القلق، على حل راديكالي: بيع كل قرية أوغاما إلى شركة تعنى بجمع القمامة مركزها في طوكيو لتحول القرية إلى منطقة لدفن النفايات.

ومع الأموال التي سيحصل عليها القرويون، وغالبيتهم في السبعينات من العمر، سيكون بإمكانهم الانتقال خلال السنوات القليلة المقبلة إلى مناطق سكن أخرى مجهولة حتى الآن بعد أن يأخذوا معهم كل مقتنياتهم بما فيها قبور عائلاتهم. وهذه الحالة هي الأولى من نوعها في اليابان عندما يقرر سكان قرية اخلاءها بشكل اختياري. وقال رئيس القرية كازو مياساكا، 64 سنة: «أنا متأكد أننا سنكون أول من يقوم بمبادرة من هذا النوع. اتخذنا القرار بسبب غياب أي مستقبل لنا هنا». وأضاف مياساكا، قائلا من هضبة محاطة بأصوات تيار الماء والطيور المغردة: «لم أتخيل أن تبلغ الأمور هذه النقطة، كانت المنطقة في السابق حقولا للأرز».

ورغم قرار سكان اوغاما بالتخلي عن قريتهم، والذي يعتبر قرارا متطرفا نوعا ما، فإنه يأتي كتعبير عن مشكلة تواجهها اليابان الآن وتتمثل في كونها اكثر بلد يضم نسبة عالية من السكان المسنين وبدأت تشهد انخفاضا في عدد السكان، العام الماضي، لأول مرة في تاريخها. وأصبح الريف الياباني وبشكل متزايد خاليا من السكان، وهناك مخاوف من أن الكثير من القرى مثل أوغاما ستختفي قريباً.

وفي اليابان هناك كثير من التجمعات السكانية التي يسميها الأكاديميون بـ «القرى التي بلغت حدودها»، وهو وصف للتجمعات التي يبلغ عدد المسنين فيها اكثر من نصف تعداد السكان. ومن بين 140 قرية في مونزن، المقاطعة التي تضم قرية أوغاما، هناك 40% لا تتجاوز البيوت المأهولة فيها 10 عائلات وغالبية الناس فيها من كبار السن.

يشار الى ان ريف اليابان لم يتمكن من تجاوز الكساد الاقتصادي، عكس الحال في المدن. فالكثير من شوارعها المخصصة للمحلات التجارية أصبحت «شوارع محطمة» وهناك القليل من المساحات الريفية التي يمكن العثور فيها على بدائل اقتصادية للمشاريع العامة الكبيرة التي ظل الحزب الليبرالي الديمقراطي يتبناها حفاظا على الأصوات لصالحه.

ووسط حرص شديد لتجاوز الأزمة، حاولت الأوساط الريفية أن تتنافس من أجل الحصول على مشاريع اعمال كانت تثير احتجاجات كبيرة في أوقات الرفاهية. فبلدة أساهي التابعة لولاية شيمان على «بحر اليابان» تم اختيارها من 60 بلدة العام الماضي لتكون مكانا لألفي سجين.

وكجزء من مساعيه لتعميق اللامركزية زاد رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي، خلال سنواته الخمس في الحكم، من الضغط على المناطق المحلية عبر تقليص النفقات الحكومية على المشاريع العامة، مما يعني تحويل الأموال والوظائف لشركات الإنشاء المحلية. وكان من نتائج ذلك ان «اتحاد الإنشاء الصناعي في بلدة هورين» أعلن ان الاعمال انخفضت بنسبة 45 في المائة خلال السنوات الخمس، وان اعداد الأعضاء في الاتحاد انخفض من 74 الى57، مع اعلان الكثير من الشركات افلاسها. كذلك قطع رئيس الوزراء كويزومي التعويضات وإعادة توزيع الضرائب لصالح السلطات المحلية، وبدلا من ذلك منح هذه السلطات المحلية الصلاحية لفرض الضرائب مباشرة. لكن المسؤولين في الريف يحاججون بأنه مع انخفاض عدد السكان وتقلص حجم الاعمال لن يجري جمع مبالغ كبيرة من الضرائب.

