عراقيون يقتلون.. بعضهم برصاص صديق وآخرون برصاص عدو

أحدهم قتل بـ«نيران صديقة».. وآخر بطلقات مسلحين.. وطالبة بانفجار عبوة ناسفة

TT

لم يكن «بيقة»، او محمد النعيمي، سوى احد الذين اضحكوا الناس وهو يتجول في شوارع الاعظمية ببغداد، خصوصا شارع الجرداغ، ليقول كلمته بعد ان فقد عقله اثر مشاركته في الحرب العراقية ـ الايرانية.

وكان محمد شخصية من طراز خاص عرفه الجميع وهو يغني المواويل ويردد بصوت عال انه من الضباط الكبار، لكن ضحكات واغنيات محمد او (بيقة)، كما يحب اهل الاعظمية تسميته، توقفت فجأة عندما جاءت رصاصات اميركية لتستقر في صدره اثناء احداث الاعظمية الاخيرة، ليكون محمد واحدا من الابرياء الذين سقطوا من دون ان يلتفت اليهم احد، فقد قتلوا بنيران صديقة، كما يقول اغلب اهل الاعظمية، وهم يستهزئون من جريمة القتل تلك.

لكن محمد عندما غادر الاعظمية مضرجا بدمه، خرج ليودعه الى مثواه الاخير كل شباب الاعظمية وليطرحوا سؤالهم، الذي بدأ يتردد على السنة العراقيين، ما ذنب الابرياء في كل ما يجري من احداث عنف؟

هذا السؤال قرأته «الشرق الاوسط» ايضا على وجوه وسمعته من السنة الذين حضروا مراسم عزاء زينب وتوت، الطالبة الجامعية التي عقد قرانها مؤخرا لكن فرحتها واهلها لم تدم، فقد انفجرت بها عبوة ناسفة في منطقة حي القادسية هذه العبوة جعلت جسد زينب يتطاير في كل مكان، بعد ان ترجلت من السيارة التي تقلها وزميلاتها الى مكان اقامتهن بعد انتهاء الدوام الرسمي في الجامعة، تقول والدتها، ان زينب كانت تتهيأ لعرسها وقد احضر اهل العريس كل هداياها في يوم وفاتها وتساءلت: «ماذا نفعل بالعرس ان كانت العروس قد تناثرت في الاجواء؟». ولم يكن علي ايضا، الطالب في المرحلة الاعدادية سوى ضحية اخرى من ضحايا البراءة في العراق، فقد قتل برصاص المسلحين من دون ان يعرف اهله الذنب الذي اقترفه. يقول والده، ان علي كان من المتفوقين في دراسته وكان يحلم في ان يكون طبيبا او مهندسا، ولطالما كان يفكر بمستقبله بعيدا عن كل انواع العنف التي يشهدها العراق. اما نبوان وهو كردي القومية ويسكن في منطقة الكفاح ببغداد، فقد قتل اثر مشادة كلامية بين انصار احد الاحزاب وانصار احدى الميليشيات ليصبح ضحية ذلك الشجار في ليلة بغدادية ابتدأت بالنقاش وانتهت بالدم.

احد الاطباء في العلوم النفسية والاستاذ في جامعة بغداد، قال لـ«الشرق الاوسط»، ان تأثير هذه الاحداث وتفاصيل القتل اليومي للافراد سيؤثر سلبيا على الاشخاص، ممن تبقى من تلك العوائل، مشيرا الى ان العديد من مرضاه هم ممن تعرض افراد عوائلهم للعنف والقتل العمد، وضحك الطبيب للتفرقة بين النيران الصديقة والعدوة. وقال كل قتل عمد هو قتل والرصاص عندما يوجه الى صدور الابرياء فهو جريمة، مشيرا الى ان احد معارفه من المحامين عرض عليه عدة قضايا سيتم رفعها الى جهات معينة في العراق وخارجه من اجل المطالبة بالتعويضات، التي من المفروض على الجهات التي قامت بالجرم ان تدفعها للمتضررين، مؤكدا ان القضايا لن تفرق بين نيران عدوة او صديقة.