ولمسايرة الوضع السائد في كل انحاء اليابان لتوحيد البلديات ماليا، تم دمج مونزن مع مدينة قريبة منها هي واجيما في فبراير (شباط) الماضي. في عام 2000 كانت العوائد التي تصل من طوكيو إلى تلك البلديتين 114 مليون دولار، وهي تغطي نصف عوائدهما، لكن في عام 2005 تقلصت المبالغ القادمة من العاصمة إلى 90 مليون دولار أي حوالي 44% من إجمالي العوائد. وقال فومياكي كاجي عمدة البلدية الموحدة إن التغييرات الأخيرة تعد بمثابة رسالة تقول «إن الريف يجب أن ينتهي».

بعد الحرب العالمية الثانية كانت هناك نحو 30 عائلة في أوغاما، تضم كل واحدة منها ثمانية او تسعة اشخاص. وفي الوقت الحالي يعيش ثلاثة ازواج في زاوية واحدة من القرية وتعيش امرأتان لوحدهما في زاوية أخرى. ويرتفع تل صغير في الوسط يقع على قمته مرقد، كان زلزال تسبب قبل سنوات في انهيار جزء من بوابته.

وتتدفق جداول صغيرة من الجبال المحيطة جاعلة من الأرض في اوغاما رطبة، مع أجزاء خضراء تنتشر فيها الطحالب. وبدأت الغابة المتسعة باستعادة الأرض التي كانت خصبة ذات يوم، لتخفي بقايا البيوت المهجورة وتحجب ضوء الشمس.

وقالت هاريو مياساكا، زوجة زعيم القرية، والبالغة من العمر 61 عاما وهي أصغر المقيمين في أوغاما، ان «بيتنا ما يزال قائما لحسن الحظ». وأضافت، وهي تقف أمام بيتها: «نحن في نهاية طريق مسدود. أطفالنا لم يعودوا، ولهذا لن يكون هناك نمو إضافي. نحن نشيخ».

وكان زوجها اول من عرض فكرة اخلاء القرية. فبعد تقاعده كملاح قبل عقدين من الزمن وإنشائه مشروعا لبناء سقوف مضادة للماء، قال مياساكا انه تنبأ بانكماش مستقبل أوغاما. ولهذا بدأ بعد خمس سنوات على تقاعده، متابعة عدد من الاحتمالات، بينها تحويل المنطقة الى ملعب للغولف. ولم تتحول أفكاره الى واقع الى أن اتجه مياساكا الى شركة تاكي للنفايات الصناعية في طوكيو قبل عامين، وأبدت الشركة اهتماماً بالموضوع. استدعى مياساكا أهل القرية، وكان قد اصبح رئيسا لها قبل ثلاث سنوات بعد أن صار الرجلان الآخران عاجزين عن القيام بالمهمة بسبب اعتلال صحتهما، وابلغهم العرض. قبلت امرأتان، من اللواتي كن قد قدمن للقرية بسبب الزواج، الفكرة، الا ان الرجال الذين يعيشون على أرض اجدادهم صدموا.

كانت سيتسو ياشيدا،71 عاما، أول الموافقين، وهي امرأة متفائلة فكرت في الانتقال الى مركز الولاية لتعيش في بيت ابنها. وقالت هاريو ساكاغوشي، 70 عاما، انها وزوجها هيروشي، 74 عاما، ناقشا الموضوع مع أبنائهما وافقوا على الخطوة. أما عائلة تانيغوشي فواجهت صعوبة في قبول الفكرة، خصوصا الزوج، المقعد في البيت منذ عامين والبالغ من العمر 76 عاماً. وقال هذا الزوج: «لو كنت أصغر بعشر سنوات لذهبت مع بقية أفراد القرية الى أي مكان». غير أنه بعد نصف سنة من النقاشات مع ابنائه أعطى تانيغوشي موافقته لرئيس القرية، ويبدو انه كان مرغماً.

بعد ذلك تسارعت المحادثات مع شركة النفايات، اذ اتصل رئيس القرية بمالكي أرض آخرين حصل ايضاً على موافقتهم. وبدأ مسؤولون من شركة تاكي بزيارة أوغاما، كما زارها رئيس الشركة والتقى القرويين في بيت رئيس القرية. واتخذت الشركة الخطوة الأولى باتجاه تنفيذ تقييم بيئي. وإذا سارت الأمور على ما يرام فان المسؤولين في الولاية سيصادقون على المشروع في غضون أربع سنوات، وعندها تصبح أوغاما تاريخاً.

* خدمة «نيويورك تايمز»